الاختفاء القسرى - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاختفاء القسرى

نشر فى : الثلاثاء 8 ديسمبر 2015 - 11:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 8 ديسمبر 2015 - 11:15 م
حين يصبح موضوع الاختفاء القسرى فى مصر قضية رأى تتعدد فيها الاجتهادات وتختلف وجهات النظر، فإن ذلك يعد هزلاً وعبثاً فى المسئولية والجد. ذلك أننا لسنا بصدد مسألة نظرية أو إشكال عقلى يرى من أكثر من زاوية، وإنما الأمر يتعلق ببشر من لحم ودم، وحوادث إما أن تكون قد وقعت أو أنها لم تقع، ومآلات تتحدد فى ضوء القرائن والأدلة وشهادات الشهود، ولا يقضى فيها تبعا للأمزجة والأهواء.
منذ نحو عام تتحدث تقارير المنظمات الحقوقية المصرية عن حالات للاختفاء القسرى، إذ تسجل أرقاما وتنشر صورا وأسماء تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعى. وفى الوقت ذاته نقرأ أخبارا عن تجمعات لأهالى المختفين وحملات من قبيل «حى أم ميت» أو «الحرية للجدعان»، كما تطالع عدة مناشدات تطالب بالكشف عن مصيرهم على طريقة «ماصونى فين؟». ولم يكن الأمر مقصورا على أصداء الحدث فى الداخل، لأن الملف صار متداولا فى المحافل الدولية، حيث تحدثت عنه تقارير الأمم المتحدة ومنظمة هيومان رايتش ووتش، إذ أشارت إلى حالات تم توثيقها لأناس اختفوا ولم يظهر لهم أثر، ولآخرين اختفوا حينا ثم شوهدوا بعد ذلك فى السجون أو أثناء نظر بعض القضايا. وفى حين تواترت الإشارات إلى حالات الاختفاء فإن مسئولى وزارة الداخلية دأبوا على نفى تلك الحالات وإنكار حدوث أى اختفاء من ذلك القبيل.
طوال الأشهر الماضية ظللنا بين تأكيد للاختفاء القسرى من جانب الحقوقيين والمحامين وبعض الأسر، وإنكار تام له من جانب وزارة الداخلية والمتحدثين باسمها. إلا أن المشهد اختلف فى الآونة الأخيرة. إذ حين كثر انتقاد وزارة الداخلية واتسع نطاق الانتهاكات التى يمارسها بعض رجالها، وساهمت وسائل الإعلام فى كشف تلك الانتهاكات التى أصبحت وقائعها على كل لسان، حينئذ انتبهت الداخلية إلى ما أصاب سمعتها من تشوه ورصيد الثقة فيها من تراجع واهتزاز. فتابعنا محاولات عدة لتحسين الصورة من خلال بعض التصريحات والبرامج الحوارية، التى حذرت من الوقيعة بين الشرطة والمجتمع ومما وصف بأنه محاولات لإسقاط الشرطة من جانب العناصر المناوئة. فى هذا السياق فتح ملف الاختفاء القسرى على نطاق واسع فى إطار مختلف، إذ بدلاً من إنكار حدوثه بالمطلق جرى الترويج لفكرة بديلة تقر بحدوث الاختفاء لكنها تفسره بأنه راجع إلى أن أولئك الأشخاص المختفين غادروا البلاد والتحقوا بتنظيم داعش سيئ السمعة. وهى فكرة لا تخلو من وجاهة ولا يستبعد أن يكون لها ظل من الحقيقة. إذ المفهوم أن عناصر داعش أغلبهم من الدول العربية، ولا غرابة فى ان يكون بينهم بعض شباب المصريين شأنهم فى ذلك شأن أقرانهم من الأقطار الأخرى.
أهم ما فى هذا التطور أنه بمثابة إقرار باختفاء بعض الأشخاص، لكن السؤال هو: هل الذين وثقت حالات اختفائهم فى مصر هم أنفسهم الذين التحقوا بتنظيم داعش ورحلوا إلى سوريا؟ الداخلية والمتحدثون باسمها يتبنون فكرة التطابق بين المختفين والمغادرين ولا يقدمون دليلا على ذلك. فى حين أن الحقوقيين يرفضون الحجة قائلين إن مسألة بهذه الخطورة ينبغى ألا تترك للإحالات الغامضة. إذ المعلومات هى الفيصل والحكم فى نهاية المطاف. ذلك أن لديهم أسماء المختفين قسريا وعلى الداخلية إذا كانت واثقة مما تدعيه أن تبرز أسماء من تعرف أنهم غادروا البلاد والتحقوا بداعش. فى هذا الصدد فإن الأستاذ جمال عيد مدير مركز معلومات حقوق الإنسان ينبه إلى أن هناك مستويين من الاختفاء القسرى. فكل محتجز أخفى عن أسرته ومحاميه وتم إيداعه فى مكان مجهول بمعرفة السلطة أو أية جهة ذات صلة بها يعد فى نظر القانون مختفيا قسريا وان ظهر بعد ذلك. وهو يصنف فى التقارير الحقوقية بأنه «كان» مختفيا، وأمثال هؤلاء كثيرون، إذ إنهم يحتجزون لعدة أسابيع أو شهر بعيدا عن أهاليهم ومحاميهم، حيث يخضعون خلالها للاستنطاق بأساليب مختلفة ثم يظهرون بعد ذلك وقد انتزعت منهم الاعترافات وتم ترتيب الاتهامات. وإلى جانب هؤلاء فثمة قوائم لآخرين اختفوا ولم يظهر لهم أثر منذ عدة أشهر تجاوز السنة فى بعض الأحيان. تضيف الدكتورة عايدة سيف الدولة الناشطة بمركز النديم إن لديهم ما بين ٣٠ و٤٠ اسما لأشخاص اختفوا قسريا منذ شهر فبراير الماضى، وهم مستعدون لإعلان الاعتذار إذ ثبت أنهم التحقوا بداعش وعلى الداخلية ان تعتذر للرأى العام إذا ثبت العكس. والقوائم التى لديهم تضم مهنيين وفئات تختلف تماما عن الشبان الذين يجذبهم مشروع داعش وثقافة عناصره. ومن القرائن التى يستدلون بها لإثبات حدوث الاختفاء القسرى أن انكاره من قبل الداخلية ليس مستغربا، لأنه لا يختلف فى شىء عن انكار التعذيب الذى لا يستطيع أحد أن ينكر حدوثه فى أماكن الاحتجاز. ثم انه جزء من الانتهاكات التى أصبحت من التقاليد الثابتة فى ثقافة وأداء أغلب المنتمين إلى الأجهزة الأمنية، وإنكار حدوثها يدل على أن ذلك النهج أصبح عصيا على التغيير فى ظل استمرار الظروف الراهنة، الأمر الذى يعمق الفجوة بين الشرطة والمجتمع. وهى الفجوة التى يتعذر علاجها بالتصريحات الطنانة ومقالات المديح والتبرير الصحفية. أما أغرب ما يحدث الآن أن اللوم والتنديد أصبح يوجه إلى الذين يكشفون وقائع الاختفاء القسرى وليس الذين يمارسونه.
فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.