الخصخصة والمشاركة عائقان للقطاع الخاص - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 1:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخصخصة والمشاركة عائقان للقطاع الخاص

نشر فى : الأربعاء 7 أبريل 2010 - 10:06 ص | آخر تحديث : الأربعاء 7 أبريل 2010 - 10:06 ص

 عندما تقرر فى التسعينيات الإجهاز على القطاع العام تحت مسمى الإصلاح الاقتصادى، أشيع أن الهدف هو توسيع قاعدة الملكية، باعتبار أن الحكومة مفرد، والقطاع الخاص جماعة يستطيع أن ينضم إليها من يجد فى مقدوره شراء الجمل بما حمل.

والغريب أن تلك المقولة سيقت فى ظل دعوى أن القطاع الخاص أقدر على حسن إدارة المنشآت الاقتصادية، لأنه يحرص على تحقيق الربح ويتفادى ما يقوده إلى الخسارة، بعكس القطاع العام الذى لا يجد القائمون بها الوازع الشخصى الذى يدفعهم للحرص على حسن الأداء، خاصة إذا كانت الإدارة الحكومية تكبله بقيود، وهى فى نفس الوقت لا تستجيب لأجراس الخطر التى تتصاعد دقاتها مع توالى الخسائر إن هى أصابت وحدات القطاع العام، ومن ثم تتحمل الخزانة العامة تلك الخسائر من حصيلة الوحدات الرابحة إن وجدت.

وهكذا اتخذت حجة الإدارة كغطاء لنقل الملكية من صيغتها العامة، أى التى تعود إلى عموم الشعب، إلى ملكية خاصة، وهو تضييق لقاعدة الملكية، خاصة عندما يجرى الانتقال إلى ما يسمى مستثمر رئيسى. يضاف إلى ذلك مقولة غريبة، تندرج تحت عنوان «الإفلاس هو الحل»، إذ يقال إن القطاع الخاص إن أساء التقدير وتعرض للخسائر التى تفقده ما يملك من رأس المال، فسوف يشهر إفلاسه.. وينطبق عليه القول «ذنبه على جنبه»، وكأن المجتمع سوف يهز أكتافه ويحمد الله على أنه لن يسأل عن تعويض المفلسين. أما ما يضيع على المجتمع من موارد، وما يفقده العاملون من وظائف فلا ذكر له. وتعظم نكبة العمال حتى لو لم يفلس المستثمر الخاص، إذ يستخدم كل الحيل والألاعيب لرميهم فى الطريق، أقلها ضررا إحالتهم إلى المعاش المبكر وهم فى قمة خبرات اكتسبوها خلال سنين طوال بالكفاح والعرق.

ومؤخرا تفتق الذهن المتوقد عن منفذ آخر للتخلص من مسئولية الاستثمار فى مشروعات يدرج علم الاقتصاد (الرأسمالى) منتجاتها ضمن ما يسمى ضمن «السلع العامة» التى تختلف قواعد العرض والطلب فيها عما يسود بالنسبة للسلع والخدمات الخاصة، ليتولاها القطاع الخاص مقابل تمكينه من إدارتها، وهو ما كان يسمى منحه حق الامتياز، مثل الذى كان لشركة ليبون للكهرباء أيام أن كان المستهلك الرئيسى لها هم السادة الخواجات الذين كانوا ينعمون بامتيازات على أبناء الشعب الذى اغتصب المستعمر حقوقه. ووقتها كان يطلق على شركة المياه «الكبّانية».

وحينما أثير التساؤل عما إذا كانت هذه المشاريع ستعود يوما إلى الملكية العامة، كان الرد هو أن المستثمر لو علم مقدما أن هناك أجلا محددا لملكيته، فقد يعمد إلى التخلى عن تجديد الآلات والمعدات، ليسلم ما تبقى «خردة» ويتركنا نبحث عمن يعيد بناء المشروع بتكاليف تتضاعف بمضى الزمن.

وإذا كنا نعانى الآن من الألاعيب التى يتم بواسطتها مضاعفة أجور الكهرباء بالتستر وراء دعوى مراعاة البعد الاجتماعى، وهى مضاعفة ستتصاعد مع الاتجاه إلى رفع أسعار الطاقة، فهل سيترك للشريك العزيز أن يحدد الأسعار التى تحقق أرباحا مريحة، ولو ذبحت المستهلكين؟ وهل ستتدخل الدولة لدعم «الفقراء» وهم غالبية الشعب الذى لا ينتمى إلى القلة القادرة على الاستثمار، بموارد تقتطع مما يدفعه هذا الشعب من ضرائب يتفنن فيها وزير مالية، غاليا كان أم رخيصا، لتمتلئ خزائن الشريك بأرباح يعلم الله ماذا يفعل بها بعد أن يخلو الوادى والساحل الشمالى والساحل الشرقى بفساده مما يصلح لبناء منتجعات يستجم فيها من عناء الإدارة، فيحولها إلى الخارج، اقتداء بمن فتحوا طريق النهب المنظم لأموال استودعها الشعب بنوكه أملا فى عائد يبتلعه التضخم؟

ومن الذى يراقب جودة المنتجات التى يقدمها هؤلاء المستثمرون، ومنهم شركات المقاولات التى أسهم الفساد المستشرى فى أن تشيد طرقأ تتآكل ليذهب ضحيتها بشر وما يملكون من معدات نقل صنعت لتتحرك على طرق جديرة بحمل الاسم، وتشييد مبان تنهار ولو دفعت فيها الملايين، لا فرق بين معهد للأورام ولا مدرسة لفلذات الأكباد أو منزل كان يرجو صاحبه خيرا من ورائه. إذا قيل أن الدولة لديها القدرة على المراقبة وتحديد المواصفات، وعلى مواكبة التغيرات التى تحدثها التطورات التكنولوجية فيها، فمن أين ستأتى بها، ولماذا لم تطبقها على ما هو تحت يديها الآن؟

لعل الأزمة المالية التى تفجرت فى الدولة القائدة للتطوير التكنولوجى والمتزعمة لدعاوى الشفافية والمساءلة والراعية لحقوق الإنسان، تدق نواقيس يسمعها الصم ويرى نتيجتها فاقدو البصر والبصيرة. لا تزال تتردد فى الأذهان فضيحة أنرون التى كانت تعتبر نموذجا يتصدر قائمة الناجحين فى الإدارة بامتياز. وما زال العالم يترنح من جراء أولئك الذى تقدر أجورهم بالملايين لكونهم نجحوا فى ابتداع مشتقات تستر خسائر كان يجب أن تعالج قبل أن تستفحل. فإذا قيل أن المشاركة تفتح الباب أمام شركات عالمية، فإن هذا هو الوهم الأكبر.

يكفى أن نشير إلى شركة للنقل البحرى تديرها عابرة قوميات تحدد لها حصة لا تتعداها ضمن خطتها العالمية رغم أن احتياجات السوق المصرية تفوق ما تقرره إلى حد كبير، وهو ما يعوق حركة الأنشطة المحتاجة لخدمات النقل البحرى الذى ما زلنا مع باقى العرب نبحث له عن مخرج.

إن الأمر لم يعد يحتمل التجربة والخطأ بعد أن كشفت الأزمة العالمية عوار النظم التى دفعتها دفة الإصلاح الاقتصادى نحو طريق الخصخصة، وكشفت مدى تداعى قاعدة الاقتصاد المصرى الذى عانى محدودية الرقعة الزراعية وعجز عن مواصلة حركة التصنيع التى أدارت الثورة عجلتها فى الخمسينيات والستينيات، إلى أن فرضت الحروب قيودا حتى على الإحلال والتجديد فيه، ناهيك عن التوسع الذى تبنته الخطة القومية الأولى. لو أنه كان المقصود حقا مضاعفة الدخل فيما لا يزيد على عشر سنوات، لكان معنى ذلك استحداث استثمارات تنشئ إنتاجا يدر دخلا يعادل ما كان موجودا.

أما أن يدعى القطاع الخاص إلى الاستيلاء على القطاع العام بدعوى الخصخصة، فإن هذا يعنى أن يفرض عليه عدم إحداث إضافة جديدة، بل مواصلة تشغيل ما هو قائم. إن الميزة الأساسية التى تنسب إلى القطاع الخاص ليست فيمن يتملك مشروعا قائما، بل فيما أطلق عليه العالم الاقتصادى شمبيتر «الرائد» الذى يطرح فكرا جديدا فيجذب إليه موارد مالية وبشرا يعملون بسواعدهم وعقولهم كما فعل طلعت حرب عندما دعا إلى أن ينسج المصريون قطنهم الذى كانت لانكشير تعيده إليهم منسوجا، وإلى أن يطرقوا أبواب مجالات لم تكن موجودة فى مجتمع انقسم إلى فلاحين فى الحقول وأفندية فى المكاتب.

وهكذا فتح الطريق لإيجاد القاعدة الأساسية التى يقوم عليها التوسع الاقتصادى، وهى تحمل المخاطرة فى المجهول، وليس الاكتفاء بما هو قائم ومعروف. وحين يدعى القطاع الخاص للمساهمة فى أنشطة عامة، ذات طبيعة احتكارية، معلوم مقدما توفر الطلب المحلى (وليس التصدير) على منتجاتها، ويرتفع فيها المكون العقارى، فإن هذا ندفع القطاع الخاص إلى التكالب على هذه المجالات المضمونة، بدلا من أن يشحذ عزيمته لطرق مجالات هى الصانع الحقيقى للتقدم فى عصرنا هذا.

وتكتمل حلقة دفع القطاع الخاص إلى اللعب فى المضمون، فإنه قبل أن يطالب بأن ننتج ما يستحق أن يباع، يستدعى مستثمرون أغلبهم أجانب ليبيعوا لنا بالتجزئة ما أنتجته مصانعنا وما يجرى استيراده من الصين وأخواتها، فى مواقع لا تصلها الأغلبية التى لا تجد ملاذا إلا فى صغار التجار القانعين بالعمل فى الأزقة، ليلاحقهم زبانية الحكومة فى مطالبات لا تنتهى، أبسطها الضرائب المبالغ فى تقديرها.

سؤال أخير: هل هذا التشويه للقطاع الخاص يندرج ضمن تنفيذ برنامج السيد الرئيس، أم هو من عنديات حكومته الموقرة؟

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات