معايير اختيار المحافظين - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 2:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معايير اختيار المحافظين

نشر فى : الإثنين 9 فبراير 2015 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 9 فبراير 2015 - 8:00 ص

أخيرا أعلنت الحكومة عن الأشخاص المرشحين الذين استقر الرئيس على تعيينهم كمحافظين، وأشارت الصحف إلى أن من بين الشخصيات السبعة عشر هناك ثلاث من الضباط السابقين وأربع من أساتذة الجامعات وخمس من كبار الموظفين وثلاث من رؤساء الشركات واثنتان من المستشارين.

ولاشك أن هناك الجديد فى هذه التعيينات، فقد انخفض عدد المحافظين القادمين من مؤسسات الدولة التى كان لها فى العقود الخمسة الأخيرة النصيب الأكبر بين القيادات المحلية، وهى القوات المسلحة والشرطة والقضاء. ويبدو من الاطلاع على ما نشرته الصحف عن السيرة الذاتية لهذه الشخصيات أن جميعهم لا غبار عليهم، هم ليسوا معروفين للرأى العام، ولكن لم يتردد اسم أى منهم فى قضايا فساد، ولاشك أن الأجهزة الرقابية قامت بدور محمود فى هذا الصدد.

كما أن الخروج عن التقاليد المرعية فى السابق من اختيار المحافظين من داخل المؤسسات الثلاث المعهودة هو أمر جيد ويستحق التحية، وذلك دون الدعوة إلى حظر الاختيار من هذه المؤسسات، ولكن بشرط أن يكون الاختيار قائما على اعتبارات الكفاءة وليس مجرد الانتماء إلى واحدة منها. ومع ذلك فإن هذه التعيينات يجب أن تفتح الباب لنقاش واسع حول قضية القيادات فى مصر سواء كانت قيادات تنفيذية أو سياسية.

•••

والسؤال الأساسى هو عن معايير الإختيار. أوضح المهندس إبراهيم محلب، والذى كان له دور مهم فى ترشيح بعض هؤلاء المرشحين ممن كانوا مسئولين عن قطاع الإسكان فى بعض الوزارات أو فى القطاع العام أو من أساتذة الجامعات المتخصصين فى قضايا العمران. ووفقا لما نقلته صحيفة التحرير أنه من الضرورى أن يتمتع المحافظ بالقدرة على العمل من 15 إلى 16 ساعة يوميا، ويكون قلبه مفتوحا للمواطنين قبل مكتبه، وأن يبذل كل ما فى وسعه لخدمة كل مواطن فى محافظته.

وأضاف أن منصب المحافظ ليس شرفيا، ولا بد أن يكون مقاتلا وقادرا على العمل وتحريك الأجهزة داخل محافظته، لكى يشعر كل مواطن أن محافظه معه فى منزله. وبكل تأكيد هذه معايير جيدة، وهى تعكس رؤية رئيس الوزراء لما يجب أن يكون عليه المسئول التنفيذى، وتنطبق على ما يقوم به رئيس الوزراء نفسه. ولكن لا يبدو أنها كافية كمعايير لاختيار المحافظين. وسوف يناقش هذا المقال بعض هذه المعايير.

هناك أولا مبدأ تعيين القيادات المحلية فى حد ذاته. وقد ترك الدستور فى المادة 179 أسلوب اختيار المحافظين ورؤساء الوحدات المحلية مفتوحا سواء بالانتخاب أو التعيين، يحدد ذلك قانون يصدر متعلقا بهذه المسألة، ولم يصدر هذا القانون بعد، وليس من السهل التنبؤ بموقف مجلس النواب القادم من هذه المسألة.

من الواضح أن الرئيس عبد الفتاح السيسى يفضل التعيين، لأنه فى الغالب يريد أن يكون متأكدا ممن يتولى الإشراف على الأجهزة التنفيذية فى كل محافظة، وله رأى معروف فى مدى مناسبة الديمقراطية لمصر فى الوقت الحاضر، ولكن الفيصل فى هذه المسألة هو ما يستقر عليه الرأى بالنسبة لطبيعة دور المحافظ، هل يمثل شعب المحافظة لدى الدولة أم أنه يمثل الدولة فى مواجهة شعب المحافظة؟. طبعا يمكن ولابد أن يجمع بين الأمرين، فيكون حلقة الاتصال بين الطرفين.

ولكن الغالب أن الولاء الأكبر هو لمن وضعه فى منصبه، فيكون حرصه الأكبر هو إرضاء رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ويصرف النظر إلى حد ما عن إرضاء مواطنى محافظته. وقد كان ذلك موقف بعض المحافظين الذين خرجوا فى الحركة الأخيرة. بل إن واحدا منهم أثار غضب المواطنين بمسلكه وأسلوب حديثه، ولكنه كان متأكدا من بقائه فى منصبه، لشعوره أنه مسنود فى دوائر الدولة العليا.

طبعا مسألة التعيين أو الانتخاب يجب النظر إليها على ضوء مصلحة البلاد وليس على أساس ما يرضى رئيس الجمهورية أيا كان هذا الرئيس. وربما يكون انتخاب القيادات المحلية هو طريق لدعم التربية الديمقراطية على المستوى المحلى، وهى بكل تأكيد ناقصة فى مجتمعنا، وليس من الصحيح أن انتخاب القيادات المحلية يعنى الانتقال إلى دولة فيدرالية، فهذا هو التقليد المتبع فى فرنسا وإيطاليا وليستا من الدول الاتحادية ونفس الأمر فى بريطانيا حتى قبل قرار السماح للأسكتلنديين وسكان ويلز بأن تكون لهم حكوماتهم الإقليمية. ولاشك أن هذه المسألة ستكون موضع نقاش فى مجلس النواب القادم.

•••

وهناك ثانيا مسألة اختيار المحافظات التى يتوجه لها المحافظون الجدد. من الواضح أن معظمهم لا ينتمون إلى المحافظات التى عينوا فيها. ويتفق ذلك مع النظر إلى المحافظ على أنه يمثل الحكومة شأنه فى ذلك شأن الوزراء، ولذلك لايهم أين يعمل. ولكن هذا يعنى أن المحافظ الجديد لابد أن يقضى وقتا لكى يتعرف على أحوال محافظته، وهو أمر كان يمكن تلافيه لو تم الاختيار من أبناء المحافظة.

والاعتراض الشائع على مثل هذا الاختيار أن ذلك من شأنه تعريض القيادة المحلية لضغوط من الأقارب والمعارف لمجاملتهم على حساب المصلحة العامة. والواقع أن هذا يعنى افتقاد الثقة فى قدرة هذه القيادات على الفصل بين التزامات المنصب والولاء للعصبيات. وخطر المحسوبية فى هذا السياق ضئيل مع وجود أجهزة رقابية واشتراط الشفافية فى تخصيص المال العام، وفى ظل وجود مجالس شعبية منتخبة نرجو أن ترى النور قريبا.

وهناك ثالثا مسألة المؤهلات التى تتمتع بها هذه القيادات وتمكنها من خدمة المواطنين. العمل فى المحليات له قواعده وقوانينه وخبراته، وقد استبعدت هذه التعيينات أصحاب الخبرة فى هذا المجال، وهم كبار العاملين فى المحليات مثل سكرتيرى المحافظات. وقد استقرت هذه القاعدة غير المفهومة باستبعاد العاملين فى المحليات من تولى المناصب القيادية فيها.

وإذا ما استمر الأخذ بهذه القاعدة فلابد من الاستعاضة عنها باشتراط اقتطاع هؤلاء المحافظين الجدد بعضا من وقتهم يقضونه فى مركز سقارة للتنمية المحلية، وهو المؤسسة التى تتولى تدريب العاملين فى الأجهزة المحلية، وذلك حتى يتلقون المعارف والخبرات الضرورية لمزاولة العمل القيادى فى المحليات، ولاشك أن وظائفهم السابقة فى الجامعات أو القضاء أو شركات القطاع العام أو الوزارات المختلفة لم تهيئ لهم ذلك.

وهناك رابعا وكان يجب أن أبدأ بهذه القضية وهى استبعاد المسيحيين من هذه التعيينات. وهذا استسلام للابتزاز الذى تمارسه جماعات متعصبة. سبق للرئيس حسنى مبارك أن عين محافظا مسيحيا فى محافظة قنا، وهذه سابقة تحسب له أيا كان رفض الكاتب لكثير من سياساته وممارساته.

واعترض أبناء قنا مرة أخرى على تعيين محافظ مسيحى من جانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وللأسف الشديد استسلم المجلس الأعلى لهذه الضغوط، وتهرب منها بتعيين نائب لمحافظ القاهرة هو الصديق العزيز سمير مرقس. خلت التعيينات من شخصيات قبطية، وهو انقطاع لبادرة طيبة بدأها مبارك، وهو تجاهل صريح لمبدأ المواطنة الذى يتيح لكل المواطنين أيا كانت عقيدتهم الدينية أونوعهم أو لونهم أو لغتهم أو أصلهم الاجتماعى المساواة فى تولى الوظائف العامة.

وفى نفس السياق خلت هذه التعيينات من أى شخصية نسائية، ليس معيار الكفاءة هو السبب فى استبعاد المسيحيين والنساء، ولكنه الاستسلام للفكر المحافظ.

•••

وأخيرا ولا أريد أن أكون مثل من يفسد الفرح، يجب ألا نعلق آمالا كبارا على ما سيقوم به هؤلاء المحافظون الجدد. فحتى بعد التدريب والتعرف على أحوال المحافظات التى عينوا فيها فإنهم سيجدون أن سلطاتهم محدودة للغاية، لا يستطيعون فرض ضرائب لزيادة إيراداتهم، وميزانية الدولة التى تعانى العجز لا توفر لهم ما ينفقون منه على سد احتياجات المحافظة فى زمن معقول، كما أن أجهزة الدولة الإدارية فى محافظاتهم هى تابعة للوزارات المركزية.

ومن ثم ليس أمامهم سوى أن يكونوا بارعين فى العلاقات العامة، يستعطفون الوزراء أن يتيحوا لهم مزيدا من الاعتمادات وبعض الحرية فى التصرف فى الصناديق الخاصة.

وربما يبذلون بعض الجهد فى تعبئة الأموال من المواطنين فى محافظاتهم، ولكن دون أن يسمحوا فى المقابل لهؤلاء المواطنين بانتهاك قوانين البناء أوغيرها من القوانين مثلما فعل محافظ سابق فى عاصمة ساحلية.

مبروك للمحافظين الجدد، ولكن النقلة فى أوضاع المحليات عليها أن تنتظر قانونا جديدا للإدارة المحلية ووجود المجالس الشعبية المنتخبة.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات