خطابنا الدعوى إلى أين.. 2 ــ المرسل: ى – الأمانة - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطابنا الدعوى إلى أين.. 2 ــ المرسل: ى – الأمانة

نشر فى : الجمعة 8 مايو 2015 - 8:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 8 مايو 2015 - 8:45 ص

ــ1ــ
الأمانة – كما نعلم جميعا ركن من أركان «النبوة»، فكل نبى توافرت فيه الأمانة بأعلى مستوياتها بداية من آدم وانتهاء بمحمد عليهم جميعا الصلاة والسلام. لا تنحصر الأمانة فى حفظ ما أودعه الناس عندك، فتلك قشرة من القشور التى تغلف الأمانة وتحفظها وتعلن عنها. وأبرز معالم الأمانة « الإحاطة التامة بالرسالة التى تحملها « ومعرفة جميع أبعادها، وبرامج تعليمها وتنفيذها، وأولوياتها. كما تبدو الأمانة أكثر وضوحا فى القدرة على إبلاغ الرسالة بوضوح تفهمه جميع العقول، والقدرة على إبصار ثوابت الرسالة من متغيرات الأحوال، والقدرة الفائقة على تيسير الرسالة على جميع المتلقين. فمن الأمانة تبليغ رؤية المبلغ بالتناسب بين الشعائر والعقائد والسلوك والتناسب بين الفرائض وبين السنن والمستحبات. ومن الأمانة أن يمتلك المبلغ القدرة على التمييز بين الأحوال المختلفة حيث إن لكل حالة حكما، فالسجين غير الطليق، والمريض غير السليم، والسلطة غير المعارضة، والمطاردة غير الآمنة، كما أن الجائع غير الشبعان، فمن لا يقدر على معرفة الدافع لا يؤتمن على حمل الخطاب الدعوى.

ــ2ــ
ومن أمانة المبلغ إحاطته الفائقة بآليات البلاغ وأدواتها، مع تمييزه بين الغايات والوسائل، فالغايات ثابتة والوسائل متغيرة، والغايات متوالية لكل الوسائل، متوازية بل ومتنافسة، فالمتصدر للخطاب الدعوى فى عصر ما لا يوصف بالأمانة لمجرد إحاطته بالخطابة وفنون الطباعة، بل لابد لمؤسسة البلاغ من إحاطته بالإذاعة والتلفاز والفضائيات والرقميات، كذلك بأنواع الفنون المختلفة الكفيلة باختصار وقت المتلقى وإقناعه. ومن أمانة المبلغ قدرته على «التجزىء» أى «التقسيم» أى «التقسيط»، فالشرع الذى أنزله الله على رسوله فى 23 سنة لا يمكن حمل الناس عليه دفعة واحدة، ولا فى عدة واحدة، ولا بطريقة واحدة، فالقرآن الكريم يقرر أكثر من مرة (وَلَقَدْ صَرَفْنَا فِى هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَاسِ مِنْ كُلِ مَثَلٍ..)، والتصريف تغيير ليتوافق مع قدرات المتلقى.

ــ3ــ
ومن أمانة المبلغ طول الصبر والتواصى به مهما كان عناد المتلقى، فلا يحملك عناده على إهماله أو مصارعته، أو ترك البلاغ، فالأمر القرآنى واضح (يَا أَيُهَا الَذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَقُواْ اللهَ لَعَلَكُمْ تُفْلِحُونَ). فالمرابطة دوام الاهتمام والتحمل، مع الإصرار على ما معك من حق، فإن الحق لا يكفيه البلاغ، بل لابد من الصبر على ردود الأفعال، حيث يقول جل شأنه (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِ وَتَوَاصَوْا بِالصَبْرِ)، فإعراضهم عن الحق لا يضجرك ولا يصرفك، بل يزيد عنايتك بهم ورعايتك لهم والبحث عن وسائل التأثير فيهم – مع دعاء الله بإعانتك وإعانتهم على الصواب كما قال الرسول « اللَهُمَ اهْدِ قَوْمِى فَإنَهُمْ لا يعْلَمُونَ».

ــ4ــ
ومن أمانة المبلغ (مرسل الخطاب) أن يكون عالما بالمكان والزمان الملائمين للبلاغ، فلا يقطع على الناس ما ارتبطوا به ليعرض عليهم خطابه، بل ينتقى المكان الملائم لتوصيل الرسالة، والزمان الملائم للتلقى ليحظى الخطاب بالإنصات والاهتمام اللازمين له، مع تحرى عدم التكرار ولا توالى المحاولات، فإن الصحابة رضوان الله عليهم تعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: «كَانَ يَتَخَوَلُنَا (لا يكثر) بِالْمَوْعِظَةِ فِى الأَيَامِ، كَرَاهَةَ السَآمَةِ عَلَيْنَا».

ــ5ــ
ومن أمانة المبلغ القدرة المتناهية على استثمار بدائل الأساليب فى البلاغ، فالنظر فى القرآن الكريم يؤكد ضرورة تغاير الأساليب، ففى القرآن ترى أسلوب الخبر يجاور الإفشاء، وأساليب التعجب تقود إلى الأمر أو النهى، والموعظة الحسنة تأتى فى سياق قصة من قصص الأقوام السابقين أو مثل من الأمثال (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا...) (نَحْنُ نَقُصُ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ..)، ومن الاستفهام إلى الندم، كذلك ترى الحكم المأثورة قليلة الكلمات (الْقِصَاصِ حَيَاةٌ – إِنَ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا – خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ).
يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات