الإسلام كما أدين به - الإنسان: أـ الإنسان مع الله - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به - الإنسان: أـ الإنسان مع الله

نشر فى : الخميس 7 أبريل 2016 - 10:55 م | آخر تحديث : الخميس 7 أبريل 2016 - 10:55 م
ــ1ــ
العلاقة الرئيسية بين الله جل جلاله وبين الإنسان هى العلاقة بين إله خالق رازق وبين مخلوق لا يملك من أمر نفسه شيئا إلا بدعم وعطاء إلهى. وقد تفضل الخالق سبحانه وتعالى فخلق الإنسان خلقة خاصة غير سائر المخلوقات، كما جعل الله لهذا الإنسان – دون غيره ــ وصفا خاصا. وتتجلى خصوصيات الإنسان فى ثلاثة أمور: 1ــ أن الله قد خلق الإنسان فى أحسن تقويم، أى فى أجمل وأنفع شكل بين جميع المخلوقات. 2ــ أن الله جعله سيدا بين الكائنات جميعا ينتفع بجميع الكائنات ويسخرها ويستخدمها ويستهلكها. 3ــ أن الله جعل الإنسان – دون غيره ــ مخيرا غير مسخر يستطيع اختيار إرادته وتحمل مسئوليته بينما كل المخلوقات الأخرى مسخرة تابعة له.

ــ2ــ
فكيف تكون علاقة الإنسان بربه؟ (( يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِى أَىِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ)). ألا يستحق هذا الخالق العظيم تقديرا وتوقيرا يتماثلان فى الإقرار بربوبيته والشهادة له سبحانه بتفرده ووحدانيته وقدراته غير المحدودة؟! ألا يستحق هذا الرزاق المبدع شكرا متواصلا على تنوع رزقه للإنسان من طعام وشراب وكساء وعطائه قدرات متعددة كالعقل والتفكير والقلب والعواطف والجسد بأعضائه وحواسه؟! ومادام هو إله واحد، ألا يستحق دوام الاتصال به ودعاءه للمحافظة على ما وهبنا ولتجديد كل ما نحتاجه ولتعويض ما استهلكناه؟ هذه هى العلاقة الرئيسة بين الخالق والمخلوق، والتى يختصرها العلماء فى مصطلحى «العقيدة» و«الشعائر»، فهى علاقة الإقرار بربوبيته ووحدانيته ثم الشكر المتواصل على إحاطته لنا بدوام عطائه ورزقه.

ــ3ــ
وينبغى ألا ينسى الإنسان شيئا هاما: أن الله قد خلقه سيدا بين مخلوقات كثيرة، ويحتاج الإنسان إلى أفكار وقوانين وإلهام كيف يتعامل معها، كما يحتاج إلى آليات وأدوات ليتعامل مع كل الكائنات، ولا معطى ولا واهب ولا ملهم إلا الله جل جلاله، فهو سبحانه يستحق دوام التواصل ودوام الود ودوام الطاعة.

فإذا أضفت إلى ذلك أن طاعتك لله لا يعود نفعها إلا عليك، ولا يجنى ثمرتها إلا أنت، فهو الغنى الذى لا تنفعه طاعة أحد ولا تضره معصية أحد.. ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)).

ــ4ــ
وحينما نتأمل ما يكلفنا الله به نجده بسيطا، ونجده جميلا، ونجده نافعا..أما أنه بسيط فذلك أن ذكر الله وتذكر نعمه لا يكلف الإنسان شيئا فلا أكثر من توجيه القلب وإعمال الفكر والنطق باللسان بأحد أسمائه الحسنى أو تذكير النفس بأحد نعمه التى لا يخلقها إلا هو جل جلاله، ولا يوصلها لك إلا توفيقه، ولا يهيئك للانتفاع بها إلا فضله، ولا يحرسك من أى آثار جانبية لهذه النعمة إلا حكمته ورحمته ((فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)).

ــ5ــ
والوصف الشرعى لتكاليف الله للإنسان هو «العبادة»، ومصطلح العبادة أو العبادات صار مصطلحا مظلوما عند كثير من الناس وعند كثير من أهل العلم الشرعى، حيث يظن هؤلاء أن العبادات هى الصلاة والزكاة والصوم والحج، وهذا فهم منقوص، فتلك الفرائض هى «شعائر العبادات» أى الحدود الجامعة، أى الحد الأدنى فى التعبير عن تذكرنا لله وطاعته وشكره. أما حقيقة العبادات، فهى جميع تصرفاتنا حتى فى إشباع شهواتنا الحلال.. فكل حركة وكل سكنة حتى الترفيه والترويح، كل ذلك عبادة.. فهل تصور الإنسان أن تناوله الطعام الحلال الذى يحبه يمكن أن يكون عبادة يثاب عليها؟! نعم إذا تناول الحلال ولم يتجاوز الحد المعقول، وراعى فيه الضوابط الصحية من حيث الكميات والأنواع والأوقات، فإذا اعتبر الإنسان تناول هذا الطعام نعمة يتقوى بها على إعمار الحياة وأداء دوره فى الحضارة الإنسانية، ويتقوى بها على طاعة الله كان تناول ذلك الطعام عبادة عظيمة، فإذا بدأ تناولها «باسم الله» وفرغ بـ«الحمد لله» زاد ثواب عبادته. والطعام مثل الملبس والمصنع والحرفة، ومثل الصداقة والجوار، ومثل الترفيه والترويح. كل شىء ينفع ولا يضر أحد يمكن أن تحسبه عبادة لله إذا نويت ذلك.

يتبع
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات