رياح التشريعات الترابية - طارق عبد العال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رياح التشريعات الترابية

نشر فى : الإثنين 8 مايو 2017 - 9:55 م | آخر تحديث : الإثنين 8 مايو 2017 - 9:55 م
تماشيا مع الطقس الجغرافى السائد فى مصر هذه الأيام، وهو ما يطلق عليه موسم الرياح الخماسينية مع دخول فصل الربيع محملة بالأتربة وهو ما يزيد أوجاع مرضى حساسية العيون والأنوف، وعلى أثر الحادثين الإرهابيين الأخيرين بالإسكندرية وطنطا، وما صاحبه من ضحايا لا يقل عددهم عن خمسين قتيلا ومائة مصاب، نشاهد هذه الأيام تصاعد حدة الرياح التشريعية التى تصيب المجال العام فى مصر بحالة من الاختناق، وكأن مصدرى هذه التشريعات وأصحاب هذه المشاريع القانونية قد أرادوا معاقبة الحقوق والحريات جميعها على أفعال مجموعة خارجة عن الكيان المصرى ولا تعبر بحال من الأحوال عن النسيج الشعبى المصرى العام منذ القدم.
لكن قد بدأت هذه الموجة التشريعية بإعلان رئيس الدولة لحالة الطوارئ فى جميع أنحاء الجمهورية لمدة ثلاثة أشهر، مستخدما حقه الدستورى، وقد وافق على ذلك الإعلان مجلس الوزراء، وأتبعه مجلس النواب حتى يتم إصباغ الشكل الشرعى أو الدستورى على هذا الإعلان، وكأن بإعلان حالة الطوارئ سنوقف نزيف الدم، على الرغم من معرفة الجميع بأن إعلانها يصيب الحقوق والحريات بشكل عام فى مقتل، لما فى قانون الطوارئ من صلاحيات واسعة وفضفاضة للسلطة التنفيذية تمثل تعديا على الحقوق والحريات.
ولم يقف الموضوع عند هذا الحد حيث فوجئ الجميع بمشروع مقدم من أحد أعضاء مجلس النواب بتعديل قانون الإجراءات الجنائية، وقانون الطوارئ، وقانون مكافحة الإرهاب، وقد وافق البرلمان فى جلسة سريعة على تعديلات قانون الإجراءات الجنائية ومكافحة الإرهاب، وتمت إحالته إلى قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة وفقا لأحكام الدستور المصرى، وقد تمت الموافقة على كل هذه التشريعات من قبل البرلمان، وبالفعل تم إصدارها من قبل رئيس الجمهورية وتم نشرها بالجريدة الرسمية بالعدد 17 بتاريخ 27 من شهر إبريل، وقد جاءت هذه التشريعات تحت مسمى العدالة الناجزة وسرعة الفصل فى القضايا، ولكنها قد أتت مضيقة إلى حد كبير لمفهوم الحق فى الدفاع والمحاكمات العادلة، وهو من المبادئ الدستورية الرصينة والمتفق عليها فى كل المدونات الدستورية، وقد أكدته محكمتنا الدستورية فى العديد من الأحكام، وتجد ذلك واضحا فى هذا المشروع فى جعل أمر سماع الشهود وهو من الخطوات المهمة فى تحقيق العدالة ومن أهم جوانب حق الدفاع فى حدود سلطة المحكمة التقديرية، لها أن تأخذ به أو تضيق أو تحد منه ولها كذلك أن تمتنع عن تحقيقه كطلب للدفاع، ولم يقف الأمر عند ذلك بل زاد إلى جواز انعقاد المحكمة الجنائية فى غيبة المتهم، حتى ولو لم يكن له محام فللمحكمة الحق فى ندب محام للمتهم الغائب حتى يصبح الحكم حضوريا، وهو الأمر الذى يناقض حقا أصيلا للمتهم فى اختيار من يدافع عنه، كما أنه من الناحية الواقعية فإن المحامى المنتدب لا يبذل جهدا فى القضايا، لكون الندب يتم فى الجلسة، وفى ذات الجلسة عليه أن يترافع ويصدر الحكم، وبالتالى فهو لا يحقق ضمانة الحق فى الدفاع كما يقوم بها المحامى المختار من المتهم، ثم جاءت هذه التعديلات مشتملة على قصر الطعن بالنقض على مرة واحدة وربما يمكن قبول الأمر من الناحية الواقعية فيما يخص محاكم الجنايات إذا ما تم تفعيل محاكم الجنايات الاستئنافية، وفقا للمادة 242 من الدستور المصرى، والتى أوجبت وجودها خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور والذى لم يتم تنفيذه حتى الآن.
***
ثم جاءت تعديلات قانون الطوارئ والتى تعد تقويضا والتفافا على حكم المحكمة الدستورية الصادر فى الدعوى رقم 17 لسنة 15 قضائية «دستورية»، والذى قضى بعدم دستورية ما تضمنه البند (1) من المادة رقم (3) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958 من تخويل رئيس الجمهورية الترخيص بالقبض والاعتقال، وبتفتيش، الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية. وهو الأمر الذى منع سلطة الاعتقال الإدارى، ولكن جاءت التعديلات المعروضة بجواز احتجاز المقبوض عليه لمدة سبعة أيام بمجرد استئذان النيابة، وهو ما يعنى عدم العرض على النيابة أو التحقيق مع المتهم المحتجز، وتركه تحت إمرة الشرطة لمدة أسبوع كامل، وهو ما يتعارض بالكلية مع المادتين 54 و99 من الدستور، وأهم ما جاء فيهما هو وجوب عرض المتهم على النيابة خلال أربع وعشرين ساعة من تاريخ القبض عليه، وقد أكدت تلك المعانى وأكثر المحكمة الدستورية العليا فى حكمها سالف الإشارة، ويكفى ما جاء بذلك الحكم من أنه «وحيث إنه لا ينال مما تقدم، القول بأن قانون الطوارئ إنما يعالج أوضاعا استثنائية متعلقة بمواجهة نذر خطيرة تتهدد معها المصالح القومية بما قد ينال من استقرار الدولة أو تعرض أمنها وسلامتها لمخاطر داهمة، وأن حالة الطوارئ بالنظر إلى مدتها وطبيعة المخاطر المرتبطة بها لا تلائمها أحيانا التدابير التى تتخذها الدولة فى الأوضاع المعتادة، ذلك أنه لا يجوز أن يتخذ قانون الطوارئ الذى رخص به الدستور ذريعة لإهدار أحكامه ومخالفتها وإطلاقه من عقالها، إذ إن قانون الطوارئ ــ وأيا كانت مبرراته ــ يظل على طبيعته كعمل تشريعى يتعين أن يلتزم بأحكام الدستور كافة، وفى مقدمتها صون حقوق وحريات المواطنين.
***
وبشكل عام أرى أن صناعة القوانين فى مصر لا تتم بشكل علمى سليم، كما أنها فى السنوات الأخيرة ليست معنية سوى بتغليظ العقوبات كأسلوب للردع العقابى والذى لم يعد يجد قبولا لدى الفقه الجنائى الحديث، ولم يعد هو الأسلوب أو الطريقة الوحيدة المتبعة فى التشريعات الجنائية العقابية، وبشكل أخص فى الأمور التى تتعلق بالحقوق والحريات، كما أن طريقة سنها لم تتفق والأصول العامة لكيفية صناعة القوانين، فلا تكفى مدة يومين أو أسبوع لعرض مشروعات مجهزة سلفا دونما عرض على المختصين أو مشاركة مجتمعية أو طرحها لنقاش على مستوى قاعدى عريض.
أما إن كان الأمر لا يعدو كونه رد فعل انفعالى على الحادثين الإرهابيين الأخيرين، فإن هذين الحادثين لم يصيبا السلطة ولكنهما قد أصابا المجتمع المصرى أولا وأخيرا، وأن ما نتج عنها من أضرار يدفع كلفتها أفراد المجتمع المصرى، ومن ثم لا يجوز معاقبة المجتمع بأسره بهذه الصور من القوانين، والتى لا تصب سوى فى خانة المصادرة والتضييق للحقوق والحريات، والتى ألمت بها أضرارا وتضييقا مجموعة مغايرة من القرارات بقوانين صدرت قبل انعقاد مجلس النواب، ثم أقرها المجلس فى جلسات خاطفة على وعد بإعادة مناقشتها بعد ذلك أو تعديلها، وأهم ما يمكن ضرب المثل به هو قانون مكافحة الإرهاب وقانون الكيانات الإرهابية.
وليعلم القائمون على سلطة التشريع بأن صناعة القوانين فيما هو متعلق بحقوق المواطنين وحرياتهم يجب أن تمر بمراحل لا تقل دقة عن عمليات القلب المفتوح، ويجب أن لا تمر على المجتمع كمرور الرياح الخماسينية التى لا تترك إلا حساسية للعيون وتزكيما للأنوف.

 

طارق عبد العال باحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية
التعليقات