عمر حاذق وقصائد مأسورة - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عمر حاذق وقصائد مأسورة

نشر فى : الجمعة 7 مارس 2014 - 5:55 ص | آخر تحديث : الجمعة 7 مارس 2014 - 5:55 ص

 «تقولين لا وتنأى فراشات عينيك عنى ذرينى إذا ذرينى وأنهارَ حُلْمى وفنى، أغمض عينى كأنى أهدهد أمواج شَـعرك فى شط صدرى، أغنى إلى أن تنامى فأرخى شراع التمنّى وأسند ظهرى إلى شجر من حنان وأمنِ».

تنساب كلماته الدافئة تبحر عبر النفوس لتخاطب أسمى العواطف الإنسانية ويحيى بكلماته قلوبا أجهدتها مسيرة الحياة وعناء الطريق، تعلم من البحر قوته ورقته وتمرده وصفاءه الذى يلمع فى كل بيت شعر كتبه، يبحر بك كربان للقلوب تتصاعد أنفاسك وتتسارع خطواتك وتلهث خلف معانيه العذبة التى تعزفها موسيقى شعره، التى تشبه الأمواج ورذاذها المنعش الذى طالما صافح وجهه منذ كان طفلا صغيرا يضرب موج البحر بقدميه فى مدينته الساحرة الإسكندرية.

إنه شاعرنا وغائبنا وحاضرنا (عمر حاذق) ابن هذا الجيل الذى يبدع فنا مختلفا فى موسيقاه وشعره ولوحاته، ولكن هذا الفن الذى يعبر عن هذا الجيل لم يرق لآخرين، فحاصروه خلف قضبان ظنوا أنها ستخرس صوته وتقطع عزفه وتنضب دفقه، لكن الحقيقة أن الإبداع يأتى من رحم الألم وأن جراحنا النازفة تخرج أروع ما فينا من مشاعر وكلمات تجسد ما نعيشه.

•••

فى كل بلاد العالم يحتفون بشعرائهم ومبدعيهم، بينما يندهش البشر، وهم يرون شاعرا مبدعا حلق فى فضاءات الأدب العالمية قد غيبته قضبان السجان، لمن لا يعرف عمر هو الشاعر «عمر حاذق» الذى مثل مصر بالمحافل الدولية وحصد العديد من الجوائز الأدبية، منها جائزة عبدالله باشراحى، لإبداع الشباب بمصر بديوان «كم أنت حلوة» عام 2005، وصدر له ديوان «فضاءات الحرية» بالاشتراك مع الشاعر البرتغالى «تياجو باتريشيو» والشاعر الإيطالى نيكى داتوما والشاعر السورى عبدالوهاب العزاوى عام 2011. وحصل على جواب شكر من هيئة أبوظبى للثقافة والتراث بمشاركته بمسابقة أمير الشعراء بأبوظبى على إنجاح هذه المسابقة الذى اشترك بتنظيمها، وكان من ضمن الفائزين الأوائل، وأخذ درعا بلقب «شاعر الرومانسية» عام 2007، كما شارك بمؤتمر الحب والسلام بإيطاليا وفاز بجائزة الشعر «الحب والسلام» على مستوى العالم.

إذا علمت أن عمر يقضى الآن عقوبة بالسجن لمدة سنتين ستصيبك الدهشة، فعمر لم يقتل ولم يسرق وانما كان يكتب الشعر وينتفض ضد الظلم، لم ينتم لأحزاب سياسية ولم تكن علاقته بالسياسة سوى مشاركته فى ثورة يناير بحثا عن الحرية مثل ملايين الشباب المصرى، كل ما فعله عمر هو موقف نبيل فى يوم 2 ديسمبر2013، حيث عُقدت فى الإسكندرية جلسة لمحاكمة قتلة خالد سعيد، ووقف عدد من شباب الثورة أمام المحكمة يحملون لافتات تطالب بالقصاص من قتلة خالد سعيد وقام الأمن بتفريقهم وقام أحد أفراد الأمن بضرب أحد المتظاهرين بعنف فحاول زميل له أن يدافع عنه، فما كان منه إلا أن قبض على الاثنين وتقدم عمر حاذق يسأل: ما الذى فعله زملائى ليتم ضربهم واعتقالهم؟

فتم القبض على عمر حاذق وتمت إحالته للمحاكمة بالتهم الآتية: تخريب المنشآت وتحطيم سيارات الشرطة والاعتداء على الجنود والضباط وإتلاف الممتلكات العامة ومقاومة السلطات والتظاهر دون ترخيص وتكدير الأمن العام، وفى النهاية صدر حكم بحبس عمر وشباب آخرين سنتين على خلفية اتهامهم بخرق قانون التظاهر، الذى أقرته حكومة ونظام حاكم جاء عبر التظاهرات التى حدثت فى 30 يونيو ولولا التظاهر ما جاء هؤلاء للسلطة!

لم نسمع ضجة للمثقفين الذين ينتفضون عند اختيار وزير الثقافة كل مرة ويهددون ويتوعدون، لم نسمع صوتهم فى مأساة عمر حاذق الفنان الشاب المثقف واكتفت بعض الأصوات الخافتة التى لم يتجاوز عددها اليد الواحدة فى ادانة ما حدث لعمر وإعلانهم التضامن معه ولا أدرى ما سبب التجاهل؟ هل يرون عمر مجرما يستحق العقاب.. هل يؤيدون مصادرة الحريات.. هل يخشون رفع أصواتهم فى وجه السلطة؟

إن ما حدث لعمر لن نعلق عليه قضائيا حتى لا يخرج المتشدقون ويقولون لماذا لا تحترمون القانون؟ ولكننا نسأل أى قانون هذا الذى تم فرضه علينا جبرا عبر سلطة ألقت بآراء الكل فى القمامة وأخرجت هذا القانون الذى يُبرر به الآن حبس عمر وعلاء عبدالفتاح وغيرهم، يسرقون حريتنا رغما عنا وحين نطالبهم بها يعاقبوننا وكأننا نطلب شيئا ليس لنا؟!

ستظل كلمات عمر وأشعاره تتردد فى أذاننا تنتظر خروجه هو ورفاقه مع أشعة فجر جديد يشرق على هذا الوطن بالحرية ويرفع الظلم ويعلى الحق، ولئن طال ليل الظلام فإنه لن يدوم، قلبوا مع عمر حاذق السكر فستحلو الحياة يوما ما، وتنفسوا هواء الحرية ولا ترضوا بغيرها.

«حين أقلبُ فى الشاى السكر، حين يجاورنى فى الباص عجوز يشكو ويثرثر حين تفاجئنى شاحنة مسرعة ويصيح السائق بى يا ولدُ احذر، حين أمر بأم ترضع طفلا فوق رصيف قذر متكسر، حين أرى بائعة الورد العرجاء تبيع زهورا للعشاق على الكورنيش فتنبض فينا شمس المغرب قلبا كونيا أحمر، حين أعود إلى بيتى فى الحر فأرمى بقميصى أستلقى وأذوّب يومى فى كوب الأحلام لكى لا أتذكر، حتى حين أقهقه من قلبى أسمع عينيك كلاما من لغة الأيام كلاما من حزن فتى يجلس قدام البحر يفكر، الليلة عرس حبيبته قل لى يا بحرُ إذن؟ هل بلل موجك رجليها؟ حين تمشت فى هذا الليل المقمر؟ حين أعود إلى بيتى فى الحر فأرمى بقميصى وحين وحين وحين وحين، أشاهد صوتك يزحف فى رمل القلب فيرسم عمرى كومة تفاح فى زاوية تنتظر الدور لتُعصر!».

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات