المولد النبوى تذكار أم تفكر واعتبار - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المولد النبوى تذكار أم تفكر واعتبار

نشر فى : الجمعة 9 يناير 2015 - 8:55 ص | آخر تحديث : الجمعة 9 يناير 2015 - 8:55 ص

(1)

احتفلت الدنيا بمولد خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (صلى الله عليه وسلم)، وذكرى مولده هى ذكرى هجرته وهى ذكرى وفاته (صلى الله عليه وسلم)، فهل كان احتفالنا مجرد تذكار وإعلان بالانتساب إليه؟! أم أن الاحتفال يجدد العلاقة بيننا وبين صاحب الذكرى؟ لاشك أن كلا منا يحب ويود لو تجدد التواصل بينه وبين الأسوة الحسنة محمد (صلى الله عليه وسلم).. والتواصل مع الأسوة الحسنة يتم عبر مشاعر قلبية تثمر تصرفات عملية وعلاقات ترتقى بالإنسان رقيا تساعده على تجفيف مشاكل الحياة، كما تعين الإنسان على حسن التدبير والاستعداد لمواجهة ما قد يستجد من مشكلات وأزمات، كما تساعده على إحسان إدارة الأزمات وإتقان تصفيتها بإيجابية.

(2)

بداية نذكر أنفسنا أن مصطلح «الأسوة الحسنة» الوارد فى القرآن ليس مرادفا للفظ «القدوة»، بل يتجاوزه ويزيد عليه فى دلالته. فلفظ «الأسوة» أحد مشتقات «المواساة» ويعنى «الطب الجراحى»، فالجراح هو الذى يواسى الأمراض الخطيرة بإجراء عملية جراحية. وحينما يصف القرآن الكريم نبينا (صلى الله عليه وسلم) بأنه أسوة حسنة، فإن القرآن يخبرنا أن البشرية كلها مريضة بأمراض نفسية وعقلية كثيرة، وجميعنا بحاجة إلى عمليات جراحية تستأصل الشرور والأخطاء. وتلك الجراحات تتم نظريا وعمليا من خلال النبوة الكريمة، وبمهارة فائقة تغنى المريض عن التخدير اللازم قبل الجراحات. وعلى ذلك فكل مسلم مطالب أن يراجع الآلام الفكرية والنفسية التى يعانى منها ويصارح نفسه بضرورة الشفاء منها، فيسارع بعرضها على الأسوة الحسنة على منهج الرسول (صلى الله عليه وسلم) وسننه)، ثم يتحمل مشقة مفارقة العادات السيئة والألفاظ النابية وما يشبه ذلك، فإن العقول والأنفس يصعب عليها كثيرا استئصال أو استبدال ما تعودت عليه من أفكار وعادات وتصرفات إلا بعزم وتصميم. وها هى ردود أهل المعصية ترفض إعادة النظر والتجديد وترفض إعمال العقل كما حكى عنهم القرآن 7 مرات حيث قالوا «.. إنَا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَةٍ..».

(3)

إن رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم)، صاحب الذكرى، بعثه ربه ليخرج الناس ــ كل الناس ــ من الظلمات إلى النور، وقد أخرج الرسول كل من كان حوله من الظلمات إلى النور، سواء ظلمات العقل والفكر، أو ظلمات التصرفات المالية الخاطئة، أو ظلمات سوء الحكم والإدارة، أو ظلمات الجهل والفقر والمرض. كل تلك الظلمات التى تحيط بالإنسانية يجب على المسلمين أن يتخلصوا منها أولا ثم يسارعوا بتخليص بقية الأمم من تلك الظلمات مجانا ودون أدنى مقابل، ودون استعلاء أو تفاخر، فإخراج الناس من الظلمات إلى النور ــ محض عبادة ــ كلفنا الله بها.

(4)

حيث إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جاء لينشئ أمة نسيجها واحد، التعاون طريقهم، والشورى الصحيحة وسيلتهم، والإيثار طبعهم، والسعى والكدح عملهم، والحرص على الآخر سياستهم، والاستعداد للمفاجآت عادتهم. أمة لا تطغى على أحد ولا يطغى عليها أحد، حياتهم الإعمار ونشاطهم الإصلاح، وغايتهم التى يسعون إليها عالم آمن سالم يسوده العدل والاكتفاء.

(5)

كذلك فقد جاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) داعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، والقرآن الكريم لم يستعمل لفظ السراج إلا فى وصف الشمس ووصفه هو عليه الصلاة والسلام، حيث قال «..وَجَعَلَ الشَمْسَ سِرَاجا» ووصفه فقال «وَدَاعِيا إِلَى اللَهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجا مُنِيرا». فهل أدركنا من هاتين الآيتين أن الإنسان يحتاج إلى الرسول كما يحتاج إلى الشمس؟ فالشمس مصدر الضياء، ومصدر الدفء والطاقة، ومصدر الضوء اللازم للحياة كلها ــ فكذلك الرسول (صلى الله عليه وسلم) ــ لا تستقيم القلوب بغير هداه، ولا تستقر الأنفس بغير تعاليمه، ولا تحيا الإنسانية حياة طيبة دون الاستضاءة بشريعته.

(6)

فهل يسارع كل منا بتجديد علاقته بالرسول الخاتم (صلى الله عليه وسلم)... تعالوا نجدد التعرف عليه، ونصدق فى التلقى منه، ونسعى لتنفيذ ما يأمرنا به، ونعتزل ما ينهانا عنه، فهو (صلى الله عليه وسلم) المبعوث رحمة لجميع العالمين، رحمة لا تعرف العنف وسماحة لا ترضى بالقطيعة.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات