«الكنز».. عن السلطة والحب والدين والسياسة - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 11:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الكنز».. عن السلطة والحب والدين والسياسة

نشر فى : الخميس 7 سبتمبر 2017 - 10:10 م | آخر تحديث : الخميس 7 سبتمبر 2017 - 10:10 م
هذا فيلم من أفضل أفلام 2017، بل إنه يتميز عنها جميعا بأنه تجربة فنية مدهشة وجريئة شكلا ومضمونا: الشكل يقدم تنويعة ذكية لفكرة الرجوع بآلة الزمن إلى الوراء، ليؤلف بين عصور ثلاثة مرت بمصر، فنصبح أمام سياحة فى الماضى زمانا ومكانا، ليس من باب الاستعراض السردى المجانى، ولكن لكى تتجاور الحكايات، فتصنع جدارية للمقارنة والتأمل، والمضمون بطرح أسئلة كثيرة من خلال تلك الرحلة العجيبة؛ أسئلة عن السلطة والحب والدين والسياسة والحاكم والشعب والعدل والظلم، وهناك جزء ثان قادم للفيلم ربما نكتشف من خلاله أسئلة أعقد مثل سؤال الهوية والجذور، ذلك أنه لولا البطل الشاب العائد، والذى يبدو تائها ومعلقا فى الهواء، ما كانت الرحلة، وما كان المعنى.
أتحدث بالطبع عن فيلم «الكنز» فى جزئه الأول، الذى جمع لأول مرة بين شريف عرفة (الإخراج والقصة السينمائية)، وعبدالرحيم كمال (السيناريو والحوار)، وعلى الرغم من بعض الملاحظات، فإننا أمام عمل كبير شديد الثراء، مظهره حكواتى بسيط، ولكن سرعان ما سيكتشف المشاهد أن هناك خطوطا وجسورا ستربط بين القصص، أبعد وأعمق بكثير من كونها تمثل مضمون شريط سينما تركه الأب بشر رئيس القلم السياسى (محمد سعد)، لابنه حسن (أحمد حاتم) العائد من أوروبا بعد دراسته للمصريات، أو مضمون برديات تحكى قصة حتشبسوت، أو محتوى ملف كتبت فيه قصة على الزيبق، الابن العائد سيتورط فى الحكايات، وسيستغرقه البحث، مع أنه جاء فقط، لكى يبيع بيت الأسرة، ويترك الوطن.
سنكتشف مع الابن أن لدينا ثلاث قصص عن سلطة تحكم المصريين (فى العصر الفرعونى والعصر العثمانى وعصر فاروق)، وثلاث قصص حب فى قلب لعبة السلطة (حتشبسوت مع المهندس سينموت، وزينب ابنة صلاح الكلبى مع على الزيبق، وبشر ممثل السلطة مع مغنية الكباريه نعمات، والقصص الثلاث معلقة بمشاكل مع السلطة).
والدين والسياسة لهما حضورهما فى القصص الثلاث سواء من خلال الكاهن الفرعونى، أو رجل الدين الذى لعبه أحمد صيام فى العصر العثمانى، أو الإخوان الذين نرى ممثليهم فى السجون فى عصر فاروق، وفى القصص الثلاث تظل علاقة الحكام بالمحكومين أقرب إلى لعبة «القط والفار»: السلطة وممثلها أو ممثلتها فى طبقة منعزلة، حتى حتشبسوت (هند صبرى) التى نزلت يوما للناس لم تكررها، واختارت أن تتزوج فرعونا ضعيفا لتحكم.
ولكن الشعب يظهر أيضا فى الصورة فى شكل تمرد عنيف (على الزيبق والشطار)، أو فى صورة اضطراب وعنف سياسى فى عصر فاروق، أو حتى فى صورة رسول للفن والمعرفة فى صورة المهندس سينموت، ووسط الصراع على السلطة، وتعقيدات الحب، والحديث عن كنز غامض، يظهر فى كل عصر رجل حكيم زاهد يحرس بوابة الوطن (يلعب دوره فى العصور الثلاثة عبدالعزيز مخيون)، ولعله يكون فى الجزء الثانى مفتاح حل اللعبة بأكملها.
ما أحسب الكنز والرحلة إلا بهدف الإجابة عن سبب الفوضى التى نعيشها لفشلنا فى الإجابة عن تلك الأسئلة الصعبة، هنا فكرة عظيمة وخطيرة، قُدمت فى شكل فنى ممتع نجاحه الأكبر والأهم فى دمج العصور الثلاثة، والانتقال بسلاسة بينها، وإدخال حسن فى اللعبة، على الرغم من ملاحظات فنية متعددة منها تباين أداء الممثلين صعودا وهبوطا، بل وتباين أداء الممثل الواحد بين المشاهد مثل محمد سعد، ومنها طول بعض المشاهد، وضرورة حذف بعضها ليكون البناء أكثر تماسكا، ومنها سوء حال الماكياج وباروكات الشعر، وإن تميزت عناصر أخرى كالموسيقى والملابس والتصوير والديكور والمونتاج، وكان أفضل الممثلين محمد رمضان فى دور على الزيبق، ومحيى إسماعيل فى دور الكاهن الأعظم.
رحلة البحث عن الكنز تبدو شيقة جدا، ولكن لا تنسوا ما وراء الرحلة، ولا تنسوا أن أسئلة الماضى ما زالت هى ــ مع الأسف ــ أسئلة الحاضر.

 

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات