معضلة الرئيس بوتين فى ولايته الرابعة - علاء الحديدي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معضلة الرئيس بوتين فى ولايته الرابعة

نشر فى : الإثنين 7 مايو 2018 - 10:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 8 مايو 2018 - 2:57 م

بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الإثنين ٧ مايو الجاري ولايته الرابعة، وقد وضع نصب عينيه هدفا واضحا ومحددا، ألا وهو العمل على تكريس دور روسيا على الساحة الدولية، والإعتراف بها كقوة عظمى. حقيقة أن الرئيس الروسي قد نجح إلى حد كبير في إستعادة دور روسيا على الساحة الدولية بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي السابق وتراجع دور روسيا في عهد سلفه بوريس يالستين، إلا أن هذا الدور ما زال يواجه العديد من المصاعب والعقبات التي تلقي بظلال من الشك حول مستقبل روسيا كقوة عظمى تنافس الولايات المتحدة أو حتي الصين الصاعدة. فما هي أهم هذه العقبات أو التحديات؟

بداية، فقد تبني بوتين نهجا مزدوجا من شقين يخدمان بعضهما البعض. الشق الأول يقوم على تعظيم قوته العسكرية من خلال برنامج غير مسبوق لإعادة بناء وتسليح القوات المسلحة والنهوض بالصناعات العسكرية. أما الشق الثاني، فيقوم على تبني خطابا وطنيا يقوم على إعلاء الهوية القومية الروسية كهوية منفصلة في قيمها عن الغرب الليبرالي. وقد نجح بوتين إلى حد كبير في إستنهاض الهمة الروسية، وخاصة بعد نجاحه في ضم شبه جزيرة القرم في مارس ٢٠١٤. و هو ما كان سببا رئيسيا في زيادة الدعم الشعبي له ونجاحه في الإنتخابات الرئاسية بنسبة ٧٦.٦٪ من نسبة حضور بلغت ٦٧.٤٧٪. وقد جاء نجاح بوتين هذا على الرغم من العقوبات الإقتصادية التي فرضتها الدول الغربية على بلاده، وما نتج عنها من أزمة اقتصادية. 

هذا، ورغم تجاوز بوتين للأزمة الإقتصادية التي نجمت عن العقوبات الغربية، إلا أن الإقتصاد الروسي ما زال يراوح مكانه. فروسيا رغم كونها أكبر دولة في العالم مساحة، إلا أنها تحتل دوليا المرتبة الثانية عشر إقتصاديا بإقتصاد يبلغ ١.٥٢ ترليون دولار، وتتمتع بمعدل نمو متواضع للغاية (١.٥٪) مقارنة بالعديد من الدول الأخرى. فالصين مثلا تحتل المرتبة الثانية عالميا بإقتصاد يبلغ ١٤ ترليون دولار، وتحظى بمعدل نمو (٦ - ٧٪) وفى طريقها لإنتزاع المكانة الأولى من الولايات المتحدة التي يبلغ إقتصادها حاليا ٢٠.٤ ترليون دولار. هذا، بينما تحتل الهند المرتبة السابعة عالميا بإقتصاد يبلغ ٢،٨٥ ترليون دولار وتحظى بمعدل نمو (٧- ٨٪) وفي طريقها للتقدم إلى المرتبة الرابعة.

ولذلك فإن حجم الإقتصاد الروسي وترتيبه العالمي لا يستقيم مع دولة تطمح في أن تكون القوة العظمى الأخرى في العالم. وإذا كانت روسيا قد إعتمدت في السابق على قوتها العسكرية وما تملكه من ترسانة نووية هى الأكبر عالميا، فإنها أيضا وبنفس الأهمية بحاجة شديدة وملحة للنهوض بإقتصادها حتى تستطيع مجاراة سباق التسلح مع كل من الولايات المتحدة والصين. ويظهر هذا حين يتم مقارنة أرقام الميزانيات العسكرية لهذه الدول الثلاث: ٦١٠ مليار دولار للولايات المتحدة الأمريكية، ثم ٢٢٨ مليار دولار للصين و أخيرا ٦٦.٣ مليار دولار لروسيا طبقا لمعهد إستكهولهم للسلام الدولي. 

إذن، فإن ضعف الإقتصاد الروسي يمثل أهم عائق أمام بوتين لتحقيق هدفه، ويعود ذلك إلى أسباب عديدة على رأسها إستمرار إعتماد الإقتصاد الروسي على النفط الذي يمثل ٧٠٪ من الصادرات و٥٢٪ من إيرادات الدولة. وكان إنهيار أسعار النفط في النصف الثاني من الثمانينيات مع تفاقم النفقات العسكرية جراء التدخل العسكري في أفغانستان ما فاقم من أزمة الإتحاد السوفيتي السابق. وأخيرا جاء إطلاق الرئيس الأمريكي آنذاك، رونالد ريجان، لسباق تسلح في الفضاء عرف بإسم حرب النجوم، وعجز الإتحاد السوفيتي عن مجاراته، ما عجل بسقوط الاتحاد السوفيتي وانهياره.

لم يفت ما تقدم من أسباب إنهيار الإتحاد السوفيتي على القيادة الروسية الحالية، ورغم محاولاتها تنويع الإقتصاد الروسي للخروج من أسر الإعتماد على النفط والغاز الطبيعي، إلا أن ذلك لم يتحقق حتى الآن. و يبدو أن “ إدمان النفط“ ما زال يسيطر على الفكر الإقتصادي الروسي. فقد تبنى الكرملين سياسة تقوم علي إستحواذ حقول النفط والغاز في بعض البلدان مثل العراق وإيران، فضلا عن الدخول في شراكات إستراتيجية مع بعض شركات النفط العالمية. وذلك بهدف أن تصبح موسكو أكبر منتج للنفط في العالم والمتحكم الرئيسي في تحديد سعره. 

إلا أن الرياح لا تأتي دائما بما تشتهي السفن، فقد أدت الثورة التكنولوجية التي شهدتها صناعة النفط الأمريكية في إستخراج ما بات يعرف بإسم ”النفط الصخري“ إلى إنخفاض حاد في أسعار النفط. فقد تهاوى سعر برميل النفط من حوالي ١٠٥ دولارا للبرميل إلى أقل من ٣٠ دولارا بمنتصف عام ٢٠١٦، الأمر الذي كاد يهدد بتكرار سيناريو ما حدث في نهاية الحقبة السوفيتية. وهو الأمر الذي دفع روسيا للإتفاق مع السعودية - بإعتبارهما أكبر منتجين للنفط في العالم - على تقليص الإنتاج وبالتالي ما هو معروض منه في السوق حتي ترتفع أسعاره من جديد. وقد أثمر هذا الإتفاق على إستعادة سعر برميل النفط عن بعض من خسائره ويدور سعره حاليا حول ٧٠ دولارا. إلا أن الإنتاج الأمريكي من النفط الذي ما زال يواصل إرتفاعه بات يهدد توازن السوق من جديد، وخاصة مع تقدم الولايات المتحدة لتصبح أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم خلال فترة وجيزة قادمة قد لا تكون أكثر من عام أو عامين.

هذه الثورة التكنولوجية الأمريكية في عمليات إستخراج النفط تمثل أحد أوجه ما بات يعرف بإسم “الثورة الصناعية الرابعة“، والتي لا تقتصر علي صناعة النفط ولكن تمتد إلى العديد من القطاعات والنشاطات الأخرى. هذا، ويعد ما إصطلح على تسميته ب ”الذكاء الإصطناعي“ أهم مجالاته، حيث صرح بوتين في أحد المناسبات بأن من سيكون له السبق في هذا المجال فسيكون له الهيمنة على العالم. وهنا تكمن المعضلة الرئيسية التي تواجه الرئيس الروسي، فالقوة العسكرية باتت تعتمد على القوة الإقتصادية، والقوة الإقتصادية باتت تعتمد على القوة التكنولوجية. أي أن السباق الأن بين الدول الكبرى قد تحول إلى سباق على هذه التكنولوجيا الجديدة، ومن يكون له السبق فيها. وأصبح التحدي الرئيسي الذي يواجه الرئيس بوتين في ولايته الرابعة يدور حول مدى نجاحه في تحويل التكنولوجيا العسكرية التي يتمتع بميزة نسبية فيها إلي القطاع المدني، وأن يصبح لدى روسيا وادي التكنولوجيا الخاص بها والذى يستطيع به أن ينافس ويتفوق على وادي التكنولوجيا الخاص بالولايات المتحدة المعروف بإسم وادي السيليكون. فهل سينجح بوتين في سباق التكنولوجيا هذا؟

تم بالخطأ نشر نسخة ناقصة للمقال في الإصدار الورقي لجريدة الشروق، وهذه هي النسخة الكاملة من المقال.

التعليقات