لم أكن منذ البداية من المؤيدين لقيام مجلس أعلى للصحافة، يفرض وصاية سلطوية على الصحافة ووسائل الإعلام، وينتقص من ولاية الصحافة القومية واستقلاليتها، بحجة أن رئيس المجلس هو رئيس مجلس الشورى الذى يمثل ملكية الدولة للصحف القومية ويراجع ميزانيتها ويعين رئيس مجلس إدارتها ورئيس تحريرها.
وحين جاءت ثورة 25 يناير خُيِّل للكثيرين أن عهدا جديدا سوف يشرق على الصحافة. تتحرر فيه الصحف الحكومية أو القومية من سيطرة الدولة. ولا تصبح الصحف الحزبية خاضعة لما تحصل عليه من مساعدات مالية واعفاءات رسمية. بل يتحقق للصحافة استقلالها المالى والمادى وبالتالى استقلالها السياسى والإعلامى، فى إطار منظومة محكمة متدرجة تحررها من السيطرة الحكومية، وتقترب بها من أوضاع الصحف الأوروبية.. حيث تصبح المنافسة أساسا للتميز والتفوق، فى عالم يحكمه نظام حرية السوق، ويكون قادرا على مواجهة تحديات المستقبل التى تهدد بضمور الصحافة الورقية وتغول الصحافة الإلكترونية!
ولم يكن مفهوما حين جاءت الثورة، وازدهرت الصحافة المستقلة والخاصة معها أو قبلها، كيف يمكن إرساء نظام إعلامى حر مستقل، تذوب فيه الفوارق بين الصحف الحكومية والصحف المستقلة، ويضع أساسا قانونيا واحدا للتعامل مع الصحف بكل ألوانها، تخضع ميزانيتها لأسس موحدة، وتطبق على العاملين فيها قواعد مالية واحدة.. مع ترك الحرية لكل صحيفة فى انتهاج سياستها التحريرية، دون إجراءات للمنع والرقابة أيا كانت.
وكان الأمل من وضع نظام جديدة للصحافة الحرة والمتحررة، أن ترفع الحكومة يدها نهائيا عن الصحافة، وأن يترك للأحزاب إدارة صحفهم بالطريقة التى يريدونها للتعبير عن مبادئهم، حتى تتوقف عملية ضخ الألوف من خريجى الصحافة فى وظائف صحفية بغير صحافة. بما يعيد الانضباط إلى الأوضاع المترهلة التى شوهت قوام الصحافة القومية. وأوقعتها فى خسائر جسيمة يدفع ثمنها المواطن العادى من دافعى الضرائب.. بحيث يدهش المرء حين يعرف أن خسائر الصحف والمجلات القومية تجاوزت خلال سنوات قليلة عدة مليارات.
من الواضح أن كل هذه الأفكار والخطط والآمال لإصلاح الإعلام قد سقطت فى بالوعة الآمال الكبار التى حملتها الثورة.. ليس بفضل الثوار الذين وقفوا على الهامش، ولكن بفضل «عقلية» النظام المخلوع الذى وجد الحل لكثير من المشكلات فى إعادة إنتاج مجلس الشورى. وبفضل عدد من المستفيدين الذين حصلوا من الدولة على ميزانيات ضخمة لإنشاء صحف ومجلات خاسرة. إضافة إلى أن مثل هذا التغيير يتطلب بنية قانونية وتشريعية جديدة للصحافة والإعلام.
ويبقى سؤال مهم: ما هى على وجه التحديد وظيفة رئيس مجلس الشورى حين يصبح رئيسا للمجلس الأعلى للصحافة؟ لقد رأينا كيف نجح رئيس الشورى السابق فى استخدام نقوذه لضرب الصحافة فى مقتل والتلاعب بمحرريها. ولم يمارس الأعلى للصحافة أى نوع من الاشراف أو التصدى لمشكلات صحفية وإبداء الرأى فيها أو الفصل فى المنازعات الإعلامية.
وغنى عن البيان أن مشكلات الصحافة باتت تمس الإعلام التليفزيونى وتشتبك معه وأن ثمة حاجة لقواعد صارمة تفصل بين الجانبين. ولنا أن نتصور حجم التعقيدات والإشكاليات حين يحدث خلاف بين الإخوان والسلفيين والليبراليين مثلا، حول نشر صور أو مادة تحريرية مباحة أو غير مباحة؟ وأين يمكن أن يقف المجلس الأعلى من هذه القضايا ليتدخل فيها أو يضطر إلى المطالبة بحجبها عن الرأى العام.. طبقا لمبدأ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟!