فقه العلاقات الدولية (4) القانون الدولى والإسلام - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فقه العلاقات الدولية (4) القانون الدولى والإسلام

نشر فى : الجمعة 7 سبتمبر 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 7 سبتمبر 2012 - 8:45 ص

كلما أمسكت يدى بكتاب من كتب القانون الدولى المقررة بكليات الحقوق أدركت ثلاث حقائق لا يمكن إغفالها..

 

أولها: أن الجهود الأكاديمية للقانون بعامة والقانون الدولى بصفة خاصة جهود متفوقة على غيرها، عمقا واتساعا، وحتى لا نطيل فأبرز تلك الحلقات المؤسسة للقانون الدولى العام فى مصر تبدأ من محمود سامى جنينة، وعلى صادق أبوهيف، ثم حلقة حامد سلطان وعائشة راتب من بعده، ثم صلاح عامر وكثيرون كثيرون، وهؤلاء جميعا جهدهم غير منكور بل مشكور.

 

والحقيقة الثانية أن كل هؤلاء ــ مع بالغ التوقير ــ قد اضطروا إلى السير على خطى مؤسسى كلية الحقوق من الأجانب، وما فرضه الأجانب من استبعاد الإشارة من قريب أو بعيد لأى علاقة بين القرآن وبين القانون الدولى العام حتى تعجب من توقفهم عند الطابع المسيحى الأوروبى للقانون الدولى دون التفات معقول لما حواه القرآن من دعوة لتأسيس المجتمع الدولى وما ذكره القرآن من مبادئ يجب مراعاتها فى التعامل الدولى.

 

 أما الحقيقة الثالثة فجامعة القاهرة ــ وهى الجامعة الأم ــ على مضض من المتنفذين فيها قد سمعت مدرجاتها لأحد أساطين القانون الدولى العام وهو المرحوم حامد سلطان وهو يصول ويجول بمحاضراته وندواته فى جميع موضوعات القانون الدولى العام، غير متناس سبق القرآن لفكرة المجتمع الدولى، وتقعيد القرآن لقواعد القانون الدولى للسلام أو للحرب إذا حدثت، وليس ذلك فقط، فإن الرجل ــ حامد سلطان ــ قد أدى ما عليه للحقيقة ولعقيدته، ولأمته ووطنه، وكذلك ما عليه لضميره العلمى ولتلاميذه، لقد أدى كل ذلك ليس بما كتب أو قال فحسب بل فرض على جميع طلابه فى الدراسات العليا الذين سعوا إلى إشرافه على رسائلهم ففرض عليهم ضرورة النظر فى فقه القرآن فى هذا الشأن فرحم الله حامد سلطان رحمة واسعة وأثابه عن أمته وعن طلابه، وعن الحق والحقيقة جزاء ما فعل.

 

ثالثة الأثافى فى هذا الشأن هو الانصياع التام من جامعة الأزهر ومشيخته رغم الدعاوى العريضة باستقلال الجماعات، واستقلال الأزهر ولو علميا فمنذ هبت رياح التطوير مع كارثة القانون 103 لسنة 1961، وإذا بأساتذة كلية الشريعة يفرحون ــ فرحة المغبون ــ بما ألقى إليهم من عرض الدنيا بإضافة لفظ القانون إلى اسم كليتهم «فأصبحت كلية الشريعة والقانون» وفتح الباب لتعيشهم من وظائف الدولة، وإذا بمقررات القسم العام صورة طبق الأصل من مقرر كليات الحقوق، وإذا قارن أحدهم بين القانون والشريعة فى رسالته للدكتوراه، فسرعان ما يترك المقارنة إلى التهوين والتخفيف فيما يكتبه للطلاب بدعوى الوقت والمنهج...الخ. وأكتفى بالإشارة إلى ما أنا بصدده وهو الأستاذ الدكتور جعفر عبدالسلام فقد استدرك الرجل ــ بارك الله فيه ــ أنه من ناحية تلميذ للعلامة حامد سلطان ومن ناحية أخرى فقد زادت مسئولينه بانتقاله لجامعة الأزهر فقدم مؤلفه المطول فى القانون الدولى العام مقارنا بالشريعة الإسلامية.

 

وأعود لما بدأته من أن القرآن قد سبق جميع الجهود البشرية للدعوة لمجتمع عالمى واحد تتعدد أطيافه طبقا لرؤى كل منهم ــ لا حرج على أحدهم ما دام يلتزم حرية الآخرين ولا يبادرهم بعدوان، ويتكامل معهم سعيا لعالم آمن وعامر وسالم، ولست فى هذه المقدمة السريعة بحاجة إلى تفاسير ومراجع فقهية بل أكتفى باستدعاء بعض آيات القرآن الداعية إلى مجتمع عالمى إنسانى بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.....).

 

فماذا هو التعارف؟ وهل للتعارف البشرى ثمرة غير التعاون والتواصل وإقرار قواعد السلام والإعمار منعا للحروب ودعما للسلام؟ وفى افتتاح آيات المواريث فى صدر سورة النساء جاء قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً......) فهل هناك أوضح من هذا البيان إعلاما للناس شعوبا وحكومات أن وحدة الأصل توجب وحدة الفروع ليقوى بعضهم بعضا ويتكامل بعضهم مع بعض؟

 

وهذه الآية مجرد دعوة وحث لكل من يسعى إلى عالم أفضل، أما رؤية القرآن للعالم فموعدنا لقاء تال إن شاء الله.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات