السيسى ترامب الأمل والمحاذير - إكرام لمعي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السيسى ترامب الأمل والمحاذير

نشر فى : الجمعة 7 أبريل 2017 - 10:10 م | آخر تحديث : الجمعة 7 أبريل 2017 - 10:10 م
جاء فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية على قمة تصاعد اليمين المحافظ فى الديمقراطيات الغربية وتعزيزا لها، ولا يغيب عنا أن هذا اليمين فى أساسه عنصرى أبيض له عداء واضح للمهاجرين خاصة المسلمين، إلا أن وصول تلك التوجهات للرئاسة فى أمريكا تفوق بكثير تصاعد اليمين فى بريطانيا أو فرنسا... إلخ. وذلك لما للولايات المتحدة الأمريكية من ثقل على الساحة الدولية؛ خاصة وأن ملامح هذا التوجه هو الانغلاق على الذات والبعد عن المغامرات العسكرية والتخلى عن دور الضابط للنظام الدولى الذى يعاقب الدول الخارجة على هذا النظام الذى أرسى المبادئ والقيم التى تطورت مع الزمن مثل التجارة الحرة وحقوق الإنسان (الأقليات والمرأة) والمساواة بين البشر جنسا وعرقا... إلخ.

لذلك علينا أن نضع فى أذهاننا أنه لابد من توثيق العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لعدة أسباب من أهمها أن علاقة مصر بأمريكا منذ بدايتها تمر من خلال إسرائيل، ولقد تحكمت إسرائيل فى هذه العلاقة منذ نشأتها عام 1948. وقد قطعت مصر علاقتها بأمريكا بسبب حرب 1967 حيث اتهمت مصر أمريكا بدخولها الحرب ضدها، ثم بدأت العلاقات تعود مع قبول عبدالناصر لمبادرة روجرز وزير الخارجية الأمريكى فى ذلك الوقت لوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات الثنائية مع أمريكا. ثم ارتفعت علاقة مصر مع أمريكا إلى القمة بعد حرب 1973 وإيمان السادات أن 99% من أوراق اللعبة الدولية فى يد أمريكا مما أدى إلى معاهدة كامب ديفيد. من هنا لابد وأن نضع فى الاعتبار أنه لا علاقة قوية مع أمريكا بدون إسرائيل ــ بطريقة أو أخرى ــ ومن هنا تأتى أهمية التركيز الكامل على القضية الساخنة والمعاصرة محاربة الإرهاب، لأن محاربة الإرهاب هو المشترك القوى بين أمريكا وإسرائيل ومصر. وقد أثبتت مصر قدرتها فى هذا المجال، لكن ما يميز ترامب ابتعاده فى بناء علاقاته عن المؤسسات متعددة الأطراف فى مجالات الأمن والتجارة والبيئة إذ يعتبر هذه النظرية إرثا ليبراليا من الحزب الديمقراطى لا يوثق به ولذلك يتبنى سياسات تقوم على العلاقات والاتفاقات الثنائية ولعلنا نلاحظ حج رؤساء الدول العربية وغير العربية إلى واشنطن.

***
فى أمريكا يعتبرون أن ما يقوم به ترامب هو ثورة على نظم ومبادئ طالما دعت الولايات المتحدة إليها، ولقد كان لتنفيذ الأجندة الثورية لترامب على الساحتين الداخلية والخارجية عواقب منها دخوله فى مواجهات عنيفة سواء مع السلطة التنفيذية أو القضائية أو التشريعية وكذلك الإعلام الذى هو بمثابة السلطة الرابعة. ومن الواضح أن أعضاء السلطة التنفيذية لا يثقون فى قرارات ترامب ويواجهونها من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، ردا على تشكيكه فى مؤسسات هذه السلطة وإبراز فسادها وضرورة الحد من دور موظف الحكومة. ولقد أدت تصريحاته العدائية إزاء مؤسسات محددة بالسلطة التنفيذية لتأسيس مناخ من عدم الثقة؛ فمثلا تشبيهه لأجهزة الاستخبارات الأمريكية بأجهزة ألمانيا النازية كان بمثابة صدمة غير متوقعة لهم وللشعب الأمريكى.
إن محاربة ترامب للنظام القائم سيدخله فى دوامة لا نهائية ولن يستطيع أن ينتصر فى معركة مثل هذه، لأن مبادئ هذه السلطة وممارساتها قد استقرت بالفعل منذ زمن بعيد فى الثقافة المؤسسية للقائمين عليها من أجهزة وموظفين. هذا فضلا عن قراراته التى اصطدمت بالقوانين دون علم منه مما دعا السلطة القضائية لوقف مثل هذه القرارات. وتشير التحليلات إلى أن هذه هى المرة الأولى التى يتم فيها مواجهة القضاء لقرارات الرئيس فى الأسابيع الأولى من حكمه خاصة الأسبوع الثانى والثالث وهذا بسبب قراره بوضع حظر على دخول مواطنى سبع دول ذات أغلبية مسلمة. لقد شبهه كثيرون بمحمد مرسى فى السنة التى حكم فيها مصر. أما بالنسبة للسلطة التشريعية فإن هناك أجندات يتبناها الكونجرس بصرف النظر عن موقف الرئيس منها مثل أجندة حقوق الأقليات والمرأة والحريات... إلخ. وتراجع هذه الأمور لدى الرئيس لا يعنى أنها تتراجع عند الكونجرس. وهذا هو الفارق بيننا وبينهم.

***
بناء على كل ذلك نرى أن لقاء السيسى بترامب هو فرصة متميزة حيث كانت القطيعة بين مصر وأمريكا منذ تسعينيات القرن الماضى وإعادة الحوار مع الإدارة الأمريكية أمرا فى غاية الأهمية؛ خاصة أنه من الواضح أن ترامب يريد تجديد وتعزيز العلاقة بين الحلفاء التقليديين فى الشرق الأوسط وأن ذلك سيتم بشروط بالطبع. ولقد بدأ فعلا بتطور العلاقة مع السعودية والإمارات المتحدة وقطر إلى حد ما، إلا أنه من الهام جدا أن ندرك أنه رغم انتقاداته العنيفة لأوباما إلا أنه سيتبنى سياساته بعدم التورط فى الحروب الإقليمية رغم أن تراجع أوباما أعطى روسيا وإيران المبرر للتدخل بقوة فى سوريا والعراق واليمن.

رغم كل ذلك فإن هناك بعض الإيجابيات التى يجب التركيز عليها من أهمها العلاقة الثنائية بين السيسى وترامب وإشادة ترامب بالسيسى. وعلينا ألا نقف عند هذه المشاعر الشرقية لكن يجب تحويل هذه العلاقة إلى علاقة مؤسسية وهى الأكثر استدامة وعمقا وهكذا تصبح لدينا علاقة مؤسسية ثنائية دائمة ومتراكمة كما نجحت إسرائيل فى فعل ذلك، وإن كنا نستبعد الدرجة بالطبع لكن لابد وألا تتأثر علاقتنا بأمريكا بسبب أى علاقة مع دولة أخرى بعد ما عانيناه من سياسيات أخرجت مصر من علاقاتها بسبب مغامرات وشعارات سياسية ومخاوف من اعتبارنا خونة للقضية الفلسطينية أو الأخوة العربية، ثم اكتشفنا أن من يُخوِّنوننا هم أول المتعبدين فى محراب الغرب.

كما أن هناك قضايا فى منتهى الأهمية يجب أن يكونا قد ناقشاها: الأولى نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وقد أعلن ترامب أنه يفكر فى هذا الأمر، والثانية تخليه عن حل الدولتين، وكذلك السياسات التمييزية تجاه المسلمين والعرب والتى قد تؤدى إلى إحراج الحكومات العربية. وعادة فى الزيارات الأولى بين رئيسين تكثر عبارات الإعجاب بينهما، ثم يحاول كل طرف أن يسحب الآخر إلى أرضيته ولذلك أرجو ألا يفرض ترامب أجندة إسرائيل على السيسى بقضاياها لكن أن يحدث العكس بقدر الإمكان؛ فقضية الحرب على الإرهاب وقضية الاقتصاد هما مربط الفرس لدى مصر.

أتذكر هنا ما كتبه «هنرى كيسنجر» الذى كان وزير خارجية أمريكا أثناء المفاوضات السياسية بين مصر وإسرائيل فى كتابه عن هذه المفاوضات أنه عندما كلفه الرئيس «جيمى كارتر» بالمفاوضات المكوكية استشار خبير فى التعامل مع العرب فقال له ما يلى: «عندما تذهب إلى حاكم عربى عليك أن تعلم أنه شيخ قبيله سواء كان يلبس بدلة من باريس أو جلبابا، يضع عقالا على رأسه أو قبعة أو طاقية أو كان عارى الرأس. ستجد الرئيس العربى محاطا بعدد كبير من الناس المهمين جدا لا تهتم بهم إطلاقا ادخل مباشرة إلى الملك أو الرئيس انظر فى عينيه وقل له منذ أن رأيتك اكتشفت الذكاء الخارق من نظرة عينيك، وقد سمعت عنك وقرأت أنك سياسى محنك لا يستطيع أحد أن يخدعه وأن لك شعبية جارفة عند شعبك وشعوب أخرى، وتطلع إلى وجهه وسوف تجد راحة شديدة لهذا الكلام ادخل معه فى الموضوع مباشرة وأطلب ما تريد وهو سيجيبك مباشرة بنعم أو لا. اجلس معه على انفراد لأنكما أصدقاء وقل له لنفكر معا فى الأمور التى رفضتها وفى نهاية الجلسة لابد أن تشيد بقراراته الحكيمة. عندما تذهب إلى إسرائيل ستجد رئيس الوزراء آخر من يتكلم لو أخذت فى مدحه سوف يقول لك «هات م الآخر» يسمعك ويترك الذين حوله يناقشونك وعندما تقدم طلباتك فى نهاية الجلسة سيقول لك نحن نحتاج أن نتفاوض معا بمفردنا ولن نستطيع أن نعدك بشيء إلا فى زيارتك القادمة».

أرجو أن يكون الرئيس السيسى قد غير هذا الانطباع عن الحكام العرب وإذا حدث ذلك سيكون أعظم إنجاز له.

 

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات