من فصول المأساة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من فصول المأساة

نشر فى : الجمعة 8 يوليه 2016 - 9:05 م | آخر تحديث : الجمعة 8 يوليه 2016 - 9:05 م
ستة أمور تملكت على وجدانى خلال الأيام الماضية. أولها، بترتيب اقترابى منها أو حدوثها، كلمات مؤثرة للصديق أحمد ماهر (حركة ٦ أبريل) عن صيام رمضان وراء الأسوار، ثانيها شموع الحزن والترحم التى حدقت بها صامتة أعين الكثير من مواطنى بنجلاديش، التى ضربها هى الأخرى الإرهاب، ثالثها المشاهد المؤلمة للدماء التى أسالتها والأشلاء الآدمية التى مزقتها التفجيرات الإرهابية فى بغداد، رابعها كلمات مبكية لوالد المصور الصحفى محمود شوكان عن معاناة ابنه المحتجز وراء الأسوار وأصابته بفيروس سى، خامسها حوار إذاعى باللغة الإنجليزية مع طبيب أمريكى ــ سورى يسرد به بعضا من تفاصيل الأوضاع المأساوية للأطفال فى حلب بعد زيارة ميدانية قام بها (بث الحوار إذاعة البرنامج الوطنى العام فى الولايات المتحدة الأمريكية)، سادسها التفجير الإرهابى بجوار المسجد النبوى فى المدينة المنورة.

بحث أحمد ماهر عن «نصف الكوب الممتلئ» لتحمل شهر الصيام الثالث له وراء الأسوار، وجاهد نفسه لاكتشاف فضيلة التغلب على الحبس الانفرادى وظروف السجن الصعبة بالعبادة الانفرادية لله الواحد القهار.

حدقت أعين حاملى الشموع فى دكا (عاصمة بنجلاديش) فى صمت مهيب بعد أن استباحت عصابات الإرهاب مجددا دماء الأبرياء، وأضافت خليط من البشر إلى قوائم الضحايا، وأعادت تذكيرنا بعجزنا عن مواجهتهم وإيقاف جرائمهم.

ثم ثبتت مشاهد الألم والدماء والدمار الواردة من بغداد، ولم تكن قد مرت على تفجيرات مطار أتاتورك فى اسطنبول وعلى أحداث إرهابية فى لبنان ومصر سوى ساعات قليلة، الانطباع بعجز الإنسانية المعاصرة عن حصار هؤلاء المجرمين وبتداخل شرور الإرهاب والعنف والتطرف والمذهبية والظلم. لم تحدق أعين العراقيين صامتة، ولم تحمل أياديهم شموع الحزن، بل هتفت الحناجر لا إله إلا الله، وحملت الأيادى أشلاء الضحايا الذين قتلوا على الهوية أو قتلوا للقتل أو قتلوا لدموية داعش والعصابات الأخرى.
ولأن وقائع الظلم شأنها شأن انتهاكات الحقوق والحريات ليست ببعيدة عن معاناة الإنسانية المعاصرة، ذكر والد محمود شوكان بكلمات قليلة الظلم الذى يواجهه ابنه وراء أسوار الاستبداد، التى سلبت حريته وبسبب أسوار التخلف وغياب العدل الاجتماعى، التى سلبته الحق فى رعاية صحية تحول بينه وبين الوقوع ضحية لفيروس لعين ينهش أجساد المصريات والمصريين دون هوادة أو تمكنه هو وغيره من الضحايا من العلاج السريع دون تمييز بين «مرضى عنهم» و«مغضوب عليهم»، دون تمييز بين متواطئين مع الاستبداد وبين رافضين له.

***

وينقلب ترادف ضحايا الاستبداد والظلم وانتهاك الحقوق والحريات مع ضحايا التخلف وغياب العدل الاجتماعى إلى مأساة كاملة فى الحالة السورية. بل وتتقاطع مع جرائم المستبد وعصاباته جرائم الإرهابيين، وكأنهم فى سباق عبثى على استباحة دماء الناس ودفعهم إلى اليأس من إمكانية أن تتوقف المأساة وأن ينقذ المتبقى من إنسانيتهم وتتراجع وحوش الموت والجنون التى تهبط بها عليهم براميل المستبد المتفجرة أو تلقى بها إلى مدنهم وقراهم قنابل داعش ومفخخاتها. سرد الطبيب الأمريكى ــ السورى وقائع القتل الممنهج للأطفال فى حلب وحقائق الاستهداف المنظم للمستشفيات قليلة العدد وللأطباء الأقل عددا، حكى عن عذابات من بقى مصابا على قيد الحياة ويحشر فى أماكن تحت الأرض طلبا للحماية من البراميل المتفجرة والغارات المتكررة وهربا من القنابل فوق الأرض، ذكر التفاصيل البائسة لعجز الأطباء الأبطال فى غياب المعدات والأدوات الطبية عن إنقاذ أغلبية الأطفال دون بتر لأطراف أو تضحية بالقدرة على الحركة أو اعتبار فقدان حاسة النظر أخف الضررين، أضاف من التفاصيل ما جعل الأمر لا يقل فظاعة من عمليات القتل الجماعى التى شهدتها الحروب العالمية والحروب الأهلية الأشد دموية. أنهى الطبيب مداخلته الإذاعية بإشارة إلى الهوية المهنية للمستبد كطبيب، واستمرئ أن يكون من درس إنقاذ حياة الناس وطرائق شفائهم قادر على إحداث كل هذه الدموية والوحشية. غير أنه جنون السلطة وكرسى الحكم الذى لا يمانع المستبد فى إبادة شعبه بأكمله لكى يبقى جالسا عليه.

وكأنهم يريدون من الإنسانية المعاصرة أن تتيقن من أن عنفهم لا مضامين دينية له ولا حدود قصوى قد تردعه، كرر الإرهابيون تفجيراتهم بجوار المسجد النبوى فى المدينة المنورة، أمام قبر رسول الله (عليه الصلاة والسلام). أى عبث هذا؟ أى جنون هذا؟ أى استهزاء هذا بمقدسات دين يدعون الانتماء إليه؟ إلا من ينتهكون حرمة الدماء ويغتالون حق الناس المقدس فى الحياة ذبحا وحرقا وشنقا وتفجيرا، هؤلاء المجرمون لن تردعهم مقدسات دينية ولن تمنعهم عن القتل هيبة المكان.

***

هى هذه الأمور التى تملكت على وجدانى وأقعدتنى خلال الأيام الماضية عن الاحتفاء بالعيد الذى جاء كما عن العمل. إنسانيتنا المعاصرة عاجزة، وصمتنا على الاستبداد والظلم يدمينا، ولا خلاص لنا من جنون الإرهاب سوى بمواجهته هو والاستبداد دون تمييز أو مفاضلة، ولا حماية لمقدساتنا الدينية ستتحقق ما لم نحمِ حق أطفالنا المقدس فى الحياة ونمنع استكمال فصول المأساة.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات