سيناء وإدارة التنمية فى المناطق الحدودية - سامح عبدالله العلايلى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سيناء وإدارة التنمية فى المناطق الحدودية

نشر فى : الأحد 8 يوليه 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الأحد 8 يوليه 2012 - 8:45 ص

يتشارك كثير من العلماء والخبراء فى مختلف مناحى الحياة فى أحاسيس القلق والفزع من عواقب الترويج السياسى الإعلامى المكثف لتنفيذ مشروعات كبرى وقومية، يُعلن عنها بين الأحين والآخر.. حيث يتم تعظيم حجم مردود هذه المشروعات إعلاميا وإغفال حجم مؤثراتها السلبية الخطيرة على البيئة والمجتمع،

 

لذلك فإن المستهدف من السطور الحالية هو التحذير من تكرار أخطاء الماضى، تلك التى نشأت عن التسرع فى إقامة مشروعات تم تنفيذها فى اقاليم ومناطق عديدة بالبلاد، بالسواحل الشمالية والشرقية وفى مناطق أخرى بالبلاد، لم تحقق جدواها الاقتصادية والاجتماعية المنشودة بالمعايير المتعارف عليها فى العالم أجمع، بل على العكس من ذلك فقد كانت لها تأثيرات سلبية خطيرة على البيئة، وأهدرت موارد طبيعية واقتصادية هائلة، لا يمكن تعويضها بسهولة، كما أدى ذلك إلى حرمان أجيال قادمة من ممارسة حقوقهم المشروعة فى تطويع برامج التنمية الرشيدة فى هذه الأقاليم والمناطق التى تتمشى مع معطيات المستقبل،

 

لقد كان من الممكن تلافى كل ذلك لو لم نتسرع فى الترويج لهذه المشروعات سعيا وراء شعبية مفتقدة، ولو كنا أشركنا المستقلين من أهل المعرفة فى إرساء قواعد استراتيجيات مناسبة لتنمية هذه الأقاليم،

 

ولعل الوقت قد حان ونحن فى هذا العهد الجديد، حيث نسعى إلى بناء دولة جديدة قوية متماسكة، عوضا عن تلك الدولة الكرتونية السابقة، أن نتناول بشفافية وموضوعية تقييم نتائج كثير من المشروعات القومية والكبرى السابق تنفيذها خلال الستة عقود الماضية، بعد أن غضضنا البصر عن سوءاتها ووضعنا رأسنا فى الرمال ،إن أول طريق الإصلاح هو تشخيص المرض والاعتراف بالخطأ تمهيدا للمعالجة الشاملة العميقة وسعيا إلى تصويب الأمور ووضعها فى نصابها الصحيح

 

●●●

 

وفيما يخص إقليم سيناء الحدودى فإن خصائص منطقته الفريدة فى تنوعها البيئى التاريخى الاجتماعى، تُحتم أن يتم تناوله بتأنى وحكمة، لقد كانت أرض سيناء على مدى التاريخ معبراً رئيسياً للرُسل والأنبياء، ومن قبلهم غزوات حضارات العالم الماضية ومن بعدهم غُزاه العصور اللاحقة، إن موقع سيناء الجغرافى المفصلى رابط قارات ثلاث، مُطل على بُحور وخُلجان ورد ذِكرها فى الكتب السماوية والتاريخ على مدى العصور، مُطل على شواطئ شديدة التنوع والخصوصية ومَهبط رئيسى للطيور المهاجرة، يكسو أراضيه على امتدادها فى جميع الاتجاهات غطاء حيوى خلاب، يُضاف إلى كل ذلك.. كنز نفائس طبيعية تاريخية لا حصر لها بعضها فوق الأرض ظاهر للعيان، والبعض الآخر فى جوف الأرض مخفى عن الأنظار.

 

من بين ما تحتويه أراضى سيناء من كنوز خام اليورانيوم، ذلك طبقا للمعلومات التى وردت فى تقرير لجنة الطاقة الذى أعد بناء على طلب البيت الأبيض فى عصر الرئيس كيندى المنشور فى مجلة «لايف» فى عام 1963 وأعيد نشره فى مجلة الحوادث الكويتية فى عام 1973 بمناسبة نشوب حرب أكتوبر، حيث أفاد ذلك التقرير باحتواء أراضى سيناء على المخزون الأكبر فى العالم من خام اليورانيوم،

 

لكل ذلك ولأسباب كثيرة أخرى يعلمها الجميع، فإن سيناء تستحق منا أن نتعامل معها بقدر كبير من الرفق دون اندفاع، بحيث يرتكز مشروع سيناء على مبادرات تنموية مُرشَدة وانتقائية، لا تُدمر فى طريقها القيم المكانية، بل تحميها وتعظم من قيمتها، وألا يكون هناك مكان لأنشطة ملوثة للبيئة كصناعات الأسمنت والسيراميك، أو أنشطة زراعية بدائية لا تتوافق مع عطايا العلم الحديث، أو نشاط سياحى جماعى مُهدِر لقيم البيئة والمجتمع لا يهدف إلا إلى تشغيل المنشآت والعمالة.. دون تحقيق مردود ملموس يتناسب مع قيمة المكان

 

●●●

 

فى ظل هذه الظروف فمن المؤكد أن سيناء تحتاج إلى نظام مُختلف عن النظم الحكومية الدارجة مُبتكر وغير تقليدى لإدارة التنمية فى سيناء بأكملها، تتجمع لديه المؤهلات والخبرات والقدرات الأساسية اللازمة، لتحقيق أهداف مشروع التنمية الرشيدة لاقليم سيناء

 

إلا أنه خلافا لما ذُكر، فقد صدر قرار مُتسرع لرئيس الوزراء باستحداث جهاز حكومى لتنمية سيناء مماثل لتلك الأجهزة الحكومية القائمة، التى هى فى حاجة إلى طفرة كبيرة فى نظام الإدارة وانتقاء قياداتها بناء على مرجعيات مهنية تتمشى مع طبيعة العصر

 

كما تم تعيين أحد قيادات المخابرات العامة رئيسا للجهاز، الأمر الذى يُدلل على أن مفهوم أُولى الأمر فى مصر فى تنمية الاقاليم الحدودية مازال مُنحصرا فى المسائل الأمنية، وهى مسائل لا يمكن إنكارها، إلا أنها ليست الأساس الحاكم الوحيد الذى على أساسه يُمكن ترشيد التنمية فى هذه الأقاليم، ولأن الأمن لا يتحقق فقط بقوة السلاح، إنما بتوافر الاستقرار السياسى والازدهار الاقتصادى والارتقاء بمستوى حياة البشر، الأمر الذى يستوجب توسيع النطاق إلى أُمور حسن وترشيد استثمار الموارد الطبيعية البشرية وحماية البيئة والمجتمع المحلى، وتحفيز إقامة أنوية عمرانية إنتاجية فى أنشطة تتناسب مع خصائص المكان، تحقق التوازن الاستيطانى النوعى فى ربوع المنطقة إلى آخره من الأمور التى تحتاج إلى علم وخبرة ورؤية

 

لذلك فلعله من المفيد للجهاز الوليد، أن يستعين بآراء أربعة خبرات أساسية على مستوى عالمى فى مسائل حماية البيئة والمجتمع والتنمية الاقتصادية الرشيدة والتنمية العمرانية الخضراء، لتقديم النصح والمشورة فى كل الأمور التى تتعلق بمشروع تنمية إقليم سيناء، ذلك بهدف حماية هذه القطعة النفيسة من أراضى الوطن من الآثار السلبية لمختلف أنواع التصرفات التى قد تحدث بالمخالفة لما يجب أن يكون، وحتى نطمأن إلى أن تنمية سيناء تسير على الطريق السوى القويم.

سامح عبدالله العلايلى عميد سابق وأستاذ بكلية التخطيط العمرانى جامعة القاهرة
التعليقات