عن النورس جوناثان ورفض الانهزام - مصطفى النجار - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن النورس جوناثان ورفض الانهزام

نشر فى : الجمعة 9 يناير 2015 - 8:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 9 يناير 2015 - 8:50 ص

حين ألقى مركب الصيد الصغير بعض فضلات الطعام فى الماء اندفعت تلك النوارس تتصارع للحصول على هذا الفتات كعادتها، بينما على ناحية أخرى من الشاطئ كان النورس الصغير (جوناثان) يمارس تدريبات الطيران المتقدم، بينما كانت معظم النوارس تكتفى بمبادئ الطيران الأولية التى تنقلها من الشاطئ إلى حيث الطعام والعودة ثانية فقط. كان النورس الصغير يتعجب من أن شعب النوارس يركز فقط فى البحث عن الطعام ولا يفعل غير ذلك بينما كان يرى أن هناك فى الحياة أشياء أخرى تستحق التعلم مثل الطيران المنخفض ثم الأكثر ارتفاعا والدوران بزوايا مختلفة وحادة للحصول على طعام جيد من البحر لا يشبه فضلات السفن، ولذلك واصل تدريباته بعيدا عن سرب النوارس وكثيرا ما كان يسقط وتصطدم أجنحته بالماء أو الرمال ويئن من الألم ولكنه ينفض الوجع ويعاود المحاولة.

عاتبته أمه فى فزع وخوف قائلة: «لماذا لا تكون مثل بقية السرب؟ لم لا تتخلى عن محاولاتك للطيران بشكل مختلف وتتركه لطيور أخرى غير النوارس الضعيفة التى لا تستطيع فعل ذلك؟ لقد فقدت كثيرا من وزنك وأصبحت ريشا على عظم»، فيجيبها: «لا يعنينى ذلك يا أماه أنا أريد فقط أن أعرف فقط ما الذى أستطيع أن أحققه، وما الذى لا أستطيع وكيف أتغلب على هذا العجز وأستطيع».

•••

لم يلتفت النورس جوناثان لعتاب أمه وتحذيرات أبيه وواصل تدريبات الطيران حتى استطاع أن يطير بسرعة سبعين ميلا فى الساعة، وعندما كانت سرعته تصل لذلك المعدل كان يفقد توازنه ويسقط سقوطا مدويا ثم أدرك أنه يجب أن يبقى جناحيه ساكنين بعد الوصول لهذه السرعة حتى لا يفقد اتزانه. وبالفعل وصلت سرعته للتسعين ميلا ولكنه عاود السقوط واترطم بصخرة أفقدته الوعى ليصيبه اليأس ويسأل نفسه «أليس هناك من مخرج من هذه الدائرة المغلقة أنا نورس محدود بطبيعتى لو كان خالقى يريدنى أقوى لجعل لى أجنحة الصقر، فلأتوقف عن المحاولة وأرضى بالفتات، فلأعود للشاطئ وأصبح رقما عاديا وسط السرب»، وقبل أن يعود لمح طائر الباز بأجنحته القصيرة يطير بقوة وثبات فسأل نفسه «لماذا لا أكون مثل الباز؟ فلأطوى جناحى الطويل وأجعله يبدو قصيرا لأفعل ما يفعله الباز ولأتغلب على خوفى من السقوط»، وبالفعل كرر المحاولة وهو يضع طريقة طيران الباز أمام عينيه وكانت المفاجأة التى أسعدته أن سرعته تجاوزت المائة ميل فى الساعة دون أن يسقط. لقد صنع معجزة للنوارس وها هى سرعته تتجاوز المائة وعشرين ميلا، هذه نقطة تحول فى حياة كل النوارس.

عاد للسرب ليخبرهم بما وصل إليه من إنجاز وحكى لهم قائلا «لنرفع أنفسنا من مستنقع الجهل لننظر إلى أنفسنا كمخلوقات ذات ذكاء وجهد ومهارة لنشعر أننا أحرار»، وتصدى له النورس الكبير قائلا «لقد جلبت لنا الخزى والعار بما فعلته وعقوبتك الاقصاء عن السرب لتعيش وحيدا، أنت تخرج عما خلقنا من أجله وهو أن نعيش للحصول على فتات الطعام فقط، وها أنت تثير الفتنة بين النوارس وتجعلهم يحلمون بأحلام أكبر»، صرخ جوناثان : «وما العار فى أن نتحرر من التبعية وأن نشعر بالحرية والكرامة ونعيش الحياة الجيدة التى يعيشها الآخرون؟»، أدار النورس الأكبر ظهره له وتبعته بقية النوارس ليتركوه وحيدا متألما من خذلانهم له، ولم تكن الوحدة هى التى تؤلمه بل رفض النوارس للتعلم واكتشاف آفاق جديدة لحياة أفضل. واغترب عن سربه وواصل التعلم واستفاد من خبرات طيور أخرى ولكن ظل يراوده الحنين لأهله وسربه ويشعر بالشفقة عليهم من أن يستمروا هكذا طيلة الحياة يعتقدون أن ما يعيشونه هو الحياة بينما هم شبه موتى ومغيبون.

•••

وعندما هم بالعودة إليهم صارعته نفسه وذكرته بما فعلوه معه من إيذاء ولكنه سمع صوتا بداخله يقول: لا تقسو عليهم إنهم حين طردوك كانوا يؤذون أنفسهم وسيفهمون يوما ذلك وسيرون ما ترى، اغفر لهم ذلك وساعدهم أن يفهموا. وعاد النورس جوناثان للسرب واستطاع أن يعلم عددا من النوارس الصغيرة ما تعلمه وكان يقول لهم: «حطم محدودية أفكارك وخيالك ستتحطم محدودية جسدك الذى سيستجيب لما تريد فعله».

وعاد جوناثان بتلاميذه الذين زاد عددهم ليبهروا بقية السرب بما وصلوا اليه من مهارة فى الطيران والحصول على طعام جيد بسهولة وانضمت نوارس أخرى اليه وظل صوته يردد: الحرية هى صميم الوجود وأى شيء يعيقها يجب إزالته. نحن الآن نقود جميع السرب لهذا الاتجاه بعد أن كان يرفضه ويحاربنا من أجله، ها هم اليوم يرفعوننا فوق الرءوس ويدركون كم نحبهم، لا تحاسبوهم ولا تجلدوهم قبل أن يفهموا!

•••

كان هذا ملخص رواية النورس جوناثان للمبدع «ريتشارد باخ» التى هى تعبير عن حالة الصراع بين الجهل والعلم والقمع والحرية والعجز والقدرة. هناك من يصرون على جعل الانهزام الداخلى طبيعة وهناك من يرفضون المهزومية ويأبون إلا الانطلاق للمستقبل.

المصريون يجب أن يحلقوا فى اتجاه المستقبل عبر جناحى العلم والحرية ومن أجلهما فليستمر العمل وبذل الجهد وترك الاحباط. مصر تستحق ما هو أفضل.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات