اختلالات الحياة السياسية بعد الثورة.. نظرة بانورامية - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 8:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اختلالات الحياة السياسية بعد الثورة.. نظرة بانورامية

نشر فى : الأحد 7 أغسطس 2011 - 10:44 ص | آخر تحديث : الأحد 7 أغسطس 2011 - 10:44 ص

 منذ أن تمكنت الثورة المصرية من إجبار الرئيس السابق على التنحى وفتحت أبواب الانتقال الديمقراطى والتأسيس لدولة سيادة القانون، وحياتنا السياسية تعانى من أربعة اختلالات رئيسية:

1ــ استقطاب متصاعد بين التيارات المدافعة عن دولة مدنية مرجعيتها النهائية هى دستور يضمن المساواة الكاملة بين كل المواطنين من جهة وتيارات الإسلام السياسى الداعية تارة لدولة مدنية ذات مرجعية دينية وتارة لتطبيق الشريعة وبناء الدولة الإسلامية. وقد ارتبط تصاعد الاستقطاب المدنى ــ الإسلامى بالمحطات السياسية البارزة خلال الأشهر الماضية بدءا من تشكيل وعمل لجنة التعديلات الدستورية مرورا بالاستفتاء على التعديلات الدستورية والجدل حول الدستور أولا وصولا إلى التنازع حول مسألة المبادئ الأساسية للدستور وضوابط اختيار الجمعية التأسيسية والموقف من التوافق حولها قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة.

2ــ غياب آليات ذات تكوين مؤسسى واضح وشرعية تمثيلية لإدارة حوار بين التيارات السياسية وبينها وبين المجلس الأعلى ومجلس الوزراء، ومن ثم استمرار وضعية العجز عن تجاوز الاستقطاب وإنجاز توافق واسع حول إدارة المرحلة الانتقالية ومحطاتها الكبرى المتمثلة فى الانتخابات البرلمانية والدستور والانتخابات الرئاسية يتخطى ثنائية المدنى ــ الإسلامى ويطمئن المواطنين المصريين على مسار بناء دولة الديمقراطية وسيادة القانون.

3ــ غياب خطط ذات توقيتات محددة لتطهير مؤسسات وأجهزة الدولة من بقايا استبداد وفساد النظام السابق. بالقطع تمثل المحاكمة العلنية وأمام القاضى الطبيعى للرئيس السابق ونجليه ووزير داخليته ومعاونيه خطوة هامة للتعامل مع استبداد العقود الماضية، وكذلك خطوات أخرى كحل المحليات والتعديل الوزارى الأخير وحركة تنقلات وزارة الداخلية ومن قبلهما التغيرات فى المؤسسات الإعلامية الرسمية وغيرها. إلا أن الثابت أن التعامل مع ملف «التطهير» ما زال عاجزا عن طرح وحسم الكثير من القضايا الأساسية وأبرزها: كيفية إعادة هيكلة مؤسسات وأجهزة الدولة بما فى ذلك الأجهزة الأمنية لضمان احترام مبادئ حقوق الإنسان والشفافية، إعادة تأهيل موظفى مؤسسات وأجهزة الدولة لتمكينهم من احترام المبادئ المذكورة وبعد عزل منضبط بالقانون لمن تورط منهم فى الاستبداد والفساد، الشروع فى الإجراءات الكفيلة بتطوير بنية الدولة المصرية باتجاه استبدال مبدأ التعيين بالانتخاب والبحث جديا فى قضية اللامركزية.

4 ــ ترتب الاختلالات الثلاثة السابقة وجود بيئة سياسية تتناول القرارات والخطوات الرسمية، إنْ من المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو مجلس الوزراء، على نحو يعكس حالة الاستقطاب ويولد تنازعا وشكوكا مستمرا حول كل قرار وخطوة ويحد من ثم من قدرة السلطات وحريتها على اتخاذ القرارات المطلوبة لإدارة المرحلة الانتقالية وضمان مشاركة حقيقية للتيارات السياسية فى التوافق حولها بصورة تحول دون شبهة انفراد السلطات.

إزاء هذه الاختلالات، ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية وبعد التصعيد الحاد فى الخطاب والمضمون من قبل بعض التيارات الإسلامية (خاصة السلفية) فى جمعة 29 يوليه والخوف على فرص بناء دولة الديمقراطية وسيادة القانون ومواطنة الحقوق المتساوية الذى بات قطاع واسع من المواطنين المصريين يشعر به، أقترح أن يتبنى مجلس الوزراء وتحديدا نائب رئيس الوزراء لشئون التنمية السياسية والتحول الديمقراطى مبادرة لتجاوز الاستقطاب تتضمن الخطوات والإجراءات التالية:

1ــ الشروع الفورى فى حوار على مرحلتين مع كافة التيارات والقوى السياسية حول تحديات المرحلة الانتقالية دون اختزالها إلى الموقف من المبادئ الأساسية للدستور الجديد ومعايير اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور: مرحلة أولى من المشاورات غير العلنية مع ممثلين عن كافة التيارات لتحديد أجندة الحوار، ومرحلة ثانية من الحوار العلنى بين ممثلى التيارات وفقا للأجندة المتوافق عليها.

2 ــ إن عبرت الأجندة التوافقية للحوار عن رغبة التيارات السياسية المتوقعة (التحديد التالى جاء وفقا لاستطلاع أولى لرغبات التيارات السياسية) فى مناقشة قضية المبادئ الأساسية للدستور ومعايير اختيار الجمعية التأسيسية، قانون الانتخابات البرلمانية وشروط الإدارة المثلى للانتخابات، خطط تطهير مؤسسات وأجهزة الدولة، ميثاق شرف للتيارات السياسية يلزمها بمعايير التعددية واحترام الرأى الآخر والامتناع عن التخوين والتخوين المضاد ويحدد كيفية التعامل مع أعضاء الحزب الوطنى المنحل، تشكل لجان لمناقشة كل قضية من القضايا الأربعة بعيدا عن الإعلام وبهدف إصدار أوراق توافقية ملزمة لأطراف الحوار.

3 ــ لابد من ضمان تمثيل حقيقى لكافة التيارات السياسية، بما فى ذلك التيارات الرافضة اليوم للطرح المتعلق بمبادئ الدستور، وتوسيع التمثيل ليشمل حضورا نوعيا للممثلين عن النقابات العمالية والمهنية المستقلة واتحاد الفلاحين ومنظمات المجتمع المدنى العاملة على قضايا التحول الديمقراطى.

4 ــ تحدد الفترة الزمنية للمشاورات غير العلنية والعلنية بأسابيع أربعة تنتهى بإعلان الأوراق التوافقية حول المبادئ الأساسية للدستور والانتخابات البرلمانية وخطط التطهير وميثاق شرف التيارات والأحزاب السياسية.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات