لست رعديدًا - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لست رعديدًا

نشر فى : الإثنين 8 فبراير 2016 - 10:15 م | آخر تحديث : الإثنين 8 فبراير 2016 - 10:15 م
لست شقيا أو قديسا لكى لا أهتم بردود الأفعال على ما ينشر لى من مقالات وما تتضمنه هذه من أفكار.

فقط توقفت عن متابعة الإفك الذى يسوقه باتجاهى «خدمة السلاطين» تارة تكفيرا وأخرى تخوينا وثالثة بالاعتداء على الحياة الخاصة وترويج الأكاذيب والترهات عنها. فحملات الاغتيال المعنوى تؤلم فى بداياتها، ثم تدريجيا يخلى الألم بعضا من خاناته للإدراك الموضوعى بكون ذلك من بين الأثمان غير العادلة التى يتحملها من يختار التغريد خارج السرب فى بلاد كبلادنا تحكمها أجهزة «الأخ الكبير» وتطلق بها اليد القمعية لتعقب التعبير الحر عن الرأى.

لا أدعى أن مثل هذا الإدراك الموضوعى لوظيفية حملات الاغتيال المعنوى يسهل دوما الاعتصام به، أو الاحتماء بالمفردات الهادئة التى يدفع بها إلى الضمير والعقل. إزاء القلق المشروع إنسانيا على اسم يشوه ودور تغيب حقائقه، قد تنهار خطوط الدفاع الشخصية التى تمنحها مفردات من شاكلة «هم لا يريدون إلا إسكاتك وتنفير الناس من أفكارك، ولذلك يشوهونك»، «خدمة السلاطين يعتاشون على الإفك وترويجهم للأكاذيب والترهات يستهدف نزع كل قيمة أخلاقية ووطنية عنك، تلك أدوارهم وضمانات بقائهم ومسوغات المنافع التى يتمتعون بها»، «لا تخلط بين السلطوية التى تحرض خدمتها ومكارثييها على الاغتيال المعنوى لكل صوت حر وبين عموم الناس الذين يشعرون بالكلمة الصادقة والفكرة المخلصة مهما زيف وعيهم أو اختلط عليهم، ولهم هم عليك أن تواصل الكتابة». بل قد تنهار خطوط الدفاع الشخصية ما إن يتابع المغرد خارج السرب آخرين من أصحاب الرأى الحر وهم لا يدعون المشوهين يمرون بإفكهم دون تفكيك وتفنيد ودحض، ويواجه ذاته حينها بالسؤال: «ولماذا تصمت أنت؟» ثم يرسل هو أيضا كلماته وأفكاره باتجاه التفكيك والتفنيد والدحض لإفك خدمة ومكارثيى السلطويتين، الحاكمة والبديلة.

على الرغم من استحالة الصلادة الكاملة لخطوط الدفاع الشخصية فى وجه حملات الاغتيال المعنوى، إلا إننى أزعم أن خبرة السنوات الماضية تراكمت لتمكننى وإلى حد مؤثر من الابتعاد عن الاهتمام بها والتوقف عن متابعة «التفاصيل المعهودة» لما يساق من إفك وأكاذيب وترهات لا حدود لتدنيها الأخلاقى والإنسانى والوطنى، ذلك التدنى الذى بات لا يرفع ظلامه الحالك عن مجمل الفضاء العام فى مصر.

أنا لست رعديدا ــ وأستعير التعبير من قصيدة للشاعر السودانى محيى الدين فارس ــ لكى أتوقف عن مواجهة سلطوية حاكمة تتورط فى مظالم وانتهاكات للحقوق والحريات غير مسبوقة، وأرسل كلماتى وأفكارى فقط لتعقب مطلقى حملات الاغتيال المعنوى. أنا لست رعديدا لكى أمتنع عن الكتابة باسم الضحايا جبرا للضرر عنهم ومطالبة بمحاسبة المتورطين فى سلب حقوقهم وحرياتهم وطرحا لملامح الحكم الديمقراطى الذى أثق أن به صالح العباد والبلاد، وأرسل كلماتى وأفكارى فقط لتشتبك مع خدمة سلاطين ومكارثيين لا أفكار لديهم وليس لهم من مفردات للتشويه سوى متفرقات من اللغة الذكورية وإيحاءات جنسية ومنقولات السب والقذف المعتادة. أنا لست رعديدا لكى أبتعد عن تفكيك وتفنيد ودحض سياسات وممارسات السلطوية الحاكمة التى تقايض الناس بأمن متوهم نظير حرية يعتدى عليها وتتيح لأجهزة «الأخ الكبير» أن تسطو على المواطن والمجتمع والدولة وتدعى كونها معنية بحماية «المصلحة الوطنية» بينما هى تزج بنا جميعا إلى هاوية سحيقة من الفشل، وأرسل كلماتى وأفكارى فقط لتنتزع «حقى الشخصى» من إعلام الأذرع الأمنية (صحف وإذاعة وتليفزيون الأخ الكبير) وأمكن الخدمة والمكارثيين مما يريدون، ليصمت هذا وغيره ممن يكتبون عن المظالم والانتهاكات دون معايير مزدوجة.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات