أزمة سوريا التى كشفت الكثير من المستور - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة سوريا التى كشفت الكثير من المستور

نشر فى : السبت 7 نوفمبر 2015 - 8:30 ص | آخر تحديث : السبت 7 نوفمبر 2015 - 8:30 ص

عندما تقع أزمة بين صديقين أو زوجين أو بلدين تحدث حالة من كشف ما كان مستورا بين الطرفين قبل الأزمة فتظهر ضعفات كل طرف حيث كانت وحدتهما أو حياتهما معا تغطى عليها ويظهر أسلوب للتعامل هدفه هزيمة الآخر أو فضحه أو القضاء عليه بعد ما كانت السياسة السابقة هى الحفاظ على الآخر والدفاع عنه بكل الطرق وبناء على هذه القاعدة يكون المستور هنا هو ما كشفته أزمة سوريا سواء ما كان بين الأخوة العرب أو مع دول الإقليم أو دول العالم. لقد بدأت الأزمة بقرار رئيس سوريا بشار الأسد بقمع التظاهرات التى اندلعت مطالبة باستقالته وبعد التشاور مع الحليف الإيرانى، الذى أوصى باستخدام أقصى قدر من القوة على الطريقة الإيرانية، التى استخدمت لقمع الانتفاضة الإيرانية ونجحت فى ذلك، فقام بشار بقمع شعبه بشراسة شديدة، هذا الموقف كشف الكثير من المستور الذى نلخصه فيما يلى:
الأول كشف عجز القوى العربية حيث وضح نوع من التخبط فى معالجة الازمة والذى وصفه أحد المحللين ب «التهتهة السياسية» مما دعى القوى الإقليمية (تركيا وإيران) والعالمية بدءا من أوروبا وانتهاء بروسيا، مرورا بالولايات المتحدة الأمريكية إلى التدخل، وإن دل هذا على شىء فإنما يدل على عجز واضح للعرب فى حسم الصراع والذى تسبب عدد منهم فيه بتمويلهم ميليشيات إرهابية تابعة لهم لتصفية حسابات قديمة مع النظام السورى؛ ومن هذه الدول السعودية وقطر وتركيا، أما المستور الآخر الذى كُشف فهو تقسيم الإرهابيين إلى إرهابيين معتدلين، وغير معتدلين، وقد أطلق هذا التعبير فى مصر موجة من النكات سخر بها رجل الشارع ذلك لأن تعبير الإرهابى المعتدل يحمل تناقضا فى ذاته، وعلى شاشات التواصل الاجتماعى كانت محاولات الشرح أن الإرهابى المعتدل هو الذى يقتل بـ«حنية» دون أن يحرق أو يذبح مثل الإرهابى غير المعتدل، وفى قول آخر أن الإرهاب المعتدل هو الذى ينتمى إلى مخابرات دولة عربية صديقة أما غير المعتدل فهو الذى ينتمى إلى دولة غير عربية.. إلخ. وكانت أمريكا هى أول من اطلق هذا التعبير، وأرسلت لمن اعتبرتهم معتدلين تمويلاً مادياً وأسلحة فقاموا بتقديمها لجبهة النصرة وانضموا إليها. وعندما تفكر مخابرات دولة كبرى أو رئيس كأوباما بهذه الصورة فهذا يعنى أنه تماما خارج الصورة وقبل أن يقول ويتصرف بهذا الأسلوب كان ــ على الأقل ــ مستورا بهيلمان الرئاسة الأمريكية ومخابراته.

***
أما المستور الثالث فقد كان الفصل بين النظام ورأس النظام، وهو ما أثير فى جلسته الثمانية عشرة طرفا فى فيينا، وهو فصل قدمه جهابذة سياسيين، ينم عن سذاجة سياسية إن ما حدث مع صدام حسين فى العراق بالقضاء عليه ثم تسريح جيشه لم يقضِ على نظامه؛ فعندما انسحبت القوات الأمريكية والبريطانية من العراق تعرضت إلى هجمات شرسة رغم وجود خمسمائة عنصر امريكى وبريطانى كمستشارين للقوات العراقية وباقى جيش صدام إنضم إلى داعش وعندما سئل وزير خارجية روسيا فى الأمم المتحدة لماذا أنتم متمسكون ببشار كانت إجابته فى صيغة أسئلة: هل العراق فى وضع أفضل بعد رحيل صدام حسين؟ وهل ليبيا فى وضع أفضل بعد رحيل القذافى؟
لذلك فالذين ينادون برحيل الأسد يشخصنون قضية هى أخطر كثيرا من أى خلاف شخصى ويطلق على هذه النوعية من التفكير (الخلط بين الشخصى والموضوعى)، فالربط بين الموضوع والشخص شىء والخلط بينهما شىء آخر. وقد وضح ذلك من تصريحات وزير خارجية السعودية الذى يصر فى كل اجتماع على تحديد موعد لترك بشار السلطة، وفى سبيل ذلك قبل الجلوس لأول مرة فى التاريخ مع وزير خارجية إيران، وقد كان هذا من ضمن المحرمات، وكانت الشخصنة واضحة أيضا عندما طلب ملك السعودية من أوباما تكوين جيش سنى لمحاربة النظام.
وهذه الشخصنة فى القضايا العامة من سمات الحضارة العربية، وهو ما يتجلى عندما تقع مأساة كما حدث نتيجة نوة الإسكندرية أخيرا من خسائر وضحايا فتم إعفاء المحافظ من منصبه وهكذا استراح المسئولون وكثير من الناس لكن المشكلة لم تحل، كذلك تم إيقاف المذيعة التى عالجت مشكلة التحرش (فتاة المول) بخرقها لميثاق الشرف الإعلامى دون علاج للقضية الأصلية، لكن الغريب أن الناس يستريحون وكأن القضية انتهت والمشكلة حلت وهذا عجيب!
أما المستور الرابع الذى كشف فهو الدور الإسرائيلى فى هذه اللعبة، فى منتصف سبتمبر الماضى كان هناك لقاء بين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل ومعه وفد عسكرى وأمنى رفيع المستوى ورئيس المخابرات، وفى هذا الاجتماع تم التوافق بين روسيا وإسرائيل، حيث أخطر الروس الإسرائيليين مسبقا قبل تنفيذ الضربات الجوية، وقد نشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية أن مسئولين روسيين اتصلوا بمستشار الأمن القومى الإسرائيلى وآخرين فى الدولة قبل ساعة من قيام طائرات روسيا بقصف مواقع فى سوريا حددتها بالضبط، وقد قدم بوتين ضمانات موثقة بأنه لا هو ولا إيران عازمان على فتح «جبهة أخرى» ضد إسرائيل فى الجولان. ولقد أوضح الجانب الإسرائيلى خشيته من وصول أسلحة متطورة إلى حزب الله، ليس هذا فقط بل كان وما زال هناك تنسيق استراتيجى وتبادل معلومات يتم على قدم وساق، وذلك بإطلاق قناة اتصال لتبادل المعلومات حول تطورات الأوضاع فى سوريا وقد أعلنت وزارة الدفاع إقامة «خط مباشر» بين مركز قيادة الطيران الروسى ومركز قيادة سلاح الجو الإسرائيلى، بل وصل الأمر إلى تدريبات عسكرية مشتركة وهذا ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية بأن هناك برنامجا للتدريبات العسكرية المشتركة يستهدف توفير الأمن للطيران العسكرى لكلا البلدين فى الأجواء السورية.

***
أما المستور الأخير الذى كشف فقد كان «الاستراتيجية الأمريكية» فمنذ حصول أوباما فى بداية حكمه على جائزة نوبل للسلام، وهو يريد ألا يجعل من قدموها له يندمون لذلك ظهر فى حالة كر وفر بين السلام والتهديد بالحرب حتى وصل إلى نقطة (اللااستراتيجية). إن تردد أوباما هو الذى دفع بوتين أن يتقدم ويملأ فراغ اللادور الأمريكى ولقد حاول أوباما أن يعطى اللااستراتيجية مصطلحا إيجابيا حديثا فأسماه «الصبر الاستراتيجى» من نحو ما يحدث فى الشرق الأوسط، وقد رد عليه أحد المحللين العسكريين بالقول: «إن الغموض قد يخفى استراتيجية لكنه قد يعنى أيضا عدم وجود أية استراتيجية».
بجلوس ثمانية عشر طرفا ليس من بينهم سوريا (نظام ومعارضة) على مائدة مفاوضات واحدة فى فيينا وضح أن هناك تخبطا شديدا فهذا العدد من المستحيل أن يتوافق على حل جذرى ربما يضع مبادئ، وهذا تم شكلاً، وذلك لأن المطلوب أساسا هو تقرير مصير سوريا بطريقة تغير واقع المنطقة، فالتقسيم لن يقتصر على سوريا، فأكثر المحللين يتحدثون أنه لا مكان اليوم لحدود سايكس بيكو، وسوف ترسم حدودا جديدة لمعظم دول المنطقة بما فيها الدول التى تظن أنها بعيدة كل البعد عن ذلك. فخريطة الشرق الأوسط الجديد والكبير الذى تقوده إسرائيل وإيران يلوح فى الأفق بعد استبعاد تركيا والتى كانت المرشحة الثالثة للقيادة بسبب دورها المشبوه.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات