لم نزل على قيد الحياة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لم نزل على قيد الحياة

نشر فى : الثلاثاء 7 يوليه 2015 - 11:05 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 7 يوليه 2015 - 11:05 ص

تفرض القيود على حرية الفكر والتعبير عن الرأى فى المجال العام، تمرر القوانين والتعديلات القانونية الاستثنائية لإلغاء فرص العمل الاجتماعى والسياسى والمدنى المستقل وللتلويح الدائم بسيف القمع، يتصاعد تهجير المواطن من المجال العام وتتراكم المظالم والانتهاكات، يتغول الإجرام الإرهابى ويتيهنا فى خرائط الدماء والحزن؛ غير أن القطاعات الشعبية التى تريد الحياة لا تتوقف عن صناعة مساحات بديلة للإبداع وهوامش للنقاش العقلانى والرشيد بعيدا عن الجنون والهيستيريا.

فى بر مصر اليوم، تولد الكثير من الفاعليات الفكرية والفنية والثقافية غير التقليدية. فرق مسرحية تجوب أحياء المدن والمناطق الريفية، رسامون ومثالون ونحاتون ينقلون إبداعهم وفنهم إلى بقاع مهمشة وفقيرة ويتيحون تذوقه والاستمتاع به لمواطنات ومواطنين حرموا طويلا من الجمال وشرعنت القطاعات السكانية الغنية والأخرى المنتمية إلى الطبقة الوسطى للحرمان هذا بمقولات استعلائية ومشوهة مثل «الفقراء يبحثون عن الخبز فقط» و«لا قبل للكادحين لفهم الإبداع والفن»، موسيقيون شباب يترجمون هموم جيلهم فى كلمات وألحان وأداء بديع كفريقى مسار إجبارى وكايروكى وموسيقيون آخرون يذهبون بالغناء الأوبرالى إلى حيث لا يستمع عادة إلا للغناء الشعبى (التقليدى والحديث)، صناع ﻷفلام تسجيلية يطرقون بكاميراتهم الواقعية المساحات المغلقة والقضايا الشائكة كأوضاع ضحايا المظالم والانتهاكات والمسلوبة حريتهم وراء الأسوار.

لا تولد هذه الفاعليات فى رحم مؤسسات وأجهزة الدولة، ولا تهبط على المجتمع من أعلى عبر توجيهات السلطة التنفيذية أو توصياتها، وغير صحيح أن هويتها الإبداعية تتشكل داخل حركات أو تيارات سياسية أو بالقرب من قضايا الصراع على الحكم / السلطة. هى مولود مجتمعى بامتياز، هى إبداع يأنف الاختزال فى سياسة أميتت أو الاختصار فى برامج حكومية متهافتة «للتجديد» مآلها الفشل أو الانحناء للقمع، هى إنتاج فكرى وفنى وثقافى يصنع للمواطنات وللمواطنين بدائل لممارسة حرية الفكر والتعبير عن الرأى ولاستعادة قيم الجمال وحب الحياة ونبذ العنف والكراهية.

فى بر مصر اليوم، يستقر حضور هوامش للنقاش العقلانى والرشيد، بل وربما تتسع تدريجيا مساحاتها المحدودة على الرغم من سطوة الجنون والهيستيريا. لم تعد مقولات المدافعين عن العقل والعلم والمعرفة والباحثين عن الحق والعدل والحرية بالمقولات المنبوذة فى المجال العام، حتى وإن تواصل نبذ بعض دعاتها وواجه البعض الآخر سيف القمع وسلب الحرية.

لم تعد بطريدة مقولات مثل..
1) المطالبة بمواجهة الإرهاب فى إطار الالتزام بسيادة القانون وبضمانات التقاضى العادل وبحقوق الناس وحرياتهم.
2) رفض تمرير القوانين والتعديلات القانونية الاستثنائية التى ترتب المزيد من توطن القمع والمزيد من المظالم والانتهاكات.
3) التأكيد على أن القمع والظلم كالفقر والجهل وغياب التنمية هى جميعا عوامل تصنع بيئات مجتمعية قابلة للإرهاب وللعنف وعلى أن النجاة بمصر تستدعى معالجتها دون تحايل أو تأجيل.
4) التعبير عن الأمل فى وطن تغيب عن صفحته المظالم والانتهاكات ويحاسب المتورطين فيها ويتطهر من الإرهاب والعنف والتطرف ويتخلص من الاستبداد ويستعيد مسار تحول ديمقراطى حقيقى.

وفى المقابل، تفقد تدريجيا مقولات الاعتياش على الجنون والهيستيريا شيئا من جاذبيتها ــ ربما ﻷن النتائج الكبرى التى تعد بها الناس عبر تمرير طغيان الاستثناء والحلول الأمنية وعبر تبرير المظالم والانتهاكات والعقاب الجماعى والمتمثلة فى القضاء المبرم والسريع على أسباب غياب الاستقرار يتضح اليوم عدم واقعيتها وهشاشتها. وفى المقابل أيضا، تفقد المقولات التى يروجها أتباع الجنون المضاد والهيستيريا البديلة جاذبيتها ــ فكل تبرير للإرهاب يظل فاسدا، وكل رقص على الدماء سقطة أخلاقية وإنسانية مروعة، وكل استدعاء للفكرة الديمقراطية لاختزال مواجهة الإرهاب فى التخلص من الاستبداد يرد عليه بأن للإرهاب مسببات منها القمع ومنها أيضا التطرف والفقر والجهل وتغييب العقل وأن مصر تحتاج لمواجهة الإرهاب والاستبداد دون تحايل أو تأجيل أو مساومة، وبات متلاحق التكرر ومتزايد الوضوح الأخلاقى والإنسانى تجاوز كل طرح متهافت يرفض مثلا تذكيرنا كمصريات ومصريين بلحظات ماضية عاش مجتمعنا فيها فى إطار قبول الآخر الدينى والمذهبى والعرقى وبلحظات أخرى اختلت بها قيمة العدل والعقل وتعرض بها الآخر اليهودى أو القبطى أو الشيعى أو البهائى للتمييز والظلم ويستند إلى عنصرية فاسدة أو إلى خلط للأوراق بحيث يصبح التذكير بماضى المصريين اليهود موالاة لإسرائيل ودفاعا عن إجرامها أو تصبح إدانة التمييز الطائفى عملا مشبوها.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات