كنيسة عربية أصيلة تتفاعل مع إسلام عربى أصيل - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 5:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كنيسة عربية أصيلة تتفاعل مع إسلام عربى أصيل

نشر فى : الخميس 8 يوليه 2010 - 10:49 ص | آخر تحديث : الخميس 8 يوليه 2010 - 10:49 ص

 بدأ التفاعل الحقيقى بين المسلمين فى مصر والمسيحيين فى القرن العاشر وامتد حتى القرن الرابع عشر، حيث إنه من بداية القرن العاشر اتجه المسيحيون فى الشرق إلى استخدام اللغة العربية. وكانت هذه فى الحقيقية أحد العوامل الإيجابية للمسيحية الشرقية. كان أول من كتب باللغة العربية فى مصر هو سويرس بن المقفع وتبعه فى ذلك علماء الكنيسة السريانية الذين ترجموا كتابات أرسطو من اليونانية والسريانية إلى العربية، ولنا ملاحظتان حول الكتابات العربية المسيحية:

الملاحظة الأولى:
من واقع المخطوطات العربية التى فى أيدينا فى المتحف القبطى مثلا أو فى مكتبة دير القديسة سانت كاترين أو فى المكتبات الموجودة فى الغرب، نرى الناسخ المسيحى يبدأ العهد الجديد بـ«بسم الله الرحمن الرحيم» مصحف متى أو مصحف لوقا، وتقرا النص العربى الجديد فتجد أن الفريسيين (طائفة يهودية كانت تتحاور مع السيد المسيح فى الإنجيل) هم المعتزلة والصدوقيون (طائفة أخرى لكنها كانت تتسم بالليبرالية حيث يؤمنون أنه لا قيامة من الأموات للبشر) هم الزنادقة والناموس فى رسائل بولس هو الشريعة..

وهكذا كانت هذه المصطلحات التى تعرف على أنها مصطلحات الفقه الإسلامى مصطلحات شرقية بحتة لا ترتبط بدين معين، ثم نرى هذه الصورة وقد تغيرت بعد القرن الثالث عشر، وواضح تماما أن المسيحيين فى الشرق أو فى العالم العربى أعادوا ترجمة العهد الجديد وأعادوا النظر إلى اللغة العربية فاستخدموا لغة مختلفة عن تلك المستخدمة للمصادر الإسلامية، وهذه نقطة تحول ولا يوجد لها تفسير علمى دقيق. ومن الواضح طبعا أن هنالك أسبابا اقتصادية وتاريخية وسياسية أدت إلى هذا التغيير وهى قيد البحث والدراسة، ومن الواضح أيضا أنها أثرت بالسلب حيث أصبح للكنيسة لغة خاصة تختلف عن لغة المجتمع العام المحيط بها.

الملاحظة الثانية:
التفاعل الذى بدأ مع الإسلام على طول الخلافة العباسية وعرضها امتد من مصر على يد أبوإسحق ابن العسال إلى سوريا على يد يحيى بن عدى إلى العراق، ووصل إلى قمته على يد من يعرف باسم أبوالفرج بن الطيب، وهو من علماء الكنيسة التى تسمى النسطورية، وهو ينكر هذه التهمة فى دفاع له باللغة العربية؛ يقول أبوالفرج بن الطيب أن نسطور هذا شخص يونانى ونحن سريان لا نعرف اليونانية ولا علاقة لنا بنسطور، وأنه لم يكن بطريركا سريانيا، بل يونانيا فى القسطنطينية، ثم أكد أبوالفرج بعد ذلك أن كنيسته تؤمن بأن المسيح إله متجسد وأنه الكلمة المتجسد، كما قال يوحنا الرسول. إذا هو مسيحى شرقى لا علاقة له بالهرطقة النسطورية.

ثم يصل أبوالفرج فى موضوع الحوار مع الإسلام إلى درجة عالية من الأداء اللاهوتى إذ يقول: إن اعتراف المسيحى بالأنبياء أو عدم اعترافه بهم لا يؤثر على كونه مسيحيا مخلصا وأن لا اله إلا الله، ومحمد رسول الله، أى الشهادتين هما لب الإيمان فى الإسلام، وأن الجانب الأول من الشهادتين صحيح أما الجانب الثانى والذى هو صحيح بالنسبة للمسلم فهو لا يلزم المسيحى بشىء، وأن اعتبار رسول الإسلام أو غيره من أنبياء ظهروا فى التاريخ يدعون إلى التوحيد فى منطقتنا أو فى أى بلاد أخرى لا يغير شىء من الإيمان المسيحى.

وإذا كان روح النبوة يعمل فى رسول الإسلام لكى يرد العرب عن ضلال الوثنية والشر إلى عبادة الإله الواحد فهذه قضية مقبولة لدى غير المسلمين من جميع الديانات أو حتى من الذين لا يؤمنون بأى دين لأنه أمر وقع فى إطار الزمان والمكان وله تداعياته وآثاره الواضحة فى العالم. فالمسيحيون يؤمنون بأن المسيح نبى ولكنهم يؤمنون أيضا أنه الكلمة الذى صار جسدا، لذلك فليس هناك أى نوع من التنافس أو خلط الأوراق، كذلك هناك أنبياء فى التاريخ اليهودى لا يعرف المسيحى عنهم شيئا بل ذكرت مجرد أسماؤهم فقط ولكن الحوار حول تقدير واحترام المسيحيين لنبوة محمد لم يصل إلى نتيجة لأن هذا التقدير يتضمن حسب التعليم الإسلامى التقليدى الارتداد عن المسيحية واعتناق الإسلام وكأننا نطقنا الشهادتين ثم أسلمنا، ولا بد من وجود حل لمثل هذه المعضلة على يد بعض المفكرين المسلمين المستنيرين، والمسيحيين أيضا لأنه عندما حاول الأنبا يوحنا قلته من عدة سنوات أن يظهر أنه لا يوجد تناقض بين مسيحيتنا وتقديرنا للإسلام، كانت هناك مشكلة ضخمة عند الأصوليين من الطرفين.

من جهة ثانية، إن الاعتراضات الإسلامية التقليدية الموجهة إلى المسيحية ليست قرآنية. فمنذ زمن يحيى ابن عدى الفيلسوف العربى السريانى الأصل، ثم من جاء بعده من الكتاب الأقباط مثل أبوإسحق بن العسال، هناك شبه إجماع على أن ما جاء فى التراث الإسلامى من اعتراضات على العقيدة المسيحية لا علاقة لها بالقرآن، وإنما تكون عبر تراكم أخطاء فى تفسير نصوص القرآن، أى أن الاعتراضات القرآنية على المسيحية هى اعتراضات تفهم خطأ لدى الطرفين. فما قيل فى الثالوث فى القرآن إنما كان موجها ضد تثليث آخر لا يعرفه المسيحيون وإن كانت الدراسات المعاصرة قد أثبتت أن تأليه يسوع ومريم فى الجزيرة العربية حقيقة مؤكدة كانت لدى بعض الفرق المسيحية.

فالثابت تاريخيا هو أن لدى بعض الهراطقة من النصارى من قال بتأليه مريم وربما هناك شبهه على تعبير والدة الإله، فإذا كانت مريم تدعى والدة الإله أو بلغة أبسط أم الله فمن الوارد أن يساء فهم معنى هذه الكلمة، فالقول بأن الله ولدته امرأة يجب أن يستند إلى إعادة فهم المصطلح وإلا صار الكلام عن ولادة الله أمرا خطرا وإذ قلنا والدة إله دون أن يكون لدينا وضوح لاهوتى عن تجسد الكلمة، صارت المسيحية أشبه بما جاء فى الالياذة وغيرها من الأساطير عن والدة الإله، وكل هذه الأمور تحتاج إلى حوار لاهوتى فقهى أكاديمى مستنير لكى يحدث الفهم والتفهم أى أن يفهمنى الآخر وأن أتفهم موقف الآخر أى أضع نفسى مكانه.

