5 يونيو والخيارات الاستراتيجية أمام العرب - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 3:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

5 يونيو والخيارات الاستراتيجية أمام العرب

نشر فى : الأحد 7 يونيو 2009 - 8:40 م | آخر تحديث : الأحد 7 يونيو 2009 - 8:40 م

 لقد شبه كثيرون هزيمة النظم العربية الراديكالية فى 5 يونيو 1967بهزيمة المماليك والعثمانيين أمام جيوش نابليون فى مصر فى سنة 1798.

على اعتبار أن كلا من الهزيمتين قد كشفتا عن الفجوة السحيقة بين الحضارة العربية والحضارة الغربية فى وقت كل منهما. فها هو الغرب المسلح بالعلم والصناعة وآلة الحرب الحديثة يواجه مشرقا عربيا لم ينتقل إلى عصر الصناعة، ويتمسك بأوهام عن تفوقه الذاتى لا تستند إلى أى حساب عقلانى.

وينطبق ذلك على أوضاع المشرق العربى فى سنة 1967، حتى ولو كانت شعارات التصنيع والعلم والحداثة هى ما رفعه نظام ثورة يوليو فى مصر ونظام حزب البعث فى سوريا. ولكن الفارق بين الشعارات والواقع كان فادحا وقاسيا ومؤلما فى ذات الوقت. ومع ذلك فلا يمكن للمراقب المنصف إلا أن يشعر بأن بعض جوانب هذه المقابلة بين هزيمة أواخر القرن الثامن العشر وهزيمة ستينيات القرن العشرين هى ظالمة، لأن بعض نتائج الهزيمة الأولى على الأقل كانت نافعة للوطن العربى، بحيث يمكن القول إن أوضاعه بعدها قد تحسنت نسبيا رغم وقوع معظم بلاده تحت السيطرة الاستعمارية المباشرة التى أخذ عهدها ينتهى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى أواخر ستينيات القرن الماضى.

أما هزيمة يونيو 1967 فإن آثارها باقية، بل ويصعب فى الوقت الحاضر تصور كيف يمكن التخلص من هذه الآثار.

وليس المقصود بهذا الرأى تمجيد حملة نابليون والإشادة بما حققته. ولكن الهدف هو بيان مدى الخسارة التى لحقت بالوطن العربى نتيجة هزيمة العرب أمام إسرائيل مرة ثانية بعد هزيمة النكبة فى سنة 1948. فمهما بالغ ناقدو الحملة الفرنسية فى شرح الآثار الضارة لوقوع العرب تحت السيطرة الاستعمارية الغربية المباشرة، فلن يمكنهم إنكار أن هذه السيطرة لم تنجح فى قهر إرادة الاستقلال عن الغرب سياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا فى الوطن العربى. بل لقد نمت فى ظل هذه السيطرة حركات وطنية ذات أبعاد متعددة نجحت فى نهاية المطاف فى تحقيق الاستقلال الوطنى.. صحيح أن هذا الاستقلال يبدو منقوصا فى عدد من المجالات وخصوصا فى العلم والدفاع والاقتصاد والإعلام، وأنماط الاستهلاك. ولكن هذه مسئولية النخب التى حكمت الدول العربية بعد تحررها من السيطرة الاستعمارية المباشرة. كما أن الرغبة فى تعميق هذا الاستقلال مازالت قائمة لدى قطاعات من النخبة المثقفة والمواطنين على حد سواء.

كما لا يمكن القول بأن الانفتاح على الغرب لم يكن بالغ النفع فى عدد من المجالات مثل التعليم والصحة والصناعة.

ولكن ليس هذا هو حال الوطن العربى بعد هزيمة يونيو 1967. لقد تمكنت نتائج هذه الهزيمة من الروح العربية، وكسرت إرادة تحرير فلسطين، لكى يحل محلها تدريجيا هدف تصفية آثار العدوان، والتى مازالت باقية، بل إنها تتعمق مع مرور الزمن. ولا يبدو فى الوقت الحاضر أن هذه الآثار فى طريقها إلى التصفية، وليس السبب الوحيد فى ذلك هو التفوق الإسرائيلى العسكرى على الجيوش النظامية العربية، ولكنه أيضا الانقسام العربى حول كيفية التعامل مع إسرائيل. وهو واضح على المستوى العربى العام بين النظم العربية التى تحافظ على علاقات متنوعة مع إسرائيل، بعضها علنى وبعضها معروف من خلال تسريبات، أو لقاءات علنية مفاجئة، وبين الرافضين لهذه العلاقات، وهو أوضح ما يكون فى صفوف المنظمات الفلسطينية بين من ينتظرون تسوية شاملة مع إسرائيل من خلال وساطة أمريكية، يأملون أن تعيدها إلى حدود 1967 ومن يرفضون الاعتراف بإسرائيل، ويحلمون بتحرير كامل التراب الفلسطينى.

الخيارات الاستراتيجية العربية

ولكن المدهش فى هذه المواجهة العربية الإسرائيلية هو غياب أى استراتيجية عربية جادة إزاء إسرائيل سواء على المستوى القطرى أو المستوى العربى الجماعى، لا قبل حرب يونيو 1967 ولا بعدها. والمقصود بالاستراتيجية الجادة أن يكون هناك هدف بعيد المدى قابل للتحقيق، وأن تكون وسائل بلوغ هذا الهدف معروفة، وأن تكون هناك محاولات حثيثة لبلوغ هذا الهدف..ليس هناك أى تجن على قيادة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر فى القول بأن هذا الهدف لم يكن قائما لديه. لقد رفعت القيادة المصرية شعار تحرير فلسطين من السيطرة الصهيونية، ولكن لم يكن لديها أى تصور مكتوب أو مشروح شفهيا، علنيا أو سريا حول كيفية إنجاز هذا الهدف. هل يكون بإلقاء اليهود فى البحر وإجبارهم على العودة من حيث أتوا؟

وماذا عن اليهود الذين جاءوا من دول عربية، ومنها دول الشمال الأفريقى والعراق واليمن ومصر؟

هذه أسئلة لم تبق فقط بلا جواب، ولكن لم تكن هناك أى محاولة للبحث عن جواب لها، وظلت القيادات العربية فى الدول المجاورة إسرائيل مشغولة بصراعاتها الداخلية والإقليمية، وبالتدخل العسكرى فى دول عربية وغير عربية، حتى جاءت أحداث مايو1967، وفرضت عليها المواجهة العسكرية مع إسرائيل فى وقت لم تتوقعه القيادة المصرية، وإن أسهمت القيادة السورية فى ذلك الحين فى توفير ذريعة له بعد إعلان القيادة المصرية تضامنها مع سوريا بإبرام اتفاقية دفاع مشترك.

ومازالت هذه الاستراتيجية بهذا المعنى الذى يقتضى تحديد الهدف الواقعى والوسائل والسعى لامتلاك الوسائل غائبة فى الوقت الحاضر، ولا يعنى غيابها أنها ليست مطلوبة، فالشعور العربى العام هو أن إسرائيل تمثل خطرا على كل الدول العربية، بما فى ذلك الدول التى أبرمت معها اتفاقيات سلام. وليست المسألة هنا أن هذا السلام هو سلام بارد يفتقد حرارة الدفء الشعبى، ولكنه محكوم عليه أن يظل باردا لأن القيادات الإسرائيلية لا تلقى بالا لمصالح هذه الأنظمة. فحل الدولتين من وجهة نظر القيادات الإسرائيلية هو أن تكون الدولة الفلسطينية فى الأردن. ووزير خارجية إسرائيل الحالى هو الذى هدد بضرب السد العالى. والخطر الذى تمثله إسرائيل على لبنان وسوريا ثابت بالتجربة التاريخية. كما أن أصابع المخابرات الإسرائيلية واضحة فى دارفور وفى شمال العراق. ولذلك فوجود استراتيجية عربية لمواجهة إسرائيل هو ضرورة لأمن الأنظمة العربية ذاتها، قبل أن يكون تلبية لرفض عربى شعبى شامل لطبيعة إسرائيل العنصرية والعدوانية.

ولكن ماذا يكون هدف هذه الاستراتيجية؟ وماذا تكون وسائلها، وما هو أفقها الزمنى، وما هى شروط تحققها عربيا ودوليا؟ لا يسمح المجال هنا بالدخول فى الخطوط العريضة لاستراتيجية مقترحة. فمن العبث أن تأتى هذه الاستراتيجية من خارج حركة سياسية أو من خارج الأنظمة، ولكن تسعى هذه السطور إلى إثارة النقاش حول صياغة مثل هذه الاستراتيجية. والخطوة الأولى فى هذا المجال هى باستبعاد تلك الاستراتيجيات التى تبدو مستحيلة التحقق حتى ولو كانت تدغدغ بعض المشاعر العربية، وإمعان النظر فى الأهداف الاستراتيجية الأخرى التى تبدو ممكنة التحقيق.

ليس من الواقعى وضع تصفية الوجود الصهيونى هدفا لأى حركة سياسية عربية، لأن تحقيقه يستلزم تفوقا عسكريا عربيا كاسحا فى مواجهة إسرائيل، وتقاعسا أمريكيا عن نجدة إسرائيل فى هذا الموقف. وليس من الواقعى انتظار الزمن حتى تتوافر هذه الشروط، فالزمن يلعب فى صالح إسرائيل وليس فى صالح العرب. الاستيطان الإسرائيلى يتوسع، وإسرائيل لا تتوقف عن فرض الحقائق الجديدة على الأرض.. ولكن يبدو أن هذا هو الهدف الذى تتطلع إليه الحركات الإسلامية فى الوطن العربى.

وليس هناك هدف آخر للهدنة طويلة الأمد التى تقترحها قيادات حماس سوى انتظار أن تسمح الأوضاع الإقليمية والدولية بالتمهيد له. كما لا يقل بعدا عن الواقعية أن يكون هدف الاستراتيجية هو قيام دولة ديمقراطية علمانية ثنائية القومية يعيش فيها اليهود والفلسطينيون العرب على قدم المساواة. والإسرائيليون هم أول من يرفض قيام هذه الدولة لأنها تعنى التخلى عن الصهيونية والطابع اليهودى لدولة إسرائيل.

بل إن التصور البالغ فى التفاؤل الذى طرحه كل من المرحوم الأستاذ محمد سيد أحمد وشيمون بيريز بعده فى ظهور شرق أوسط جديد تتعاون فيه إسرائيل بتقدمها التكنولوجى والعرب الفقراء بأيديهم العاملة والعرب الأثرياء برءوس أموالهم هو تصور آخر بعيد عن الواقعية، لأن ارتباط إسرائيل باقتصادات الدول المتقدمة أقوى من احتياجها لسوق عربية، كما أن قيام مثل هذه العلاقة يعنى هيمنة إسرائيل على الاقتصادات العربية بتفوقها التكنولوجى وصلاتها بالدوائر المصرفية العالمية.

ولذلك لا يبدو أن هناك بديلا آخر أمام الدول والشعوب العربية فى المستقبل القريب من خيار استراتيجى آخر سوى التنافس السلمى مع إسرائيل وذلك فى إطار قبولها لشروط المبادرة العربية التى تقضى بانسحابها من جميع الأراضى العربية التى احتلتها فى 1967، وقبولها قيام دولة فلسطينية فى الضفة الغربية وغزة، وعاصمتها القدس. وفى مقابل ذلك تنتهى أى مظاهر لمواجهة مسلحة بين بعض النظم العربية وإسرائيل.

بطبيعة الحال لن يكون السلام القائم بين إسرائيل والشعوب العربية سوى علاقة مقبولة على مضض. ولكن الاستراتيجية المقترحة هنا هى أن يستغل العرب فترة السلام هذه لامتلاك ناصية العلم والتكنولوجيا والانتقال بالمجتمعات العربية إلى عصر التنوير والديمقراطية. وتدعيم الروابط الجماعية فيما بينهم، والتى تشمل التعلم من تجربة الوحدة الاقتصادية الأوروبية وترجمة التزاماتهم فى هذا الصدد إلى واقع ملموس. هذا هو الذى سيفتح المجال لتغير علاقات القوى بين العرب وإسرائيل.

وهذا فى حد ذاته تحد قد لا تصمد أمامه إسرائيل بعنصريتها وعدوانيتها. إن السلام فى ظل هذه الأوضاع هو تحد حقيقى لتماسك المجتمع الإسرائيلى الحافل بالتناقضات الداخلية التى يعترف بها الإسرائيليون أنفسهم.

إذا كانت 5 يونيو تمثل هزيمة العرب أمام حضارة غربية، فإن الرد الحقيقى على هذه الهزيمة هو فى امتلاك العرب وسائل التقدم الغربى فى العلم والاقتصاد والديمقراطية. وهذه هى التصفية الحقيقة لآثار العدوان.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات