أمريكا تستعد لضعفها القادم - سمير كرم - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 9:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمريكا تستعد لضعفها القادم

نشر فى : الجمعة 9 يناير 2015 - 8:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 9 يناير 2015 - 8:45 ص

لولا الدعم الذى تلقاه التنظيمات الإرهابية فى العالم لكانوا هم الأضعف فى العالم اليوم. وأقوى الدعم الذى تقدمه الولايات المتحدة للإرهاب هو الأقوى عالميا.

ولا يمكن أن تكون الولايات المتحدة وحدها فى العالم التى تدعم قوى الإرهابيين بتنظيماتهم واتجاهاتهم. إن وراءها دولا كبرى ـ تالية فى قوتها للولايات المتحدة ـ وهذه هى الدول التى سبقت الولايات المتحدة فى دور الدول الأعظم والأقوى فى العالم: بريطانيا وفرنسا واسبانيا وألمانيا.

لا مانع لدى الولايات المتحدة سياسيا من أن تقدم كل ما لديها من قوة عسكرية مقابل ان تكسب موقعها الحالى كدولة عظمى. بل لا مانع لديها من ان تكسب هذا الموقع. ففيه تربح مليارات الدولارات. ربما تكون قد ربحت نصف مليارات الارض ككل طوال السنوات المائة الماضية قبل ان تدخل ميدان المنافسة معها على ثروات الارض كل من روسيا والصين. وقد لحقت بها فى هذا المضمار كل من الهند والارجنتين والبرازيل.

•••

يهمنا من هذا كله أن ندرك أن الولايات المتحدة هى القوة التى تقف بكل امكانياتها وراء التنظيمات الارهابية فى العالم. ولو تصورنا ـ مجرد تصور حتى الآن ـ أن القوة الأمريكية تراجعت بحيث لم تعد تحسب على قمة القوى الكبرى إنما صارت فى الترتيب السابع أو العاشر، فإن العالم سيخلو غالبا من قوة تنفرد بالقوة العسكرية والمالية. ولن يكون بإمكان القوى المتقدمة، بما فيها روسيا والصين والهند والارجنتين والبرازيل أن تنافس على المركز الاول. لن يكون بإمكان هذه الدول ان تتنافس على المركز الذى تشغله الولايات المتحدة الآن وقد شغلته لعشرات السنين وتوشك أن تغادره الى ما لا نهاية.

لكن هذا التراجع لن يجبر الولايات المتحدة على ان تبتعد عن دعم التنظيمات الارهابية. بل الواقع ان الولايات المتحدة ستعتمد على القوى الارهابية فى العالم فى منافسة شريرة من أجل ان تحتفظ بمكانة فى العالم. وهذا امر ليس مستبعدا على الاطلاق طالما ان الولايات المتحدة قد جربته وهى فى مرتبة الدولة الاقوى فى العالم. غير ان هذا الوضع الذى تعمل الولايات المتحدة على خلقه فى العالم الآن ليس وضعا مضمونا. فأغلب الظن ان التنظيمات الارهابية ستكون على رأس المهزومين نتيجة لصعود القوى الكبرى التى ستحل محل الولايات المتحدة جماعيا. لكن من المؤكد ان الولايات المتحدة ستعمل من أجل تقوية التنظيمات الارهابية، بل انها بدأت بالفعل العمل من أجل تحقيق هذا الهدف من زمن غير بعيد. أى منذ ان بدأت فى تقوية التنظيمات الارهابية كقوة لمواجهة الاتحاد السوفييتى. ولولا هذا الجهد الأمريكى لما كانت التنظيمات الارهابية تملك الآن ما تملكه من قوة عسكرية وقتالية.

•••

هل تدرك الدول التى ترشحها مواقعها اليوم لدور القوى الاعظم فى العالم خلال سنوات من الآن انها ستجد نفسها فى مواجهة مع التنظيمات الارهابية مدعومة بقوة الولايات المتحدة؟

هذا امر لا مفر منه. انه واحد من حتميات الدور الذى ستلعبه القوى الكبرى فى العالم التى ستحل محل الولايات المتحدة فى المكان الاول بين القوى العسكرية والاقتصادية، وبطبيعة الحال القوى العلمية والتكنولوجية الاكبر فى العالم. فهل ستتمكن الولايات المتحدة من اداء دور تقوية التنظيمات الارهابية فى مواجهة عالم مصمم على التخلص من هذه التنظيمات من خلال تعاون دولى واسع النطاق؟ يبدو حتى الآن ان الولايات المتحدة تمضى فى هذا الطريق بتصميم أكيد على أن تواصل دعم التنظيمات الارهابية. ولكن الدلائل المتوفرة من الآن تؤكد أن دور القوى الكبرى التى ستحل محل الولايات المتحدة لن تكرر الخطأ الأمريكى الذى اوصل أمريكا الى التراجع والقبول بدور القوة الداعمة للارهاب والتنظيمات الارهابية.

وما دمنا قد توصلنا الى هذا الوضع الذى تتراجع فيه الولايات المتحدة وتتقدم قوى كبرى جماعية نحو موقعها يصبح من المحتوم ان نتصور نوعا من العلاقات بين القوى الكبرى والقوى المتوسطة والصغرى مختلف اساسا عن الوضع الذى ساد العالم طوال عدة قرون ـ وضع يمكن فيه محاصرة التنظيمات الارهابية والدول القوية التى تدعمها وتؤيدها وفى مقدمتها الولايات المتحدة ـ وضع يمكن فيه لدول العالم أن تحاصر التنظيمات والقوى الارهابية ثم تقضى عليها.

•••

وإذا ما تساءلنا عن الوضع الأمريكى، وما إذا كان من الممكن أن يأخذ الاتجاه نفسه الذى اتخذته دول العالم وأوصلها الى رفض ودحر التنظيمات الارهابية، فإننا نجد بدايات الاجابة الايجابية على هذا السؤال متضمنة فى الوضع الأمريكى الراهن الذى لا يقبل فيه الشعب الأمريكى، بأغلبية غير حاسمة، دور الدولة الراعية للارهاب فى زمن يتحد فيه العالم ضد التنظيمات الارهابية. انه من المؤكد ان تتطور اوضاع أمريكا السياسية والاجتماعية الى وضع يساير التطور العالمى. ويتوقف الامر عند هذا الحد على اجابة على سؤال آخر هو: من سيحكم أمريكا مستقبلا؟

من المؤكد أن يأتى وقت يحكم أمريكا فيه نظام مناهض للارهاب وتنظيماته، نظام يشارك العالم فى مواجهة ترمى الى تصفية نهائية للإرهاب. كم من الزمن يفصلنا عن هذا الوضع؟ ربما لا يزيد على عشر سنوات من عمر الجيل الذى تصورناه.

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات