حالة انفصام أو تجاور الأضداد - امال قرامى - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حالة انفصام أو تجاور الأضداد

نشر فى : الثلاثاء 7 يوليه 2015 - 10:55 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 7 يوليه 2015 - 10:55 ص

يتحدث السياسيون، خاصة بعد حادثة سوسة، عن سياسات اتُخذت من أجل مقاومة الإرهاب، ويعبرون عن إصرارهم على تتبع منابع نشر الفكر التكفيرى وفى الآن نفسه يصدر المجلس الإسلامى الأعلى، وهو مؤسسة رسمية تابعة للدولة، بيانا يعتبر فيه أن المفكر يوسف الصديق مارق عن الدين وكلامه ضرب من الزندقة وهو صنو سلمان رشدى. وليس يخفى أن مراقبة ما يذاع فى وسائل الإعلام يعود بالنظر إلى الهايكا (الهيئة العليا لمراقبة الإعلام السمعى والبصرى) فهل هو تسلط المجلس الإسلامى على صلوحيات غيره أم أنه تحول إلى أرثوذكسية تحكم فى البلاد بدعوى حماية الإسلام؟

يتشدق القياديون فى حزب الأغلبية بأنهم التزموا أمام الشعب بالمحافظة على نمط عيش التونسيين وحماية مكتسباتهم الحداثية، والوقوف ضد ممارسات الأسلمة القسرية التى كانت سائدة زمن الترويكا. بيد أن الناظر فى حملات تأديب المفطرين التى تشنها فرق أمنية فى عديد الفضاءات تفند هذا الادعاء، وتؤكد أن مسألة حماية الحريات تتطلب يقظة المجتمع المدنى وضغطه المستمر.

تصرح وزارة الشئون الدينية بأنها تراقب المساجد وتحذر الأئمة من إلقاء الخطب ذات المضامين التى لا تتلاءم مع روح الإسلام ومقاصده، ولا مع الإسلام الوسطى المعتدل وتزعم أنها تواجه الفكر المتشدد ولكن بقاء أئمة كانت لهم صولات وجولات فى زمن الترويكا وبمباركة النهضة واستطاعوا بما اوتوا من سلطة أن يدفعوا بالشباب إلى الهجرة إلى بلاد الشام يثير أكثر من سؤال. فهل أن من دخل بيت النهضة صار آمنا ومفلتا من العقاب وممسكا بزمام السلطة لا يخشى أحدا؟

***

ترفع الحكومة شعار مقاومة الفساد ومحاربة التهريب والإرهاب علها بذلك تنقذ الاقتصاد من حالة التدهور التى يمر بها غير أن المتأمل فى حال البلاد والعباد ينتبه إلى أن الفساد استشرى فى كل القطاعات ولعل أهمها وزارة الداخلية. فكيف يمكن محاربة الإرهاب والمسافة بين القول والفعل تزداد اتساعا وما يجرى على أرض الواقع يؤكد أن الفساد داء قد تمكن، وأن المفسدين فى البلاد صاروا أكثر تبجحا وقوة.

التزمت الدولة بتتبع المسئولين عن العنف السياسى وبمحاكمة عادلة لمن اغتالوا بلعيد والبراهمى وغيرهم من الجنود والأمنيين ولكن الناظر فى سير التحقيقات يزداد إيمانا بأن المسئولين الرئيسيين عن انتشار العنف السياسى والإرهاب سيظلون بمنأى عن الامتثال لمسار التحقيق والبحث والمحاسبة فهم فى مأمن طالما أن رعاة الإرهاب يصولون ويجولون دون أدنى شعور بالذنب. وكسائر التحقيقات التى تفتح ثم سرعان ما تغلق سينسى الناس على مر السنوات من تسبب فى آلامهم.

لا تُستغرب هذه القرارات المتضاربة فلطالما كررنا أن الطبقة السياسية لا تملك رؤية واضحة لإدارة المرحلة، ومصابة بالانفصام تقول الشىء وتفعل عكسه وتظل مترددة غير مبالية بالانتقادات. ولا عجب فى تكريس ثنائية الظاهر / الباطن فما تعبر عنه الحكومة من عزم على القيام بالإصلاح الهيكلى يبقى فى الغالب، مجرد رغبات، وما تردده من شعارات كالحوكمة والمحاسبة والمساءلة... تبقى مصطلحات تؤثث الخطابات فلا إقالات للمتغافلين والمتهاونين ولا استقالات لمن أدركوا أنهم لم يكونوا على قدر المسئولية الملقاة على عاتقهم ولا محاكمات لأباطرة التهريب ولا إجراءات كفيلة بالحد من استفحال الفساد ولا حملات تطهير فى المؤسسات. وما أشبه اليوم بالبارحة.

وعندما تتكثف زيارة الغنوشى للسبسى مع كل أزمة وتكثر رحلات 'الشيخ' وحلقات اجتماعه بالمسئولين هنا وهناك ينتابك إحساس بأن التوافق المزعوم ليس إلا ورقة التوت التى تخفى الشجرة. فالسلطة اليوم برأسين: كل يدافع عن مصالح أتباعه وأنصاره والبلاد تنوس فى منزلة بين بين: بين الحداثة والأصالة، الفساد والإصلاح، المحافظة والانفتاح.... وكأنه يعز على الساسة أن يفرطوا فى مصالحهم وسلطهم فى سبيل المحافظة على الأمانة والإخلاص للوطن.

 

التعليقات