لا تقاليد يونانية ولا انهيارات اقتصادية - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 1:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا تقاليد يونانية ولا انهيارات اقتصادية

نشر فى : الثلاثاء 8 ديسمبر 2015 - 12:55 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 8 ديسمبر 2015 - 12:55 ص
معقب: تعرف أن نظام الحكم الديمقراطى هو وليد التقاليد اليونانية، وهذه غريبة عنكم. فلماذا لا نسلم جميعا أن منطقتكم لن تتحول ديمقراطيا وستظل تراوح بين نظم استبدادية ونظم سلطوية، وأن أفضل المتاح لكم اليوم هو أن يظهر أكثر من ديكتاتور عادل فى بعض بلدانكم ويدفع باتجاه مواجهة الإرهاب واستعادة الاستقرار وتحقيق التنمية؟
المحاضر: لكن الديمقراطية المعاصرة لا تقتصر أبدا على المجتمعات الغربية التى تصنفها أنت كالوريث الوحيد للحضارة اليونانية ولتقاليد الحكم بها. ويجافى الحقيقة الزعم أن منطقتنا العربية لم تمر بتجارب ديمقراطية، من مصر بين 1923 و1952 إلى العراق وسوريا ولبنان فى الحقبة الليبرالية بين الحربين العالميتين، وتدلل تواريخ بلداننا على أن الديكتاتور العادل لا يعدو أن يكون وهماً أو سراباً، بينما الواقع الفعلى يعج بنموذج الديكتاتور الظالم الذى يعجز عن مواجهة الإرهاب واستعادة الاستقرار وتحقيق التنمية، ويراكم مع العجز هذا ممارسات قمعية وانتهاكات للحقوق والحريات تفرض الخوف على المواطن وتبعده عن الاهتمام بالشأن العام.

معقب آخر: يبدو لى أن ملامح المشهد المصرى والعربى واضحة. نحن أمام؛ 1)نظم حكم مستبدة وسلطوية لا تتوفر بدائل فعلية لها بسبب ضعف وتفتت حركات المعارضة السلمية، 2)يتواصل إخفاق العدد الأكبر من نظم الحكم فى تحقيق الاستقرار والتنمية وتتزايد التهديدات الواردة على السلم الأهلى وعلى تماسك مؤسسات الدولة الوطنية، 3)البعض الآخر من حركات المعارضة يلغى الخطوط الفاصلة بينه وبين جماعات تحمل السلاح وتتورط فى العنف ويمكن نظم الحكم بذلك من تمرير ممارساتها القمعية وتبرير انتهاكاتها تحت يافطة الحرب على الإرهاب. بمعنى آخر، ليس لدى الحكام فى بلادكم ما يحفزهم على التوقف عن القمع أو التراجع عن الانتهاكات، فهم يواجهون إما ضعفاء يدافعون عن المبادئ الصحيحة دون عمل جماعى أو ضعفاء يبررون ويمارسون العنف ويزجون بقطاعات مؤثرة بين الشعوب العربية إلى الصمت على إنزال العنف الرسمى بهم. ألا ترى أن العامل الوحيد الذى قد يحفز حكام العرب على الانفتاح على شىء من الإصلاحات الديمقراطية هو الانهيار الاقتصادي؟ فى ذهنى هنا تجربة الأرجنتين فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى، هناك سبب الانهيار الاقتصادى الشامل وإعلان إفلاس الدولة وعجزها عن دفع رواتب الموظفين تطبيق الحكم لإصلاحات اقتصادية ومالية واجتماعية تحت إشراف المؤسسات المالية الدولية وبضغوط من الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية الأخرى، وفى إطار تطبيق حزمة من الإصلاحات الدستورية والقانونية والسياسية اشترطتها الجماعة الدولية كان من أولها وقف القمع والتراجع عن الانتهاكات.

المحاضر: أدرك أن الانهيار الاقتصادى ساعد فى بعض البلدان على تجاوز الاستبداد والسلطوية، وأدخل المجتمعات التى حدث بها فى فترات انتقالية عسيرة أعقبها بناء الديمقراطية والتزام سيادة القانون والتداول السلمى للسلطة. وليس الانهيار الاقتصادى هنا بشديد الاختلاف، طبعا لجهة تداعياته ونتائجه، عن الهزائم العسكرية والحروب الأهلية وفشل الدولة الوطنية وغيرها من الخبرات بالغة الحدة. غير أن إدراك الأمر موضوعيا، ومعه بكل تأكيد التسليم بصعوبة التغيير الديمقراطى فى مصر ومعظم بلاد العرب بسبب ضعف وتفتت الحركات المعارضة للمستبدين ولنظم الحكم السلطوية، يختلف جذريا عن أن يتورط مصرى أو عربى فى التمنى المريض لأن ينهار اقتصاد بلاده ويعلن إفلاسها أو أن تنزل بها الهزائم العسكرية وتحل بها كوارث أخرى لكى تنفتح على الديمقراطية والإصلاحات الجادة. أرفض مجرد التفكير فى ذلك. فالانهيار الاقتصادى سيهدد فرص مواطنينا فى الحياة، خاصة الفقراء ومحدودى الدخل بينهم. ولا قبل لنا لا بهزائم عسكرية ولا بكوارث أخرى، ومنطقتنا على حافة الهاوية وخرائط الدماء تنتشر بها دون توقف. سأظل مؤملا فى تحول ديمقراطى سلمى وفى إصلاحات تنموية، ومن ثم فى إبعاد شبح الانهيارات والهزائم.

السياق: أخيرا، دارت هذه الحوارات بين بعض أساتذة التاريخ والعلوم السياسية فى الولايات المتحدة الأمريكية وبينى. وكان ذلك إما تعليقا على محاضرات ألقيتها أو فى ندوات عامة.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات