نشر موقع Eurasia Review مقالا بتاريخ 30 إبريل للكاتبين بيتر كوفاكس، وإمرو سيلاسى، تناولا فيه التحديات الاقتصادية والمالية التى تواجهها أفريقيا فى ضوء الحرب الروسية الأوكرانية، وما يجب فعله لمواجهة هذه التحديات.. نعرض من المقال ما يلى.وجدت بلدان أفريقيا جنوب الصحراء نفسها فى مواجهة صدمة خطيرة عندما غزت روسيا أوكرانيا، فالغزو أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود. ولم يكن من الممكن أن تأتى هذه الانتكاسة فى وقت أسوأ من ذلك؛ حيث بدأ النمو الاقتصادى فى التعافى وبدأ صناع القرار فى معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية لوباء كوفيدــ19 وتحديات التنمية الأخرى. باختصار، آثار الحرب ستكون عميقة التبعات على القارة السمراء، حيث ستؤدى إلى تآكل مستويات المعيشة وتفاقم الاختلالات فى الاقتصاد الكلى.
ووفقًا لآخر التوقعات الاقتصادية الإقليمية، يُتوقع الآن تباطؤ النمو بمعدل 3,8 فى المائة هذا العام. ومن المتوقع أن يظل معدل التضخم فى المنطقة مرتفعًا فى عامى 2022 و2023 عند 12,2 فى المائة و9,6 فى المائة على التوالى وهى المرة الأولى منذ عام 2008 التى سيصل فيها متوسط التضخم الإقليمى إلى هذه المستويات المرتفعة.
عموما، هناك ثلاث قنوات رئيسية تؤثر الحرب من خلالها على البلدان:
أولا: أسعار المواد الغذائية، والتى تمثل حوالى 40 فى المائة من الإنفاق الاستهلاكى فى المنطقة، وهى آخذة فى الارتفاع بسرعة. كما يتم استيراد حوالى 85 فى المائة من القمح فى المنطقة. ستؤثر أسعار الوقود والأسمدة المرتفعة أيضًا على إنتاج الغذاء المحلى. ولاشك أن هذه العوامل مجتمعة ستؤذى الفقراء بشكل غير متناسب وستزيد من انعدام الأمن الغذائى.
ثانيا: ستؤدى أسعار النفط المرتفعة إلى زيادة فاتورة الواردات على مستوردى النفط فى المنطقة بنحو 19 مليار دولار، مما يؤدى إلى تفاقم الاختلالات التجارية وزيادة تكاليف النقل وغيرها من تكاليف الاستهلاك. ستكون الدول الهشة المستوردة للنفط هى الأشد تضررا، حيث من المتوقع أن تتدهور الموازين المالية بنحو 0,8 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى.
ثالثا: الأزمة الأوكرانية ستزيد من صعوبة تحقيق التوازن المالى الدقيق، وزيادة الإنفاق الإنمائى، وتعبئة المزيد من الإيرادات الضريبية، واحتواء ضغوط الديون. فبشكل عام، السلطات المالية ليست فى وضع جيد لمواجهة صدمات إضافية بعد الوباء. نصف البلدان المنخفضة الدخل فى المنطقة معرضة بالفعل أو معرضة بشدة لخطر الضائقة. ناهينا عن أن ارتفاع أسعار النفط يمثل عبئا ماليا على البلدان فيما يتعلق بدعم الوقود، فى حين أن التضخم سيجعل خفض هذا الدعم أمرًا لا يحظى بشعبية.
بناء على ما سلف، ستحتاج البلدان إلى استجابة سياسية حذرة لمواجهة هذه التحديات الرهيبة. بكلمات أكثر تفصيلا، يجب أن تكون السياسة المالية موجهة لتجنب زيادة نقاط الضعف المتعلقة بالديون. كما يجب على صناع القرار قدر الإمكان استخدام التحويلات المباشرة لحماية الأسر الأكثر ضعفا. وتحسين الوصول إلى التمويل للمزارعين والشركات الصغيرة من شأنه أن يساعد أيضًا.
يمكن للبلدان التى لا تستطيع تقديم تحويلات مستهدفة استخدام الإعانات المؤقتة أو التخفيضات الضريبية المستهدفة، مع تواريخ انتهاء واضحة. وإذا تم تصميمها بشكل جيد، فيمكنها حماية الأسر من خلال توفير الوقت للتكيف مع الأسعار الدولية بشكل تدريجى. لكن لتعزيز القدرة على الصمود فى وجه الأزمات المستقبلية، لا يزال من المهم لهذه البلدان أن تطور شبكات أمان اجتماعى فعالة. وفى هذا الإطار، يمكن استخدام التكنولوجيا الرقمية، مثل الأموال عبر الهاتف المحمول أو البطاقات الذكية، لاستهداف التحويلات الاجتماعية بشكل أفضل.
من المهم أيضا أن يتم توجيه المكاسب لتعزيز السياسات الوقائية، مدعومة بمؤسسات مالية قوية مثل إطار مالى موثوق به متوسط الأجل ونظام قوى لإدارة المالية العامة. أما بخصوص المفاضلة بين كبح التضخم ودعم النمو، فستحتاج البنوك المركزية إلى مراقبة تطورات الأسعار بعناية ورفع أسعار الفائدة إذا ارتفعت توقعات التضخم. يجب عليهم أيضًا الاحتراس من مخاطر الاستقرار المالى التى تشكلها المعدلات المرتفعة والحفاظ على إطار سياسة موثوق به يدعمه استقلالية قوية وتواصل واضح.
على الصعيد الدولى، يجب أن يتم تكثيف الجهود لتخفيف أزمة الأمن الغذائى. والبيان المشترك الأخير لصندوق النقد الدولى مع البنك الدولى، وبرنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية دعا إلى توفير إمدادات غذائية طارئة، ودعم مالى، بما فى ذلك المنح، وزيادة الإنتاج الزراعى، والتجارة دون عوائق، هذا كله من بين تدابير أخرى.
وسيكون متابعة التزام مجموعة العشرين بإعادة توجيه 100 مليار دولار من مخصصات حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولى إلى البلدان الضعيفة بمثابة مساهمة كبيرة فى احتياجات السيولة قصيرة الأجل فى المنطقة والتنمية طويلة الأجل. وهناك خيارات لإعادة توجيه حقوق السحب الخاصة، على سبيل المثال من خلال الصندوق الاستئمانى للنمو والحد من الفقر التابع لصندوق النقد الدولى أو صندوق المرونة والاستدامة المنشأ حديثًا، والذى تلقى ما يقرب من 40 مليار دولار من التعهدات.
كلمة أخيرة، بالنسبة لبعض البلدان، ستتطلب استعادة القدرة على تحمل الديون إعادة تصنيف الديون أو إعادة هيكلة كاملة لديونها العامة. ولتحقيق ذلك، يحتاج الإطار المشترك لمجموعة العشرين إلى تحديد عملية إعادة هيكلة الديون والجدول الزمنى بشكل أفضل، وإنفاذ قابلية المقارنة للمعاملة بين الدائنين. لكن الأهم من ذلك، يجب تعليق مدفوعات خدمة الدين حتى يتم التوصل إلى اتفاق.
ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زردالنص الأصلى: