الفقه الإسلامى الدستورى .. ترتيب الأولويات قبل الوثيقة (2) - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 8:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفقه الإسلامى الدستورى .. ترتيب الأولويات قبل الوثيقة (2)

نشر فى : الجمعة 7 ديسمبر 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الجمعة 7 ديسمبر 2012 - 9:10 ص

(1)

 

تحتاج صناعة دستور جديد إلى ثلاثة أركان مهمة هى بيئة ملائمة، وأولويات مجمع عليها، وشفافية مطلقة، وقد ذكرنا سابقا ضرورة البيئة الملائمة، واليوم نوضح المقصود «بالأولويات المقررة» وقد فهمت ركن «الأولويات المجمع عليها» من قوله تعالى (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) فكثيرا ما يسمع الناس مصطلح «فقه الأولويات» ويقع الخلط الغريب بين أولويات كل فرد من ناحية وأولويات الأمة من ناحية أخرى، فلا يصح أن يتصور كل مواطن أنه صاحب الحق الوحيد فى ترتيب أولويات الأمة، فلو كان هذا التصور صحيحا ما فرض الله «الشورى» حتى على نبيه ومصطفاه (ص)، وقد أكد ذلك تاريخ النبوة الذى بدأ بآدم وانتهى بمحمد (ص) وشهد أن الأنبياء جميعا وخاتمهم محمد (ص) استشاروا والتزموا وأنفذوا الشورى وإن خالفت تصورهم، فتقرير الأولويات لايكون صحيحا من خلال رؤية «أحادية الجانب» فالأولويات تختلف من شخص لآخر، بل ربما تختلف لدى الشخص الواحد من حالة لأخرى. كذلك فإن أولويات الأمم أشد تعقيدا وأحوج ما تكون إلى خبرة وحكمة لاتتوافر إلا من خلال تعددية سياسية وتعددية خبرات وعلوم من سائر التخصصات .

 

(2)

 

والتعرف على الأولويات ثم ترتيبها يتحقق من خلال «شورى واسعة»، ولشديد الأسف فإن كثيرا من الناس يتصورون الشورى على أنها وظيفة موسمية أو اجتماع طارىء لإدارة أزمة ما، لكن حقيقة الشورى أنها ركن من أركان الدولة، وقد فرضها الدين كما فرض الصلاة والزكاة. فالشورى مؤسسة دائمة متنوعة تمارس وظيفتها بصفة مستمرة كما بين القرآن بقوله (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) فالشورى دائمة ومنتظمة ومحددة الزمان والمكان وجدول الأعمال مثل الصلاة تماما ومعنى ذلك انه لابد وأن تنشىء الدولة مؤسسة الشورى كمؤسسة دائمة تتولى ممارسة وظائفها فى إحسان إدارة شئون الدولة وضمان التزامها بالدستور ونظامه القانونى المترتب عليه،  كما أن إحسان تنظيم الشورى والتسليم لها يحقق «سيولة التوافق» وضمان تلافى حدوث أزمات سياسية كالتى يشهدها المجتمع الآن .

 

(3)

 

وإنشاء مؤسسة الشورى ـ طبقا لما ندعيه ـ يتطلب تغيير الفلسفة الشائعة عندنا فى تأسيس المجالس النيابية البسيطة أو المركبة، والدافع لهذا التغيير أن رؤية الإسلام الكلية «للإنسان والكون من حوله» رؤية تقوم على «حرية الإنسان وكرامته» و«مسئولية الإنسان والتزامه» و«تعددية الرؤى والتوجهات» وهذا يفترض تشكيل الهيئات النيابية القائمة على التشريع فى البلاد طبقا لنظام المجلسين على أن يختلفا فى طريقة تكوين كل منهما كما يختلفا فى بعض الوظائف، بينما يشترك المجلسان فى إقرار التشريع وذلك بعد أن أُتيح لهما تكامل صورة الواقع من خلال طبيعة وتكوين ووظائف كل مجلس على حدة.

 

(4)

 

والانتخابات العامة المباشرة هى أفضل الوسائل لتكوين أحد المجلسين النيابيين، أما المجلس الآخر فالأفضل أن يتم تشكيله بانتخابات عامة متخصصة تمثل فيها جميع النقابات المهنية والعمالية بما يضمن تكامل جميع التخصصات فى تشكيلة مجلس الشورى، وبهذا تكون الهيئة النيابية قد جمعت مصدرين لا غنى عنهما فى التعبير عن إرادة الشعب وهذان المصدران هما الانتخابات العامة لمجلس النواب والانتخابات المتخصصة لمجلس الشورى.

 

(5)

 

نأتى إلى بيت القصيد لنعرف كيف يتم تقرير (تحديد الأولويات) ؟يتم ذلك من عبر خطوات علمية تتولاها المؤسسات المتخصصة والمسئولة عن ذلك وهى الأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية:

 

 أولى هذه الخطوات وأهمها: هى رصد واقع الأمة فى شتى المجالات من خلال وصف دقيق يحيل «الكيف» إلى «كم عددى» يسهل تقديره وحسابه فلابد من توافر إحصاءات واقعية دون تهويل أو تهوين ..

 

ثانيا: كذلك فإن حصر مقدرات الوطن وموارده المادية والمعنوية يعتبر عاملا مهما تقوم به المؤسسات الرسمية للدولة تحت رقابة الأجهزة الرقابية والرقابة الشعبية.

 

ثالثا: فبعد رصد الواقع وحصر المتاح يستطيع واضعو الدستور أن يحددوا ما هو أكثر إلحاحا للشرائح العظمى من المواطنين مثل وزن أولوية محو الأمية أمام أولوية انعدام الدخل وأمام أولوية الصحة والعلاج، وبأى هذه الأولويات تبدأ الدولة، وهذا التقديم والتأخير لا يحظى بمساندة شعبية إلا من خلال شفافية مطلقة.. هى موضوعنا التالى ..إن شاء الله

 

يتبع،،

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات