القاهرة: مدينتى وثورتنا (٣٤) - أهداف سويف - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القاهرة: مدينتى وثورتنا (٣٤)

نشر فى : الخميس 8 أكتوبر 2015 - 7:35 ص | آخر تحديث : الخميس 8 أكتوبر 2015 - 7:35 ص

الانتفاضة الفلسطينية الثانية فى نهاية عام ٢٠٠٠ أخرجت المصريين إلى الشوارع لدعمها. ثم قامت المظاهرات الضخمة ضد الحرب على العراق فى ٢٠٠٣. ثم خرجنا للاحتجاج على تزوير الانتخابات البرلمانية فى مصر عام ٢٠٠٥، وللتضامن مع القضاء فى معركته مع النظام عام ٢٠٠٦. ولم نهدأ من وقتها. كانت الاحتجاجات فى الست سنوات السابقة للثورة تأخذ شكل إضرابات صناعية كبرى مثل إضرابات مصانع الغزل والنسيج فى المحلة الكبرى، أو تبادر بها أو تدعو لها مجموعات من الحركة الوطنية مثل «الحركة المصرية للتغيير ــ كفاية»، أو حركة «أطباء بلا حقوق»، أو المنظمات المدنية والحقوقية، أو طلبة وأساتذة الجامعات، أو المجموعات اليسارية مثل الاشتراكيين الثوريين، أو ٦ ابريل، وأحيانا كانت تقوم من أوساط الفلاحين أو النقابات المهنية. وكان نمطا متكررا لهذه الاحتجاجات أن القيادات أو المنسقين، وهم دائما من اليسار، يحاولون التنسيق مع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين لينضموا ويتعاون الجميع فى مقاومة دولة مبارك، وبعد اجتماعات ومداولات تَعِد القيادة الإخوانية بحشد أعداد كبيرة، ويأتى يوم الاحتجاج ولا تأتى الحشود. أو يأتى ألف أو ألفان من الإخوان، ويغادرون فى الساعة الخامسة تاركين الرفاق من غير الإخوان ليضربهم البلطجية ويحتجزهم الأمن. يذكر أن بعض الأفراد من الإخوان ــ أمثال الإعلامى الكبير الأستاذ محمد عبدالقدوس ــ كانوا يتصرفون دائما بدافع من ضميرهم، ولعبوا دورا مهما فى رعاية الحركة الاحتجاجية الناشئة، لكن هذا التصرف كان خارج إطار التنظيم. بعض شباب الإخوان وصل ــ بمرور السنوات ــ إلى قناعة بأنه لا يمكنه الالتزام بمبدأ السمع والطاعة الذى تفرضه الجماعة، فانسحب منها وعانى أزمة هذا الانسحاب. ولكن، وبوجه عام، لم يكن لفرع الإسلام السياسى من الحركة الوطنية مساهمة تذكر فى ديناميات الشارع التى أصبحت، فى النهاية، ثورة ٢٥ يناير.

يوم ٢٥ يناير لم ينتظر شباب السلفيين والإخوان تعليمات كبارهم بل انضموا بتلقائية إلى المسيرات التى دخلت قلوب مدنهم. وساهموا أيضا فى مسيرات ومعارك الثامن والعشرين. لم تعلن قياداتهم موقفا واضحا من الثورة لكنها ــ حين بدأ الهجوم على التحرير فى «معركة الجمل» يوم ٢ فبراير ــ وظفت شبكتها التنظيمية الضخمة، فتوافد الإخوان من المحافظات لحماية الثورة فى التحرير.

لكن، وبدءا من ١١ فبراير، حين أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أنه سيدير أمور البلاد، حاولت قيادات تيار الإسلام السياسى استعادة أعضائها وسحبهم من العمل فى الشارع. وكما كانوا يحاولون دائما تحاشى المواجهات مع نظام حسنى مبارك، أصبحوا الآن يتحاشون المواجهة مع المجلس العسكرى، وكان التجلى الأسوأ لهذا التوجه فى الأيام الأربعة لأحداث شارع محمد محمود. جلست القيادات مع المجلس العسكرى تتفاوض حول الانتخابات القادمة، وامتنع شباب الإخوان والسلفيين عن الشارع، وفى الشارع كانت قوات الأمن المركزى تهاجم وتقتل شبابا ظنوهم رفاقا. وتوطنت مرارة هذه التجربة عند الجميع وصارت علامة الافتراق.

اتضح أن الثورة عند قيادات تيار الإسلام السياسى كانت مسألة حسابات سياسية وانتخابية. بدأ الإخوان والسلفيون والجماعات الإسلامية، وقد تحرروا من السجون، فى الحشد للتحرك السياسى. أسس الإخوان حزب «الحرية والعدالة»، وأسس السلفيون حزب «النور». السلفيون تتوفر لهم الأعداد والإخوان عندهم التنظيم والخبرة، وهم منتشرون فى القرى والمدن الصغيرة عبر البلاد ويتمتعون بعضوية تمتثل للأوامر والتعليمات، ومعا ــ كما رأينا ــ فازوا بـ ٧١٪ من أصوات الناخبين فى الانتخابات البرلمانية.

الثورة.. العام الثانى
٢٠١٢
جلس البرلمان المصرى المنتخب جلسته الأولى يوم ٢٣ يناير ٢٠١٢، وتوقعت البلاد أنه سيبدأ فى البحث عن مصالحها التائهة. توقعنا، على سبيل المثال، أنه سيُشَرِع لتطبيق حد أدنى للأجور، وأنه سيتخذ خطوات جادة لمواجهة فلول نظام حسنى مبارك الباقين فى مواقعهم يستغلونها فى تقويض الثورة، أنه سيبدأ مساءلات جادة فى قتل المتظاهرين ويُشَرِع ليحمى المدنيين من المحاكمات العسكرية، سيبدأ فى التشريع لاحترام مواثيق حقوق الإنسان، سيصر على إعادة هيكلة وزارة الداخلية. أى أننا توقعنا وطلبنا أن يبدأ ممثلونا المنتخبون فى توظيف صلاحياتهم التشريعية فى توجيه مسيرة البلاد نحو العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
توقع الناس أيضا أن يدرك البرلمان الظروف الاستثنائية التى انتُخِب فيها، ويقدرها بقدرها، ويرقى إلى مستوى مسئوليتها. نجحنا فى تحاشى أن يُكتَب دستور مصر الجديد فى ظل حكم المجلس العسكرى، والآن نأتمن البرلمان على انتقاء جمعية تأسيسية لائقة لتكتبه. قيادات الإسلام السياسى عطَلت لمدة عشرة شهور كل محاولات الوصول إلى اتفاق حول وثيقة مبادئ حاكمة تقرها جميع القوى التى تشكل التيارات السياسية فى مصر، وأصرت تلك القيادات أنها تدرك ضرورة أن يُعَبِر الدستور عن روح الأمة كلها وليس فقط المجموعة الحاكمة وقت كتابته. توقعنا أن تغتنم هذه الفرصة لتظهر النوايا الحسنة وأن تنتقى جمعية تأسيسية متوازنة وجادة تمثل الشعب فعلا وتحوز على رضا واسع.

ولذا، ولتذكير ممثليهم الجدد بكل هذا، تحرك آلاف المواطنين يوم ٢٣ يناير ٢٠١٢ نحو مجلس الشعب، فى مسيرات كبيرة انطلقت من مواقع مختلفة من العاصمة، يحملون رسالة لنوابهم خلاصتها أن عليهم أن ينتزعوا السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ويقوموا بدورهم التاريخى: السلطة التشريعية المنتخبة للثورة. عليهم أن يمثلوا الشعب فى عملهم وسيكون الشعب حاميهم وساندهم. جاءت مسيرة العمال من مقر اتحاد العمال، ومسيرة حملة «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين» انطلقت من مبنى دار القضاء العالى، مجموعة «القصاص العادل (للشهداء)» جاءت من ميدان الشهيد عبدالمنعم رياض. مشيت أنا فى «مسيرة الفنانين» من دار الأوبرا عبر كوبرى قصر النيل. ولم يتمكن أحد منا من الوصول إلى مبنى البرلمان، فقد شيدت القوات المسلحة تركيبة فنية مبتكرة من الحواجز لتحمى مجلس الشعب من الشعب: جدران، وأسلاك شائكة، وسور حديدى، والمئات من جنود الأمن المركزى.

وبعد يومين، وفى العيد الأول للثورة، فى ٢٥ يناير، خرج الملايين فى أنحاء البلاد يطالبون بنقل السلطة إلى البرلمان ويعلنون «الثورة مستمرة». ولم يرغب النواب الإسلاميون فى سماع هذه الرسالة وعزفوا عنها فأحاطوا مبنى البرلمان بسياج من شباب الإخوان ــ قيل إن غالبيتهم أتوا بهم من المحافظات ــ مستعدين لصَدِنا ومسلحين بالعصى والأحزمة. وفى التحرير نشبت المعارك بين المتظاهرين والإخوان، وكان موقف الإسلاميين غير قابل للنقاش: أى مطالبة بنقل السلطة إلى البرلمان الذى يجلسون على ٧١٪ من مقاعده ليست إلا مؤامرة لإحداث فجوة بينهم وبين القوات المسلحة. أصر الإخوان على التمسك بموقع بالقرب من السلطة ــ كما رأوها، ولم يدركوا أنهم أصبحوا هُم السلطة، وبالتأكيد لم يخطر ببالهم أننا ــ نحن الواقفين فى الشوارع ــ نحن السلطة. وعلى أية حال، وحتى لو كنا السلطة فلم نكن السلطة التى أرادوا التحيز لها. اصطف البرلمان ــ أو على الأقل ٧١٪ منه ــ إلى جانب المجلس العسكرى.

أعلنت الثورة ٢٧ يناير «جمعة الغضب الثانية»، وطلعنا بالمسيرات من أرجاء القاهرة إلى التحرير، وعند نهاية كوبرى قصر النيل حادت أعداد منا واتجهت إلى ماسبيرو. عرض «كاذبون» أكثر أفلامهم التوثيقية دموية على جدران مبنى الإذاعة والتليفزيون، وحين أضاء مبنى وزارة الخارجية أنوار نوافذه إلى جوارنا كانت النوافذ المضيئة تخط كلمة «ثورة» وتصاعد الهتاف فى الشارع تحية لنشطاء الدبلوماسيين، واستعد المتظاهرون لاعتصام حول ماسبيرو: سنركز احتجاجنا على آلة إعلام الدولة وعلى برلمان الشعب.

التعليقات