لكن الضربة الكبرى التى أصابت الشرق كله كانت الفتح العثمانى، فقد حاول الأتراك استئصال المسيحية الشرقية ووضعوا هدفا لهم هو إعادة مجد الخلافة الإسلامية الأولى وأرادوا تثبيت الإسلام واتساع رقعته حسب مفهومهم، ففشلوا فشلا ذريعا، وأضروا بالإسلام العربى وفرضوا الجمود على فكر المسلمين حيث أعلنوا قفل باب الاجتهاد فى مسائل الشريعة. ولقد ضرب الإسلام تحت حكم العثمانيين كما ضربت الكنيسة الشرقية وتبعثرت الجهود التى وصلت بالحوار المسيحى الإسلامى إلى قمته فى القرن الثالث عشر وانتهت، وسلمت الإمبراطورية العثمانية مصر، دولة متخلفة مريضة، إلى الاستعمار الإنجليزى عام 1882 واستمرت العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى ظل هذه الدولة بنفس التوتر الذى كان سابقا وربما أكثر.

وقد حمل القرن التاسع عشر تطورا ملحوظا فى البلاد العربية ألا وهو فكرة القومية بمعناها الحديث، فلم تعد الرابطة الدينية وحدها كافية لقيام الأوطان حيث أصبح من الضرورى الاشتراك فى اللغة والرقعة الجغرافية والمصلحة المشتركة والمصير الواحد. أما الرابطة الدينية فيمكن أن تتوفر دون أن تتوفر وحدة الوطن كما هو حادث فى أوروبا المسيحية ذات الأوطان المتعددة. وقد بدأت فكرة القومية تتردد فى البلاد العربية منذ أن عاد رفاعة الطهطاوى إلى مصر من بعثته إلى فرنسا فى أوائل القرن التاسع عشر متأثرا بالروح القومية الناشئة فى فرنسا وأوروبا كلها فعندما عاد رفاعة الطهطاوى إلى مصر كان محمد على يعيش تجربة حضارية كبرى نشأت عن إحساسه بالتناقض بين الخلافة العثمانية والبلاد الناطقة باللغة العربية، وعلى رأسها مصر.

وكان محمد على يندفع عن طريق ابنه إبراهيم فى طريق تحقيق الدولة العربية، وعمل محمد على على الانفصال عن الخلافة العثمانية على أساس إقامة وطن قومى عربى يضم الذين يتكلمون بلسان واحد وتتصل بلادهم بعضها ببعض اتصالا جغرافيا كاملا.

منذ ذلك التاريخ فى أوائل القرن الـ19 ولدت فكرت القومية فى مصر وأخذت تنمو وتمتد حتى عصرنا الحاضر ووصلت إلى قمتها فى عهد جمال عبدالناصر 1952 ــ 1970 ثم انحسرت فى عهد السادات 1970 ــ 1981 ثم نمت مرة أخرى إلى حد ما فى عهد مبارك 1982. وقد مرت هذه الفكرة بعصور من المد والجذر، ولكنها لم تتوقف عن الحياة والحركة منذ ذلك الحين إلى اليوم رغم فشل تجربة محمد على لأسباب عديدة أهمها التدخل الأوربى والاستعمار التركى، ثم الاستعمار الغربى الذى ورث الأتراك والسيطرة على البلاد العربية منذ 1830، عندما سيطرت فرنسا على الجزائر، ثم أحكم الاستعمار الغربى قبضته على معظم البلاد العربية.

ولقد قام المسيحيون العرب بدور بارز ورئيسى فى تثبيت فكرة القومية، وكان ذلك أمرا منطقيا إلى حد بعيد لأن المسيحيين كانوا يشعرون أن الارتباط العربى بينهم وبين العرب المسلمين سوف ينقذهم أولا وينقذ الجميع يعد ذلك من الاستعمار التركى والغربى معا فى آن واحد، لأن المسيحيين العرب كانوا يدركون ذلك الموقف الجوهرى الذى يكمن فى الإسلام نفسه والذى يحض على تعايش كامل بين المسلمين والمسيحيين، ولأن المسيحيين يدركون أيضا أن هناك رابطة حقيقية أساسية بينهم وبين العرب المسلمين وهى رابطة لا توجد بينهم وبين الأتراك المسلمين ولا بينهم وبين المسيحيين الأوروبيين، ألا وهى وحدة اللغة والثقافة والحضارة الممتدة لأكثر من ألف عام، بالإضافة إلى الرابطة الجغرافية التى تربط بين أنحاء الوطن العربى كله، لذلك ألقوا بثقلهم خلف فكرة القومية العربية.

فهل تصلح هذه الفكرة للمستقبل؟! هذا ما سنحاول مناقشته فى المقال المقبل.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات