العراق: انتفاضة 2018 وهدر الريع النفطى - صحافة عربية - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 9:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العراق: انتفاضة 2018 وهدر الريع النفطى

نشر فى : الثلاثاء 7 أغسطس 2018 - 9:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 7 أغسطس 2018 - 9:50 م

نشر موقع جريدة الحياة مقالا للكاتب «وليد خدورى» ــ الكاتب العراقى المتخصص فى شئون الطاقة ــ يتناول فيه التظاهرات الأخيرة فى العراق وعلاقتها بالفساد المستشرى فى الدولة النفطية التى تعانى من نقص الكهرباء والماء.

انطلقت خلال فصل الصيف، تظاهرات مستمرة فى جنوب العراق، ومن ثم بغداد، تطالب بتوفير الكهرباء والماء وفرص العمل والقضاء على الفساد. من المفروض أن دولة نفطية مثل العراق لديها الإمكانات المالية لمعالجة هذه الأمور.

وفق إحصاءات «أوبك»، بلغت قيمة الصادرات البترولية للعراق التى تراوحت ما بين 94.103 بليون دولار فى 2012 عند تراوح سعر النفط نحو 100 دولار للبرميل و43.684 بليون دولار عند تدهور الأسعار إلى أقل من 30 دولارا فى 2016. وبلغت مجمل قيمة الصادرات البترولية خلال الأعوام 2008 ــ 2017 نحو 709.455 بليون دولار.

ساءت الحالة العراقية نظرا إلى فقدان الأمور الأساسية، وشيوع الفساد فى ظل الأموال النفطية. ومما أدى إلى تفاقم الأمور تراجع اقتصاد المحافظات الجنوبية، بخاصة البصرة باحتياطاتها النفطية العملاقة. ولانتفاضة الجنوب، أهمية سياسية خاصة، إذ تستمد الأحزاب الحاكمة منذ 2003 جذورها وقوتها من هذه المحافظات بالذات.
تسلم حزب الدعوة الإسلامية زمام الحكم معظم الفترة بعد احتلال 2003، برئاسة إبراهيم الجعفرى 2005 ــ 2006 ونورى المالكى 2006 ــ 2014 وحيدر العبادى منذ 2014. عكست سياسات الحزب، مع الفارق فى توجهات وممارسات كلا من الرؤساء الثلاث، تهميش مؤسسات الدولة ونهب ثروة البلاد والسعى إلى ترسيخ النفوذ الثيوقراطى والإيرانى فى العراق.
تفاقمت سوء أحوال البلاد. إذ تم تأطير الفساد ضمن المحاصصة الطائفية والاثنية. واستمر إضعاف مؤسسات الدولة منذ الهيمنة الأمريكية مرورا بالطائفية لاحقا.

تعتمد 95 فى المائة من الموازنة السنوية على ريع الصادرات البترولية. فى الواقع، لم توزع الأموال على الوزارات، بل على الكتل السياسية الإثنية والطائفية المحدد لها مسبقا وزارات معينة. ما أتاح للوزير استغلال منصبه للتصرف فى أموال وزارته لصالح حزبه وشخصه وزمرته. فنجد أن 40 بليون دولار تم تخصيصها لوزارة الكهرباء منذ 2003 قد ذهب معظمها سدى. من ثم اللجوء إلى المولدات لتعويض نقص «كهرباء الدولة». الأمر الذى أدى إلى دفع المواطن فاتورتين، وتحمل التلوث البيئى للديزل والفيول أويل، وبروز مجموعات لتزويد المولدات ووقودها، مجموعات مدعومة من قبل السياسيين.

وإصافة إلى مآسى الكهرباء، التى تفاقمت فى محافظة البصرة خلال هذا الصيف، مع ارتفاع الحرارة فوق 50 درجة مئوية، هناك سوء الإدارة فى أجهزة الدولة الأخرى. ومنها مثلا، انخفاض منسوب المياه فى شط العرب، نتيجة عدم اتخاذ الاحتياطات الكافية قبل سنوات لانخفاض منسوب نهر دجلة بسبب بدء العمل فى تخزين المياه لسد «اليسو» التركى، المخطط له علنا ومنذ سنوات. وتقليص إيران منسوب المياه فى العشرات من الأنهر والروافد التى تصب فى نهر دجلة. وبدأ انخفاض منسوب نهر الفرات منذ سنوات. أدت هذه التطورات، فى اخفاق التعامل معها، إلى انخفاض منسوب شط العرب، ما أدى بدوره إلى اضطرار أهالى البصرة شرب مياه ملوثة أو مالحة. كما أدت إلى إلحاق أضرار بالغة ببساتين الفرات الأوسط. والسؤال: أين وزارة الرى والموارد المائية، التى كان من المفروض التهيؤ لهذه الطوارئ والتحسب لها مسبقا.

واجه جهاز الدولة ثلاث نكسات. الأولى، فى عهد الحاكم الأمريكى بول بريمر حيث أقال معظم المسئولين السابقين من الخبراء والمهنيين من مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية. الثانية، فى الفترة اللاحقة، تعيين آلاف «الفضائيين»، موظفين من دون مسئوليات أو مهمات أو حتى دوام، يتلقون معاشات تحول للسياسيين المتنفذين الذين سعوا لتعيينهم. الثالثة، انتهاز المسئولين ارتفاع أسعار النفط قبل 2014 لفتح باب التعيينات على مصراعيه. كما شرعت القوانين لزيادة الرواتب إلى أرقام خيالية، وإضافة إلى ملاك الدولة، من دون مراعات الشهادات والخبرات.
لم يدم وقتا طويلا قبل أن تواجه الحكومة تبعات هذه السياسات العشوائية التى افترضت أسعار نفط عالية لسنوات بل عقود من الزمن. ومع انهيار الأسعار فى 2014، انكشفت تبعيات هذه السياسات التوظيفية.

وعلى الرغم من اعتدال الأسعار لاحقا حول 75 دولار، تحملت الحكومة نفقات عسكرية إضافية لتحرير البلاد من احتلال «داعش». وعلى على الرغم من صدور بيان مفصل للجنة نيابية حددت فيه المسئوليات لسقوط الموصل بين ليلة وضحاها، لا يزال كبار المسئولين قابعين فى المنطقة الخضراء من دون محاسبة أو محاكمة. أدت هذه التصرفات والسياسات إلى تدهور العراق للمستوى الاقتصادى والسياسى المخزى الذى وصل إليه. كما تدل على حالة الاستياء فى البلاد ومؤشرات الشفافية والاقتصادية العالمية.

إن المستغرب ليس انتفاضة 2018، أو امتناع الأغلبية الساحقة من المواطنين عن التصويت فى انتخابات 2018 التشريعية. فالمستغرب هو تأخرهما حتى الآن، فى ظل التدهور العراقى. ويتساءل الكاتب عن ما هو المتوقع من انتفاضة الجنوب؟ هل من الممكن فى حال تصاعدها، المطالبة بعقد اجتماعى جديد يساوى بين المواطنين؟ وهل من الممكن إصلاح النظام من خلال الفئة السياسية الحاكمة منذ 2003؟ وهل سيعاد النظر جديا بتنويع اقتصاد البلاد لاتخاذ الخطوات الأولى نحو الطاقات المستدامة بدلا من الاعتماد الكلى على الريع النفطى وتقلبات الأسواق الدولية.

الحياة ــ لندن

التعليقات