أمن الدولة.. فوق الدولة - رباب المهدى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمن الدولة.. فوق الدولة

نشر فى : الخميس 9 يناير 2014 - 9:00 ص | آخر تحديث : الخميس 9 يناير 2014 - 9:00 ص

أتعجب كثيرا ممن يطنطنون ليل نهار بفكرة الحفاظ على الدولة وخطر الإرهاب الذى يواجهها وأهمية بناء دولة عصرية حديثة (كما جاء فى مشروع الدستور)، ثم لا يطرف لهم جفن حينما تسمح مؤسسات هذه الدولة بقضائها وشرطتها وإعلامها بالتجسس على مكالمات المواطنين ثم إعطاء هذه المكالمات «حصريا» لأحد مخبرى هذه الأجهزة ــ غير ذى صفة ــ ودون أى مسوغ قانونى ليذيعها ويضيف أو يحذف منها ما شاء. أية دولة وأى قانون يمكن أن نتحدث عنه بعد ذلك؟ المدهش والمحزن فى موضوع هذه التسريبات ليس فقط محاولة قوى الثورة المضادة إعادة كتابة التاريخ القريب جدا الذى مازلنا نحياه لتصور اقتحام جهاز أمن الدولة مقر التعذيب الممنهج وقلب نظام دولة مبارك على أنه اعتداء يجب محاسبة مرتكبيه، ولكن الأشد بؤسا أن النظام الحالى مازال يستخدم أساليب عفا عليها الزمن للتغطية على فشله وأدائه الهزيل. لمن لا يذكر كانت الفضائح الجنسية المسربة من جهاز المخابرات جزءا أساسيا من محاولة التغطية على هزيمة يونيو ١٩٦٧ وإلباسها غطاء الأخطاء الشخصية والانحلال الأخلاقى بدلا من مراجعة الأسس القائم عليها النظام فى هذا الوقت، ثم تم استخدام قضايا شبكات آداب لفنانين ورجال أعمال وشخصيات عامة فى عهدى السادات ومبارك كلما وجد النظام نفسه فى مأزق حتى يغطى على أدائه الركيك. وفى جميع هذه الحالات لم تفلح التسجيلات ولا الفضائح فى إقالة عثرة النظام أو فى تقدم الوطن وحمايته كما يزعم البعض.

•••

لقد بدأ حشد ٣٠ يونيو بصيغة وحدة الصف بين الجيش والشعب والشرطة فى مواجهة تنظيم الإخوان، وتم التغاضى عن ممارسات هذه الأجهزة ضد الشعب منذ عهد مبارك ومرورا بالمرحلة الانتقالية وحكومة مرسى، ثم ما لبس أن أصبح هذا الصف هو صف الشرطة والدولة الأمنية فى مواجهة الثوار (تحت غطاء محاربة الإخوان) وبدعاوى الطابور الخامس والهجمة الشرسة على العاملين فى مجال حقوق الإنسان تم تصوير هؤلاء وأولئك على أنهم سبب التعثر والفشل وليس من فى يدهم السلطة ومقاليد الأمور. ولأن هذا الصف ــ صف الدولة الأمنية ــ لا يملك أى مشروع سياسى متكامل يشمل تصورا عن الاقتصاد وإدارة المجتمع فقد استعاض عن ذلك كله بإحياء جهاز أمن الدولة وتمرير ممارساته وكأنها ما سينقذ مصر من الفشل الذى يلاحقها. عزيزى القارئ، قبل أن تنبرى فى الدفاع عن جهاز أمن الدولة وتتهم مثل هذه المقالات بمحاولة هدم الدولة برجاء الإجابة عن الأسئلة التالية: ما وظيفة هذا الجهاز فى ظل وجود أجهزة المخابرات العامة، والمخابرات الحربية، وأفرع جهار الشرطة من مباحث وأمن جنائى وأمن عام؟ وما الأساليب التى يستخدمها هذا الجهاز غير ما عرف عنه من تعذيب وتصنت على الحياة الشخصية وتهديد وإبتزاز من لا يرضى عنه؟ ولماذا يملك هذا الجهاز من المزايا والحصانات ما نعلم عنه القليل سواء كانت مرتبات لا يحصل عليها حتى من هم فى جهاز الشرطة أو عدم معرفة أسماء وشخصيات ضباطه أو عدم القدرة على محاسبة أى منهم؟ الإجابة ببساطة على كل هذه الأسئلة أن هذا الجهاز هو المعادل لما كان يسمى «البوليس السياسى» مهمته الأساسية هى حماية النظام الحاكم بأشخاصه وليس حماية الوطن أو ما يسمى الدولة، وهو فى ذلك يستخدم ضد المعارضين وليس بالضرورة ضد «الإرهابيين» ويستخدم فى ذلك أحط الأساليب التى تم اكتشافها حين اقتحمت مقاراته فى ٢٠١١.

•••

وكما أن فى قوانين الفيزياء لكل فعل رد فعل مضاد مساو له فى المقدار وعكسه فى الاتجاه فإن لكل ثورة ثورة مضادة تحاول وأدها ولكنها لا تنتصر عليها بالضرورة. محاولة تصوير اقتحام مقار تعذيب أمن الدولة خلال الثورة على أنه جريمة وتهديد كل من كان له دور بارز فى الثورة مرة بالسجن وأخرى بالابتزاز وتسريب المكالمات شخصية، ليس محاولة للحفاظ على أمن الوطن، ولكنه جزء من حرب الثورة المضادة لتجريم فعل الثورة ذاته وإسكات كل من لا يزال يحلم بوطن حر يحفظ كرامة مواطنيه. ومن هذا المنطلق فإن رفض ممارسات الدولة الأمنية وفى القلب منها جهاز أمن الدولة ليس محاولة لهدم الدولة التى تأكلت حتى أصبحت شبكات مصالح ضيقة، بل على العكس هو محاولة لبناء دولة مؤسسات وقانون نادى بها المصريون منذ الثورة. ولهذا سيظل هتاف: أمن دولة دول عاتاولة فى نهب الدولة.. يتردد حتى إشعار آخر.

التعليقات