التوافق السياسى ننتزعه من قلب المعركة - وائل جمال - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التوافق السياسى ننتزعه من قلب المعركة

نشر فى : الأحد 7 أغسطس 2011 - 10:41 ص | آخر تحديث : الأحد 7 أغسطس 2011 - 12:15 م

ظهر هؤلاء فى مظاهرة 27 مايو بالتحرير التى سميت بـ«جمعة الغضب الثانية». مجموعة من الشباب طافت الميدان بحثا عن أى لافتات حزبية لإنزالها بالقوة، «لأن الثورة فوق الأحزاب التى تولد الاختلاف وتقوم على المصالح الخاصة». هذا العداء للحزبية، الذى يتسع للتوجس من الاختلاف السياسى عموما، لدى قطاعات من السياسيين والكتاب، وليس فقط بعض الشباب حديث العهد بالسياسة، هو امتداد لثقافة سنوات من القمع السياسى والتحريض الإعلامى على الحزبية والاختلاف، الذى لابد وأن يكون مأجورا ومعبرا عن مصالح سياسية أنانية وربما مؤامرة دولية.

ولا يمكن الفصل بين النزعة المتطرفة فى البحث عن توافق سياسى عام، يكاد يصل لضرورة التوصل لإجماع، فى كل القضايا الرئيسية والتحديات المطروحة على أجندة الثورة، وبين العداء للاختلاف. هذه النزعة، التى ترتدى ثياب العقلانية، تواجه معضلات عملية حقيقية تجعلها هى نفسها خطرا على الثورة.

●●●

مثلا، تقوم نزعة ضرورة بناء التوافق العام على عمل فوقى نخبوى. انظر إلى الأغلبية الكاسحة من المبادرات المتعلقة بالدستور المقبل مثلا. إذ يجتمع عدد من خبراء القانون الدستورى والسياسيين لمناقشة وصياغة ما يعتقدون أنه الدستور الأمثل. أو حتى يدعونا البعض لخلق ما يسمى بالتيار الرئيسى الذى يعلنه ويصيغه مجموعة من الأكاديميين. وتصبح العملية هنا معكوسة. إذ عوضا عن خلق التوافق على مبادئ عامة تشكل أساسا للدستور أو أفكارا يمكن اعتبارها تيارا رئيسيا، على الأرض فى خضم الصراع السياسى والاجتماعى بين الملايين، تصبح العملية فى يد القلة العالمة. وهو مجهود مشكور لكنه سيواجه تحدى إقناع الجماهير، وهو مالا يحدث بسبب أن من يقومون بذلك لديهم فى الغالب مشكلة تمثيل واضحة. فهم فى نقاشهم هذا لا يعبرون عن اتجاهات محددة بين المصريين، ولا يمتلكون صيغة تنظيمية وسياسية تصلهم بهم لإقناعهم بما يتوصلون إليه من نتائج قد تكون عظيمة. وهكذا يصبح من الطبيعى أن تتعدد المبادرات بتعدد التوجهات بل أحيانا بحسب الميول الفكرية الفردية.

وتقوم نزعة بناء هذا النوع من التوافق على وهم أن مسار ما بعد الإطاحة بمبارك يجب ان يستند على ما يشبه الاجماع، وهو أمر ينفيه واقع الأمر فى المجتمعات الديمقراطية (هل حدث أبدا أن انتهى استفتاء أو عملية انتخابية فى أوروبا وفى قضايا كبرى مؤسسة كالانضمام للاتحاد الأوروبى بنسب التسعين فى المائة ولا حتى الثمانين؟) بل وينفيه تطور ثورتنا. فلم يكن هناك فى أية لحظة إجماع كامل فى أى مرحلة منها. انقسم المجتمع فى موقفه منها فى كل منعطف وإن بنسب تغيرت مع مرور الوقت لصالح تأييد من الأغلبية، عكس نفسه فى ملايين المتظاهرين والمعتصمين وراء مطلب تنحى مبارك. لم نر إجماعا فى أى وقت من الأوقات. أما توافق الأغلبية فقد تمت صياغته فى الشارع ووراء المتاريس وفى مواجهة قوات الأمن المركزى وبدماء مئات الشهداء. تم إرساؤه على الأرض واستنادا على مصالح وقوى اتصلت فى رغبتها فى الإطاحة بهذا النظام الفاسد. وكانت القوة الدافعة لهذا التوافق هى الفعل الجماهيرى العفوى البطولى.

وتكشف بعض مبادرات التوافق الفوقية تلك وهم بناء الإجماع من أعلى لأسفل، إذ تتأسس سرا أو جهارا على اقصاء بعض التيارات المختلفة معها أو حتى لمواجهتها. (توافق على دستور مدنى فى مواجهة الإسلاميين مثلا).

والحقيقة أن بناء التوافق الشعبى الحقيقى لا يمكن أن يتم فى هذه المرحلة إلا عبر الاختلاف والصراع. فعبر الأحزاب التى تغرس نفسها فى قواعدها الاجتماعية وبناء على مصالحها، تتبلور الرؤى السياسية المختلفة لمستقبل البلاد. ليس فى المعمل وإنما فى صلة هذه الرؤى بحياتها الحقيقية فى الأحياء والقرى. وعبر النقابات التى تمثل العاملين والاتحادات التى تعبر عن أصحاب العمل، تبلور المصالح المختلفة نفسها اجتماعيا وسياسيا وتقاتل على خطوات عملية ملموسة. هكذا فقط تظهر الرؤى، بشكل واضح وغير مجرد، لتمثل قطاعا من المصريين يمكن قياسه، فيصبح التوافق والتحالفات إمكانية عملية حقيقية.

●●●

الاختلاف والتحزب وبناء التحالفات والجبهات، بناء على الوجود الفعلى فى الشارع، هو طريقنا لبناء المجتمع الجديد. ففى قلب الصراع الاجتماعى وفى خضم معارك المصريين المستمرة من أجل الحرية ولقمة العيش يتخلَّق التوافق فى بلادنا.. توافق حقيقى يستند على تأييد أغلبية المصريين. وهو توافق لا ينبع من عقل المثقف مهما كان ثوريا أو عبقريا، وإنما يتم انتزاعه فى اختبار المعركة.

وائل جمال كاتب صحفي
التعليقات