«المراهقة… تحدٍّ أم فرصةٌ؟» - هنا أبوالغار - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 4:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«المراهقة… تحدٍّ أم فرصةٌ؟»

نشر فى : الجمعة 8 فبراير 2019 - 7:45 م | آخر تحديث : السبت 9 فبراير 2019 - 10:50 ص

الطفل يظل طفلا حتى عمر الثمانية عشر؛ فقد اتفق الطب وعلم النفس والقانون على أن هذه السن هى الحد الأدنى لاعتبار الشخص أهلا لاتخاذ قرارات وتحمل مسئولية نفسه، وحتى يتأهل لعالم الكبار يمر بمرحلة المراهقة والتى تبدأ بعد عيد ميلاده الحادى عشر فيبدأ العقل والجسد والنفس فى التطور والنضوج.
الجسد ينمو سريعا تحت تأثير هورمونات عدة فيتغير شكل الطفل بسرعة قد تكون مخيفة له، ينظر فى المرآة ليرى شاربا خفيفا، فجأة يتغير جلد وجهه الناعم فيكسوه حب شباب، يستعد جسمه للبلوغ فيبدأ الشعر فى الانتشار ورائحة العرق تتغير، الثدى يكبر لدى الفتيات وكذلك العضو الذكرى لدى البنين كما أنه يلاحظ زيادة فى انتصابه وأحيانا يستيقظ ليجد نفسه احتلم، الدورة الشهرية تبدأ فى الفتيات وفجأة يجدن تدفقا لدم (وهو مرتبط فى الذهن بالمرض) من جزء من جسمها تدربت ألا تسأل وألا تتكلم عنه. قد لا يكون الطفل أو الطفلة مستعدا لهذه التغييرات وقد يكونون عرفوا عنها من آبائهم أو المدرسة لكنهم غير قادرين على التعامل مع السرعة التى تحدث بها. يصاحب هذا نمو عقلى ونفسى، تغيير فى الرغبات ومصادر السعادة، والاحتياجات النفسية، كلها بهدف الاستعداد لدخول عالم الكبار، الرغبة فى كسب حب وثقة وإعجاب فى دوائر الأصدقاء من سنهم أو أكبر بعض الشىء تكون أكثر إلحاحا من كسب إعجاب الأبوين والمدرسين. الاحتياج لأن يكونوا جزء من «شلة» أو «مجموعة» وأن يكونوا مميزين داخل هذه المجموعة يدفعهم إلى وضع ثقل كبير على اللبس وطريقة الكلام والتصرفات وحتى الاهتمامات، كما أنها تجعلهم أكثر عرضة للخضوع لضغوط الأقران، فجأة نجد صغارنا مَن كانوا يجلسون على أرجلنا بالأمس وكانوا راضين وسعداء بصحبتنا، وكنا أول من يلجئون إليه للمشورة أو لحل المشكلات، نجدهم فجأة غير مرحبين بنا، تصبح صحبتنا ثقيلة عليهم، وكلامنا بعيدا تماما عن عالمهم، كل اقتراحاتنا مملة وكل ما نختاره لهم من ملابس أو كتب أو غيره «دمه ثقيل». يحس الأبوان بالألم والخوف أن يفقدا ابنتهم، وأن الطفلة التى ربياها تغيرت. والأمر يحتاج إلى حكمة وفهم للتحولات التى تحدث للطفلة فى هذه المرحلة وتعاطف معها فى هذه المرحلة. فالنمو والنضوج فى أى مرحلة من مراحل الحياة يصحبه عادة ألم نفسى وبدنى ويكفى أن نتذكر إحساسنا الشخصى ونحن مراهقون أو أحاسيس الرجل والمرأة عند الوصول إلى منتصف العمر.
***
ليس صحيحا أن أبناءنا لا يحتاجون إلينا فى مرحلة المراهقة، نحن نحتاج إلى أمهاتنا وآبائنا فى كل مراحل حياتنا حتى بعد أن ندخل عالم الكبار، ونحتاج إليهم فى صورة الأم والأب أكثر مما نحتاج إليهم كأصدقاء، الصداقة جزء من علاقتنا مع أبنائنا وهى مفتاح للتواصل معهم عبر السنوات، لكنها تختلف عما يحتاجون أليه منا دائما وأبدا وهو الحب غير المشروط، أن نجد بجانبنا من يحبنا ونحن فى أضعف صورنا فى لحظات غضبنا وحزننا وفشلنا وانطوائنا، أن نكون مطمئنين إلى وجود ظهر وسند حتى لو اختلفنا معهم. هذا الحب غير المشروط لابد أن يصحبه قدرة على «إرساء النظام» ووضع «حدود واضحة» لا يتجاوزها الطفل، وهما جزء لا يتجزأ من التربية طوال فترة الطفولة مع زيادة «مساحة سلطاتهم فى اتخاذ القرار»، فالنظام اليومى يعطى الطفل الأمان ويدعم نمو الشخصية المتزنة والحدود تؤسس لعلاقات شخصية مبنية على الاحترام والحب، أما السلطة فكلما كبرت الطفلة وأعطيناها مساحة أكبر لاتخاذ قرارات خاصة قل صراع القوة اليومى بيننا وبينها. يجب أن ندرك أن قدرتنا على فرض الإرادة بالقوة تقل مع الوقت ويصبح العامل الأساسى فى تأثيرنا عليهم هو رغبتهم فى الحفاظ على ثقتنا واحترامنا وإعجابنا بهم.
«التواصل» مفتاح نجاح معظم العلاقات الإنسانية، هو قناة مفتوحة بين طرفين كلاهما يرسل ويستقبل وأى حوار لا نقبل فيه أن نستمع بآذاننا ونستوعب بذهننا ما تقوله الابنة مع رغبة حقيقية فى تفهم الأمر من وجهة نظرها فهو ليس حوارا وإنما هى محاضرة، وفى المحاضرة لا يشترط أن يستمع إليك الحاضرين إن لم يعجبهم كلامك، إنما فى الحوار حيث احترام واهتمام متبادل بين الطرفين تجد كلاهما منتبهين. كما أن الحديث الحامل لذبذبات سلبية مثل الإلحاح وتكرار نفس الطلب فى وقت قصير، الكلام بنبرة فيها سخرية أو غضب أو استنكار، إعطاء أوامر أو أخذ قرارات دون شرح لأهمية الالتزام بهذه القواعد «علشان أنا قلت كده»، هذه الأنواع من الحديث لا تشجع على استقبال رأى أو الاستجابة لطلب أو الأخذ بنصيحة. كما أن عدم وجود حوار مفتوح فى أمور يومية وحياتية تهم الطفل بعيدا عن التوجيهات والأوامر يجعل أى حوار مع أحد الأبوين فيه توقع لنقد أو أوامر.
لكى نبنى قنوات تواصل جيدة مع أبنائنا نحتاج إلى أن نستثمر كثيرا فى إيجاد فرص يومية بسيطة لمعرفة هذا الطفل الذى ينمو وينضج ويتغير كل يوم حتى لا نجد أنفسنا أمام شخص لا نعرفه متخيلين أن الطفل بداخله لن يكبر، فالالتزام بوجبة يومية تجتمع فيها الأسرة واستثمار لحظات المشاركة فى الطبخ أو اللعب أو الاستماع إلى موسيقى يحبونها أو الإنصات باهتمام عندما يحكون عن أحداث يومية، الاستثمار فى معرفة أصدقائهم والتقرب منهم باهتمام حقيقى وليس مفتعلا، استثمار رحلاتنا فى السيارة معهم فى الثرثرة والحديث البسيط بعيدا عن أى توجيه، إلى آخر كل الأوقات التى تعطينا فرصة لمد حبل التواصل، فإما أن نتخذ الفرصة وإما أن نضع نحن وهم سماعات التليفون فى آذاننا لنتحدث لآخرين أو نستمع وحدنا إلى ما يعجبنا من موسيقى.
***
هناك بعض النصائح البسيطة التى تساعد على مد جسر التواصل: فمثلا الجمل التى تبدأ بـ«أنا» مثل: «أنا أحسست بزهق عندما رأيت شنطة المدرسة ملقاة على الأرض لأنى لست مسئولة عن جمع مقتنياتك» هذه الجملة أفضل من التى تبدأ بـ«إنتى» مثل: «إنتى مهملة لأنك ألقيتى الشنطة على الأرض» حيث الجملة الأولى تدين «الفعل» أما الجملة الثانية فتدين «الشخص» وبالتالى تقلل من ثقة الطفل بنفسه عندما يتكرر النقد، استخدام أسئلة «مغلقة» يكون الرد عليها بـ«نعم» أو «لا» لا يشجع على الحوار بخلاف الأسئلة المفتوحة التى تسمح بتبادل الآراء فقصر الحوار على أسئلة مثل: «عندك مذاكرة؟» مختلف تماما عن: «عملت إيه النهارده فى المدرسة؟ عندك مذاكرة كثير؟» فالأولى أقرب إلى التحقيق والرقابة والثانية فيها رغبة فى الحوار. المشاركة من أمتع طرق التواصل وأكثرها عمقا للطرفين، فعندما نحكى لأبنائنا عن مشكلة فى العمل أو شجار مع صديق أو حتى أمورنا المالية فإننا نظهر لأبنائنا أننا نحترم رأيهم ونراهم ناضجين بالقدر الكافى لفهم ما نقول وأننا نثق فيهم حتى فى الأمور الحساسة، هذا النوع من الحوار يبنى «الصداقة» التى هى جزء من العلاقة بيننا وبينهم ويشجعهم للحديث عن مخاوفهم ومشكلاتهم معنا بدلا من الذهاب إلى الأصدقاء وقد نفاجأ بأن رؤيتهم للأمور وتعليقاتهم عليها فيها عمق وفهم وتحليل مختلف لا يشوبا حساباتنا نحن الكبار. أن تحس الطفلة بالصدق فيما نقول وأن ترى فى أفعالنا ترجمة للقيم التى نحدثها عنها أمر هام، فليس من المعقول أن نطلب من الطفل أن يكون مرتب وأبيه يرمى ملابسه على الأرض أو من الطفلة أن تلتزم بموعد التدريب إذا كنا دائما نتأخر فى أخذها من المدرسة، أن نظل قدوة لأبنائنا مهم جدا لأنها من أهم أدواتنا فى الاقناع فالطفل يتعلم بالتقليد وليس بالعظة وهو أمر يبدأ منذ المهد وحتى يدخلوا عالم الكبار وما بعده. وفى النهاية مثل أى حديث مع أى صديق فالإنصات بدون حكم مسبق أو رغبة فى النقد يشجع المتحدث ويحسسه بالأمان أن يشاركك الأحاسيس والأفكار، أما أن يحس منك بالرفض لما تقوله فهذا يجعلنا جميعا نقلل من الحديث ونتفاداه.
المراهقة مرحلة صعبة على الطفلة والطفل، لكنها أيضا صعبة على الآباء، وأحيانا ما نجعلها نحن أكثر صعوبة بسبب اعتقادنا أن واجبنا وحقنا أن نشكل أبناءنا، كما نرى بدلا من أن نساعدهم أن يكونوا أفضل ما خلقهم الله عليه حتى يصبح كل طفل شخصا فريدا يضيف إلى الإنسانية.
أبناؤنا، سيطيرون لا محالة من العش الذى بذلنا عمرنا لنوفره لهم، فهذا دورهم، أما دورنا فهو أن يبقى لديهم هذا العش الدافئ والآمن وأن يجدوا فيه حب كلما احتاجوا إليه، فمجرد وجود العش بدون سلاسل ولا قيود يجعلهم يعودون ويجعل بيننا وبينهم أنهار من التواصل الإنسانى أقوى كثيرا من قيود أى سلطة نمارسها عليهم.
أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة

هنا أبوالغار أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة
التعليقات