العزبى «سايب إيده» - سيد محمود - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العزبى «سايب إيده»

نشر فى : الثلاثاء 8 مارس 2022 - 9:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 8 مارس 2022 - 9:40 م

قرأت كتاب «هل يدخل الصحفيون الجنة» لكاتبنا الصحفى الكبير محمد العزبى فى جلسة واحدة، لم اتوقف خلالها عن الضحك، لكنى احتجت بعدها لعلبة مناديل كاملة لأمسح الدموع التى طفرت من عينى وأنا أقرأ ما كتبه حول الصحافة وخطها الذى هبط فى مصر لدرجة يأسنا التام من فرص صعوده، فالمهنة ظهرها إلى الحائط.

وأول ما لفت نظرى أن الدار التى نشرت الكتاب، وهى دار «ريشة» تخصصت فى نشر كتب السيرة الذاتية، ونجحت فى تأكيد وجودها فى السوق بهذا الخيار ولذلك بحثت عن الدوافع التى جعلتها تخرق اتفاقها مع القارئ وتنحاز لنشر كتاب يضم مقالات صحفية متفرقة كتبت للتعليق على أحداث تبدو عابرة!!
لم تستمر حيرتى طويلا حيث اكتشفت بسرعة أن الأستاذ العزبى وجد سيرته فى سيرة المهنة التى أنتمى إليها، وبرع فيها لدرجة أنه تولى رئاسة تحرير مطبوعة مهمة هى «الايجيبشان جازيت» كانت فى أيام مجدها معه تنقل أخبار مصر إلى العالم.

والأستاذ العزبى من بين القامات الصحفية الملهمة، قيمة وسيما ــ كما يقال ــ صاحب قلم له وزن، وطعم ورائحة وصفة.
يزن كلماته بميزان الذهب ويكتب بصدق ونزاهة وبقلم له خصائص أسلوبية فريدة تتسم بالخفة وسرعة الانتقال من فقرة لأخرى بمهارة جراح ورشاقة لاعب فى سرعة محمد صلاح.
وظنى أن عمل العزبى الطويل فى صحافة الشئون الخارجية والترجمة أكسبه مهارة الوصول إلى عقل وقلب القارئ من أقصر طريق وبدون لف ودوران، وأحسبه بين قلة قليلة تكتب وهى «سايبة إيدها» وقد عرفت بشكل شخصى من بين هؤلاء قامات أولها نقيب الصحفيين الراحل كامل زهيرى وعندليب الصحافة محمود عوض والراحل صلاح عيسى الذى كان باستطاعته ان يكتب صحيفة كاملة فى جلسة واحدة دون أن يرفع رأسه عن الورق الذى أمامه إلا ليأخذ نفسا عميقا من سيجارته الـ«ميريت».

أسلوبيا فإن كتابة العزبى تشبه فى رشاقتها كتابة أنيس منصور، لولا أنها من النوع «كامل الدسم» أكثر عمقا وأغنى فائدة.
كأى كاتب خبير يستطيع العزبى المناورة فى مساحة صغيرة لا تزيد عن 400 كلمة من النوع الفاخر تربط المتعة بالقيمة ولا يضحى صاحبها بارتباطهما أبدا.
وعلى الرغم من نبرته اليسارية التى يصعب تفاديها، إلا أنه يكتب كلاما بسيطا مفهوما، يسهل فهمه لأن هدفه السامى مخاطبة جميع الفئات والتأثير فى الناس دون «حذلقة» أو ادعاء.
وبمناسبة الحديث عن اليسار يضم الكتاب إشارات مهمة ونادرة حول تجربة اعتقال مؤلفه ضمن مجموعة من المثقفين بزعم الانضمام لتنظيم شيوعى قبل نكسة يونيو وقد كتبت شخصيا دراسة عن هذا التنظيم قدمتها لندوة حول أدب السجون نشرها مركز البحوث العربية وقام بتحريرها الصديق شعبان يوسف واللافت أن غالبية المتهمين فى عضوية التنظيم كانوا من المبدعين ومنهم الابنودى وجمال الغيطانى وصلاح عيسى وابراهيم فتحى وصبرى حافظ ومحمد عبدالرسول، لكن المثير لى أن أحدا منهم لم يهتم بتسجيل وقائع التجربة كما أكد لى جمال الغيطانى الذى استعاد التجربة فى مجموعته «ذكرى ما جرى»، فى حين قدم العزبى إشارات مهمة كاشفا عن الثمن الذى دفعه مع هؤلاء جراء هذا الانتماء.

والمهم انه مارس مهنته تحت عنوان كبير لمعنى «الاستنارة»، فالكاتب كما يفهم دوره لابد وأن يكون ذا عقل منير، إذ لا يجوز لمن يحلم بتغيير الناس للأفضل أن يتسم بعقلية منغلقة مقفولة بـ«الضبة والمفتوح» لذلك عنون مقالاته فى «الجمهورية» ثم «المصرى اليوم» مستعملا كلمة «عيون» وصاغ أفكاره بين «عيون بهية» و«عيون مصرية» فى إشارة دالة إلى إيمانه بفكرة الاستبصار والرؤية بالبصيرة، ناهيك عن فكرة الانحياز الأصيل لـ«مصر».
يتساءل العزبى: هل يدخل الصحفيون الجنة أم أن الصحف وبرامج التوك شو لا تصدر إلا فى نار جهنم وبئس المصير؟ وفى محاولة للإجابة يدعو من يمارسون المهنة إلى الاعتزال بعد أن أصبح الكذب للركب.
لا يدافع العزبى عن مهنته فهو أول من يوجه اللوم ولا يكابر تبريرا لبعض ما يكتب أو يقال، كما لا يباهى بماضى المهنة فى «الزمن الجميل» فلكل عصر أوان لكنه ينظر للمستقبل.

وبمشرط جراح قديم يحدد الأمراض التى تعانى منها المهنة ويحلل أزماتها عبر تاريخها، منتهيا إلى تأكيد حقيقة أن أزمة الصحافة المصرية ليست اقتصادية فقط، بل هى فى الأساس أزمة محتوى ويقول إن رئيس التحرير يشبه شخصا تم تكتيفه بالحبال، وإلقائه فى بحر متلاطم الأمواج والمطلوب منه ألا يغرق أو حتى يبتل!