ملامح المشهد الدولى فى العام ٢٠١٨ - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 6:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ملامح المشهد الدولى فى العام ٢٠١٨

نشر فى : الإثنين 8 يناير 2018 - 10:15 م | آخر تحديث : الإثنين 8 يناير 2018 - 10:15 م
جملة من الأسئلة والتساؤلات تطرح حول أهم سمات المشهد الدولى هذا العام. فإذا كان الشرق الأوسط يحتل الصدارة أو مركز القلب فى التنافس الدولى، ولو أن هذا التنافس تخفف من حدته تفاهمات ظرفية أو تفاهمات حول وضع سقف لتصعيد محتمل من قبل أطراف إقليمية، كما رأينا بشكل خاص فى الصراع حول سوريا، فإن كوريا الشمالية النووية تبقى على رأس النقاط الساخنة هذا العام.

مرد ذلك الخوف من حدوث حرب أمريكية كورية «شمالية» تبدأها بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية. شهدنا أخيرا ما عرف بحوار «الأزرار»: الزعيم الكورى الشمالى يقول إن الزر النووى موجود أمامى على مكتبى، ويرد عليه الرئيس الأمريكى بأن الزر الذى أمامى أقوى وأكبر. لكن لعبة حافة الهاوية التى يقوم بها الطرفان قد لا تصل إلى حرب. الرادع الأساسى لاحتمال حصول هذه الحرب يكمن فى امتلاك كوريا الشمالية للورقة النووية، التى تشكل ضمانة لها فى نهاية الأمر. هذا من جهة. من جهة أخرى، أصدقاء الطرفين من اليابان وكوريا الجنوبية وروسيا والصين لا يريدون بأى حال أن يحصل هذا الأمر، لا بل يتخوفون منه، ويعملون المستحيل، كل على طريقته وضمن أهدافه الوطنية الاستراتيجية، لمنع حصول هذا الصدام المكلف للجميع. 
إن احتواء التصعيد والتفاوض هو ما يهدف إليه هذا الرباعى المعنى مباشرة بالأزمة، ولو اختلفت مصالحه، وهو تفاوض يفرض فى نهاية الأمر على واشنطن تجرع الكأس المرة والقبول بكوريا الشمالية كعضو فى النادى النووى، مقابل، بالطبع، وضع شروط وقيود على تطوير ترسانتها النووية.

ما زلنا بعيدين عن بلوغ آخر لطريق فى هذا المجال، وهو طريق محفوف بالمخاطر والتوترات، ولكنه الطريق الوحيد من منظور واقعى لتلافى الكارثة الممكنة.

***

وعلى صعيد آخر، أطل الرئيس الأمريكى فى منتصف الشهر الماضى بالعقيدة الاستراتيجية الأمريكية، أو ما عرف بـ«عقيدة إدارة ترامب»، وهى عقيدة تمثل فى حقيقة الأمر سياسة شديدة الأحادية، على حساب التقليد المعروف فى الخطاب السياسى الأمريكى، الذى يؤكد عادة على ثقافة التعاون الدولى وعلى دعم الدبلوماسية المتعددة الأطراف، على الأقل، على مستوى الخطاب الذى لم يحترم فى كثير من الحالات.

عقيدة الأحادية الأمريكية الحادة تعكس ما يعرف بمدرسة الواقعية السياسية الشديدة التى تعتبر أن النظام العالمى، كما يؤكد ترامب، يقوم على التنافس المستمر بين دول مختلفة، وأن على الولايات المتحدة الدفاع عن مصالحه ولو على حساب اتفاقيات قائمة هى عضو فيها، وأن عليها الدفاع عن مصالحها فى وجه الأصدقاء كما فى وجه الخصوم. 

قد يقول البعض إن الرئيس الأمريكى لم ينفذ جميع تهديداته الانتخابية بالانسحاب من العديد من الأطر التعاونية الدولية، ولو أن الولايات المتحدة قد انسحبت من الشراكة العابرة للباسيفيك، وأنها حتى الآن لم تفرض رسوما جمركية على الواردات الصينية، ولم تنسحب من اتفاق التجارة الحرة لشمال أمريكا أو اتفاق التجارة الحرة مع كوريا الجنوبية، ولم تنسحب مثلا من منظمة التجارة العالمية. لكن ذلك لا يعنى أنها لن تتخذ مواقف مشاكسة تضعف أو تشكل خروجا عن هذه الاتفاقيات التى تنتمى إليها واشنطن. مرة أخرى، إنها سياسة الأحادية الصدامية التى تعتبر أن الهدف الأمريكى الرئيسى هو الدفاع عن المصالح الاقتصادية الأمريكية، ولو اقتضى الأمر المواجهة مع الأصدقاء والحلفاء، كما المواجهة مع من هم ليسوا بأصدقاء.

ويبدو فى طليعة مصادر القلق الأمريكى السياسة الصينية الناشطة، ليس فقط على الصعيد الاقتصادى بل على الصعيد السياسى دوليا. والعنوان هو حزام واحد وطريق واحد وهو عنوان إعادة إحياء طريق الحرير. 

تبدى واشنطن قلقها، ومما قد يؤدى لصدامات مع الصين هذا العام، من النشاط الاقتصادى الاستراتيجى الصينى، إذ استطاعت الصين إقامة علاقات اقتصادية متينة مع أكثر من مائة وعشرين دولة. كما إنها تقوم بتوفير مساعدات اقتصادية أساسية لدول فى آسيا. كل ذلك فى إطار دعم استراتيجيتها الكونية الجديدة.

روسيا العائدة بقوة إلى موقعها كقوة دولية كبرى عبر البوابة السورية، تبدو فى علاقات توتر مع الولايات المتحدة، ولو أن هذا التوتر ما زال من النوع الممسوك والمقيد، وهو يمتد من مناطق نفوذ الاتحاد السوفيتى سابقا، مرورا بأوكرانيا وجزيرة القرم إلى المشرق العربى، إلى الشاطئ السورى تحديدا. 

والمثير للاهتمام أيضا، طبيعة تطور العلاقات العابرة للأطلسى أو الشراكة الأوروبية الأمريكية، سواء عبر الحلف الأطلسى أو عبر أطر التعاون الاقتصادية القائمة بين الطرفين. فهنالك ضغوطات أمريكية متواصلة ومختلفة على الأوروبيين للخضوع للسياسات الأحادية الأمريكية سواء فى المجال الاستراتيجى، كما نرى عبر توجيه الانتقادات الأمريكية لحلفائها الغربيين، وتحديدا بالطبع الأوروبيون فى الحلف الأطلسى أو عبر، أيضا، توجيه انتقادات عديدة فى إطار التنافس الاقتصادى الذى بدأ يطل برأسه فى هذه العلاقة الاستراتيجية على حساب التعاون أو التكامل الاقتصادى القائم بين الطرفين.

يزيد من حدة الأزمة الأمريكية الأوروبية، المشكلة التى تعيشها أوروبا والتى يمكن اختصارها بفقدان البوصلة فى عملية البناء الأوروبى وفى الأزمات المختلفة الأوجه والأبعاد من سياسية واقتصادية واجتماعية واستراتيجية التى يعيشها الاتحاد الأوروبى حاليا.

***

وعلى صعيد آخر، إذا كانت الفوارق بين الدول والمجتمعات تتجه نحو الانخفاض، كما دل على ذلك التقرير الذى أنجزه المركز العالمى للامساواة، فإن الفروقات تزداد اتساعا ضمن الدول والمجتمعات ذاتها. سبب ذلك الاندماج المتسارع على طريق العولمة حيث هنالك عولمة سعيدة وأخرى تعيسة تستفيد منها قطاعات على حساب قطاعات أخرى فى المجتمع ذاته.
هذا الأمر سيؤدى، كما نرى، إلى مزيد من التوترات المجتمعية حتى فى الدول الغربية المتقدمة ويساهم فى انتشار التيارات الشعبوية، التى تعبر عن ذاتها من خلال ازدياد الفوبيات أو المخاوف، ومن خلال مواقف عنصرية تجاه الآخر المختلف، سواء فى اللون أو العرق أو الدين فى المجتمع ذاته.

هذه التوترات تهدد النسيج الوطنى لعدد من الدول الغربية من خلال ازدياد المنطق الشعبوى والراديكالى ضمن هذه الدول. لكن هذا الوضع الذى أنتجته حالة العولمة المتسارعة الحاملة لضغوطات كبيرة على المجتمعات الغربية المتقدمة تؤدى فى الدول النامية بسبب المصادر ذاتها من تهميش اقتصادى واجتماعى وسياسى إلى دفع عدد من الدول النامية أو التى هى فى طريقها للنمو إلى التحول إلى دول فاشلة أو دول فى طريقها للفشل. مما يجعل من هذه الدول مسرحا لصراعات سياسية قد تحمل أوجها عنيفة وتكون جاذبة للتدخل من الخارج، إقليميا ودوليا. هذه ظاهرة ستزداد انتشارا فى هذا العام.
خلاصة الأمر أننا نعيش فى خضم تبلور نظام عالمى متعدد الأقطاب حامل للكثير من التوترات الداخلية والإقليمية والدولية. توترات تتغذى وتغذى بعضها البعض الآخر.

نظام يشهد تراجعا قويا لثقافة التعاون الدولى المتعدد الأطراف. 

يحصل ذلك فى وقت هنالك فيه حاجة قصوى لتعزيز هذا التعاون الدولى المتعدد الأطراف وإرسائه على قواعد جديدة وقوية بغية مواجهة تحديات قديمة وأخرى جديدة لا يمكن التعامل معها بنجاح إلا ضمن منطق التعاون الدولى الفاعل والفعال وهو غائب أو مغيب حاليا، مما يزيد من مخاطر الفوضى الحاملة، من جهة، والمغذية، من جهة أخرى لمزيد من التوترات والصراعات ذات الأشكال المختلفة.

 

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات