براءة من سفك الدماء - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

براءة من سفك الدماء

نشر فى : الجمعة 8 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 8 مارس 2013 - 8:00 ص

خلق الله جميع المسخرات وجعلها أرزاقا ومتاعا ثم خلق آدم (ص)وذريته لإعمار الدنيا والتمتع والاسترزاق من جميع المسخرات حيث إنها تكفى الناس إلى يوم القيامة، فلا تكن الحاجة سببا فى إراقة دماء بعضهم البعض.

 

(1)


وقد اصطفى الله المرسلين من ذرية آدم ليخبروا الناس أن «الإنسان هو السيد بين الكائنات «وأن العدوان على الإنسان عدوان على خالقه، وافتئات على شريعته، وإفساد فى الأرض ما بعده إفساد.. وذلك ما بينه القرآن الكريم فى آية محكمة «وَكَتَبنَا عَلَيهِم فِيهَآ أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ وَالعَينَ بِالعَينِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُرُوحَ قِصَاص.........» وآية أخرى: «.......... أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفسَا بِغَيرِ نَفسٍ أَو فَسَاد فِى الأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعا وَمَن أَحيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحيَا النَّاسَ جَمِيعا وَلَقَد جَآءَتهُم رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ........».

 

أما هذا الهرج الذى يملأ ساحات البلاد لدرجة تلاشى الأمن، وتوقف السعى البشرى وتخوف الناس على ضرورات حياتهم، هذا الهرج والمرج الذى يمهد المناخ لاجتياح الأنفس وإراقة الدماء، وإهدار الأموال، وتبديد الأمن لإجبار الناس على الندم على قيام ثورتهم وعلى اقتلاع الفساد السابق بل وتخيير الناس بين بدائل مستحيلة لا تطاق. كل ذلك يفرض سرعة البراءة من أسباب حدوثه والبراءة من إشاعته وتبريره.

(2)

اللهم إنى أبرأ إليك من كل جرح أصاب أى إنسان، ومن كل دم سفك، ومن كل مال أصابه الإتلاف، وأبرأ إليك يا رب من العجز النفسى الواضح فى رعاية الإفساد، كما أبرأ إليك ربى من القصور العقلى عن تدارك هذا الهول، كما أبرأ إليك يا رب الناس من كل خطأ وإثم وكذلك نبرأ من الإصرار على الخطأ والإثم .اللهم إنك تعلم أنى لم آمر بشيء من ذلك الهرج، ولم احضر مجلس الأمر به، ولا حببت ولا زينت هذا الإفساد ،ولا رضيت به إذ رأيته أو علمته، ولن أرضى به حين الحدوث، ولا أجد فى نفسى مكانة ولا مكانا لمن تسبب أو فعل، أو تقاعس عن منعه بالحكمة والمثابرة.

 

(3)


 إن هذه السماء بما أودع فيها من كواكب ونجوم ومجرات خلقت سقفا وضياء ودفئا لابن آدم، وهذه الأرض بما احتوته من زرع وضرع وصيد وسكن ما خلقت إلا لسكنى الإنسان وراحته.

 

«وَالأَرضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ» هكذا كما تصرح الآيات المحكمات «وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزَانَ» فتحت السماء وفوق الأرض ميزان «وَوَضَعَ المِيزَانَ «فإذا ضل الناس عن الميزان الذى يحرس الأنفس ويحفظ الدماء ويجلب السلام ويستدعى الرخاء فقد هلكوا وضاعوا، فكل من ضل عن ذلك «الميزان». فقد فارق تعاليم خالقه، وتنازل عن إنسانيته، وسعى فى تخريب الأرض فسادا، فلا سياسة ولا رأى فى التخريب والقتل والإفساد، ولا دين فى ضيق الأفق والعجز والقصور والعناد، ولا مخرج للجميع إلا فورية التوبة النصوح يتبعها عمل صالح يبدأ بتنازل الجميع عن رؤاهم التى ثبت قصورها، كما يسعى الجميع لمجاهدة نفسه وتوطينها على القبول بالشراكة والمشاركة. فهل إلى خروج من سبيل؟

 

(4)


ليس فى شريعتنا ما هو أولى من الإعمار والتعمير، ولا أولوية أقدس من الصلح والإصلاح والمصالحة «مَن عَمِلَ صَالِحا مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِن فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَواة طَيِّبَة وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُواْ يَعمَلُون»َ لا معنى للفلاح وللصلاح شرعا إلا الصلح والتصالح والمصالحة « يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعمَلُواْ صَالِحًا إِنِّى بِمَا تَعمَلُونَ عَلِيم» فذلك هو الإصلاح إذ كشفت تلك الكوارث أن القصور قد شمل الجميع بلا استثناء، فهيا جميعا بلا تبأطؤ لإصلاح أنفسنا، سعيا لإصلاح ذات بيننا فنبدأ تديننا وجهادنا ووطنيتنا بالإعمار والإصلاح فذلك هو القدر المشترك بين الناس أجمعين.

 

هيا جميعا نغسل أنفسنا من المكابرة والعناد، ونغسل أيدينا من التخريب والفساد، ونغسل أعمالنا من الدفع والتحريض على سفك الدماء، هيا قبل أن تفاجئنا الآجال فنقول لله «.......رَبَّنَآ أَخرِجنَا نَعمَل صَالِحًا غَيرَ الَّذِى كُنَّا نَعمَلُ أَوَ لَم نُعَمِّركُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ»

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات