حراس الحدود.. وحراس الضمير - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حراس الحدود.. وحراس الضمير

نشر فى : الأربعاء 8 يوليه 2015 - 10:25 ص | آخر تحديث : الأربعاء 8 يوليه 2015 - 10:25 ص

كل نيل من أهالى سيناء إسهام مباشر فى المجهود الحربى للإرهاب.

وكل اندفاع فى ترهيب الصحافة إسهام مباشر آخر فى المجهود نفسه.

فى توقيت واحد تبدت نزعتان خطيرتان على أى مستوى وكل حساب.

الأولى، تنظر إلى أهالى سيناء كـ«إرهابيين محتملين» لا كظهير شعبى لقوات الدولة فى حربها الضارية وضحايا يعانون بقسوة وتكاد حياتهم تفتقد الحد الأدنى من إنسانيتها.

والثانية، تنظر إلى الصحافة كـ«عدو محتمل» ينبغى تقييد حركته فى متابعة واستقصاء المعلومات عن أية عملية إرهابية، لا من حقه أن يطلع الرأى العام على الحقيقة بقدر ما يعرف ويتحقق ولا من واجبه أن يكون شريكا يكشف الثغرات وينبه إليها بقدر ما يؤيد ويؤازر.

فى النزعة الأولى معاندة للحقائق وتجهيل بتاريخ سيناء.

وفى النزعة الثانية تكميم للأفواه وعدوان على حرية الصحافة.

النزعتان تحريض على الإرهاب باسم مكافحته.

بتعبير شائع بين أهالى سيناء: «نحن حراس الحدود».

التعبير نفسه ينصرف إلى الصحافة، فمن واجبها حراسة الضمير العام فى لحظة حرب مع الإرهاب، أن تؤكد الاصطفاف الوطنى بالحقيقة لا الدعاية، وهذه مسألة حرية التفريط فيها يقوض كل أمل فى المستقبل، أى مستقبل.

حراسة الحدود تعنى بالضبط أن يكون أهالى سيناء شركاء كاملين فى الحرب مع الإرهاب.

وفق وفد من «الشيخ زويد» و«رفح» وصل القاهرة فى مهمة عاجلة لا تحتمل تأجيلا: «نطلب تدخل الدولة بأسرع ما تستطيع لمد يد العون لأهالى الشيخ زويد الذين يجدون أنفسهم فى العراء وظروف إنسانية قاسية بعد المواجهات الأخيرة مع الإرهابيين التى حسمها الجيش».

هذا الطلب يعنى الحفاظ بأقصى قدر ممكن على سلامة أهالى المنطقة الذين لا شأن لهم بالإرهاب ولا الإرهابيين.

‫«‬الدولة تعرف أين يتمركز بالضبط الإرهابيون».. و«نحن عيونها اليقظة التى تستحق إنصافا من الإعلام لا تشهيرا».

‫«‬بدون أدوارنا فإن الهزيمة قد تحدث من السطر الأول، فالحدود مهلهلة وتحتاج إلى وقت طويل لضبطها».

«نرفض التهجير المؤقت والوضع سوف يكون أكثر صعوبة بعده ولا ذنب لنا فى الإعفاءات التى منحها المجلس العسكرى لإرهابيين هاربين ولا الإفراجات التى جرت لآخرين فى السجون المصرية على عهد مرسى».

«هناك بعض أبناء القبائل انضموا إلى التنظيمات التكفيرية تماما كما حدث فى القاهرة والوادى من انخراط فى تنظيمات مماثلة».

«لا يعنى هذا أن القاهرة إرهابية ولا الوادى رفع السلاح فى وجه الدولة».

«فى الاتهام العشوائى لأهالى سيناء باحتضان الإرهابيين إنكار أنهم قتلوا مواطنا فى الشيخ زويد حاول منعهم من اعتلاء سطح بيته لإطلاق الرصاص من فوقه وإغفال أن المدينة كلها احتفت بحسم الجيش محاولة احتلالها والقضاء على الجماعات المسلحة التى اقتحمتها».

وفد سيناء وهو يستعرض طلبه العاجل استعاد قصة تاريخية من أعز ما تحتفظ به الذاكرة الجماعية تعود إلى عام (١٩٦٨) بعد هزيمة يونيو.

فقد دعا وزير الدفاع الإسرائيلى «موشى ديان» شيوخ القبائل إلى اجتماع فى «الحسنة» تحضره وكالات الأنباء الدولية.

انطوت دعوته على رهان أن يطلب شيوخ القبائل تدويل سيناء أو إعلانها دولة تنفصل عن مصر.

وقف باسمهم الشيخ «سالم الهرش» للحديث أمام العالم، وقد كان رجلا بدويا بسيطا: «إننا مصريون وسيناء أرض مصرية ورئيسنا جمال عبدالناصر، فمن أراد أن يتفاوض فليتفاوض مع جمال عبدالناصر».

كان ما قاله صدمه هائلة لرهانات «ديان» وداعيا لعنت شديد تعرض له من سلطات الاحتلال.

القصة الملهمة فى الذاكرة السيناوية لا تجد معانيها ورسائلها طريقا إلى الإعلام فى مصر.

‫«‬أين الإعلام؟».. «لا أحد يتحدث عن سيناء ولا ما تحتاجه من خدمات صحية وتعليمية واتصالات ومشروعات تنمية حقيقية إلا كلما دوت الانفجارات وبعدها يعود الصمت كاملا».

‫«‬تعرضنا للتهميش طوال سنوات مبارك ونحتاج إلى تنمية ووزارة لسيناء لها صلاحيات وزارة السد العالى فى الستينيات».

بصورة أو أخرى فإن أحد أدوار الإعلام الملحة أن يقترب من ملف سيناء على اتساعه، أن يصل ما انقطع ويوضح ما غمض.

أسوأ معالجة ممكنة أن تظل سيناء فى «حوزة الأمن» بلا أفق سياسى أو خطط تنمية وتواصل إعلامى مع أهلها وقضاياها.

فى ترهيب الإعلام حجب لأية أدوار محتملة أخرى من علماء اجتماع وخبراء سياسة وأمن واقتصاد فى رسم خرائط متكاملة لسيناء تساعد على الحسم العسكرى والنهوض بالمجتمع المحلى فى الوقت نفسه.

المادة (٣٣) من قانون مكافحة الإرهاب بذاتها «إرهابية».

كأنها زخة رصاص على حرية الصحافة وتعطيل صريح لطبيعة المهنة فى استقصاء الحقيقة من داخل مواقع الأحداث تتبع الخلفيات الاجتماعية والإنسانية وتبحث عن مواطن التقصير السياسى والأمنى.

هناك فارق جوهرى بين الحزم مع الإرهاب والاعتداء على الحقوق والحريات العامة.

بين ما هو استثنائى لمواجهة الإرهاب وبين تمديد الاستثناء لأغراض أخرى.

لا توجد دولة محترمة واحدة فى العالم تقضى بالحبس لمدة لا تقل عن سنتين على كل من ينشر ما يخالف بياناتها الرسمية.

كم من الجرائم ترتكب باسم مكافحة الإرهاب.

فى اللحظة التى تغل فيها مهنة الصحافة عن متابعة الحوادث الإرهابية فإن المجال العام ينفسح واسعا أمام روايات أخرى من خارج الحدود.

عندما تفقد إعلامك حريته واستقلاليته فإن أية بيانات رسمية تفقد صدقيتها واحترامها.

المادة الإرهابية تفضى إلى فراغ إعلامى كامل سوف تتقدم لملئه صحف ووكالات أنباء وفضائيات إقليمية ودولية وشبكات التواصل الاجتماعى.

هناك ميل فى أوساط الصحفيين والإعلاميين إلى إعلان الامتناع عن تغطية أية عمليات إرهابية إذا لم تلغ هذه المادة التى تخالف الدستور.

ترهيب الإعلام عمل أخرق بذات قدر التجهيل بقضية سيناء وأهلها.

إذا أراد هذا البلد أن يحسم حرب الإرهاب بأقل فواتير دم ممكنة فإنه مدعو إلى حوار جدى مع «حراس الحدود» يرمم أية فجوات فى الثقة.. ورد اعتبار «حراس الضمير» بالانتصار لحرية الصحافة درة الحريات العامة.