أحيلوهم للتقاعد - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أحيلوهم للتقاعد

نشر فى : الجمعة 7 يونيو 2013 - 9:10 ص | آخر تحديث : الجمعة 7 يونيو 2013 - 2:46 م

فى صيف ٢٠١٢ قابلت فى منتدى دولى يبحث علاقة أمريكا بالعالم الإسلامى، مسئولة من وزارة الدفاع الأمريكية تتولى مسئولية متابعة إحدى الدول العربية ضمن إدارة متابعة العالم الخارجى بالوزارة،

 

وأدهشنى أن عمر هذه المسئولة  الذى لم يتجاوز الثلاثين ومع ذلك فقد تولت مسئولية بهذا الحجم ولكن بعد الحديث معها أبهرنى حجم خبراتها وتنوع دراستها ومعرفتها العميقة بما تولت مسئوليته وحين استفسرت منها عن الدور الذى تقوم به إدارتها وهل يتقاطع هذا مع دور وزارة الخارجية قالت لى لا، لأن دور العسكريين يختلف عن السياسيين والدبلوماسيين وحماية الأمن القومى للولايات المتحدة الأمريكية يتطلب عملا بحثيا واستخباراتيا مستمرا يتوازى مع عمل الخارجية.

 

وفى نهاية نفس العام أتيحت لى الفرصة لزيارة الولايات المتحدة ضمن وفد دولى لمتابعة الانتخابات الرئاسية وكان من ضمن البرنامج زيارة لوزارة الخارجية الأمريكية ولقاء بعض المسئولين عن ملف الشرق الأوسط، لم تعننى الديباجات الرسمية والبروتوكولية التى يتحدث بها المسئولون الأمريكيون عن مصر والشرق الأوسط والاستراتيجية الأمريكية الجديدة فى التعامل مع هذه المنطقة بعد ربيع الثورات العربية وإنما كنت أسأل باستمرار عن  كيفية صناعة القرار وآلية اتخاذه، ووضع الاستراتيجيات الكبرى للتعامل مع الملفات الخارجية بالنسبة للولايات المتحدة.

 

لاحظ أحد المسئولين بالخارجية الأمريكية اهتمامى وتركيزى على هذه المسألة فوجهنى الى شخص آخر فى نفس سنى تقريبا، وقال لى سيجيب عن أسئلتك بشكل تفصيلى يشبع حبك للمعرفة، وبالفعل جلست مع هذا الشاب ليشرح لى كيف يتم اتخاذ القرار فى الخارجية الأمريكية.

 

تبدأ عملية صناعة القرار من مراكز الأبحاث الأمريكية المعروفة بـ (Think Tanks)، وتأثير هذه المراكز على السياسات الداخلية والخارجية وعملية صنع القرار فى الولايات المتحدة تأثيرا بالغا.

 

هذه المراكز البحثية منتشرة ومتنوعة فى المشهد السياسى الأمريكى، إذ يوجد بالولايات المتحدة أكبر عدد من مراكز الأبحاث فى العالم بما يتجاوز 1800 مركز بحثى متخصص حصل منها معهد «بروكنجز» ذو التوجهات الليبرالية والمحسوب على يسار الوسط على الترتيب الأول فى المراكز الأكثر تأثيرا فى الولايات المتحدة والعالم، يليه مجلس العلاقات الخارجية الذى يعد الأكثر تأثيرا على صعيد السياسة الخارجية، ومؤسسة كارنيجى للسلام الدولى، ومؤسسة «هيريتيج» ذات التوجهات المحافظة، ومؤسسة «راند» التى تهتم بأبحاث وسياسات الدفاع والسلاح والمحسوبة على يمين الوسط.

 

تمثل مراكز الأبحاث فى الولايات المتحدة حاضنات للمفكرين، ومن يرسمون السياسات فى مجالات السياسة والاستراتيجيات والاقتصاد وقضايا الشأن العام.

 

معظم هذه المراكز تكون مدعومة من جهات حكومية أو شركات ويتم الدفع لها بسخاء من أجل الوصول الى معلومات وتحليل كامل ومنهجى للقضية أو الملف المطلوب دراسته.

 

لا يقتصر عمل هذه المراكز على إمداد صناع القرار بالمعلومات والدراسات والتقارير اللازمة بل  تمثل مراكز إعداد للموظفين ورجال الدولة فى الإدارات الأمريكية حيث تضخ العديد من الباحثين المحترفين للعمل داخل دوائر السياسة الرسمية فى الولايات المتحدة، وغالبا ما ينتقل عدد ممن تقاعدوا أو استقالوا من مناصبهم الرسمية إلى العمل فى هذه المراكز. القرار الأمريكى ليس قرارا فرديا يتخذه الرئيس منفردا وعلى حسب رغبته أو نتيجة لرد فعل معين على حدث معين كما أنه ليس حزبيا حسب الحزب الحاكم.

 

فالرئيس الأمريكى وبرنامج الحزب الذى ينتمى إليه له هامش كبير من الحرية فى تحديد ورسم وتنفيذ كثير من السياسات الداخلية خصوصا الاقتصادية مثل النفقات والضرائب والسياسة المالية، أما فيما يتعلق بالسياسات الخارجية الأمريكية الاستراتيجية والمتعلقة بمناطق نفوذها فى العالم تضعها وترسمها (مؤسسات حكم ثابتة لا تتبدل ولا تتغير بتغير الرئيس أو الحزب الحاكم) وهى مصممة على أساس المصلحة العليا الأمريكية، وهى عبارة عن أربع جهات تتولى وضع الأهداف الاستراتيجية الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية فى العالم وتستهدف حماية المصالح العليا الأمريكية وهى:

 

وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، ووزارة الخارجية، والمخابرات المركزية والأمن القومى الأمريكى والذى يتولى وضع هذه السياسات الاستراتيجية فى هذه المؤسسات ليس الوزير وإنما مجموعة المستشارين الموجودين فى كل مؤسسة من هذه المؤسسات أما المستشارون فغالبا ما يستمرون بعملهم، فهم الأعضاء الدائمون للمؤسسات الحاكمة التى تمثل أمريكا وليس الحزب الحاكم.

 

الرئيس فى الولايات المتحدة وأعضاء حكومته لا يضعون سياسات أو استراتيجيات، وإنما هم منفذون لهذه السياسات والاستراتيجيات، حتى إن الرئيس يقوم بالتنفيذ بواسطة مستشارين فى جميع المجالات.

 

•••

 

تذكرت كل هذا وأنا أتابع كيف يتعامل النظام الحاكم فى مصر مع قضايا الأمن القومى مثل سد إثيوبيا وسيناء وغيرها، ولعل ما حدث فى الاجتماع الأخير الذى أذيع على الهواء وحظى بقدر تاريخى من الفكاهة والسخرية مما حدث فيه يجعلنا نعيد التفكير هل ستتقدم مصر وهى تدير أهم ملفاتها بهذا القدر من الارتجال والعشوائية؟

 

نعم نقر بأنه لا توجد مؤسسات فى مصر ومراكز متخصصة ومنظومة متكاملة تشبه منظومة صناعة القرار الأمريكية وهذا إرث قديم لكن بعد الثورة لا يمكن أن تدار مصر بنفس الطريقة.

 

بدون العلم والمنهجية لن نخطو خطوة للأمام، وإدارة الدولة ليست بالفهلوة ولا بالاجتهادات الشخصية، أما عن مستوى النخب التى تتصدر المشهد فحدث ولا حرج، كيف نطمئن على الوطن وهؤلاء حكامه وهؤلاء نخبته؟

 

الشباب الذين انهمكوا فى اطلاق النكات والسخرية لا تسخروا من نخبتكم لأن تراجعكم وترددكم وعدم ثقتكم فى أنفسكم هو ما جعل من هؤلاء نخبة وقادة يتحدثون باسمكم وهم لا يعبرون عن أحلامكم وطموحكم، لذا حان الوقت، تجاوزوا هؤلاء وأخرجوا من بينكم نخبة جديدة تزيل الركام وتتسلح بالعلم والمنهجية وتأخذ بمصر للمستقبل وتحيل هؤلاء المتكلسين الى التقاعد.

 

ابنوا المنظومة وغيروا شكل إدارة الدولة فى مصر، جيلنا يجب أن يصدق أنه يستطيع أن يقود وأن هذه لحظته، ابتعدوا عمن يغتالون الأحلام وانطلقوا لتحمل مسئوليتكم تجاه الوطن.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات