درس نرفض تعلمه - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

درس نرفض تعلمه

نشر فى : الثلاثاء 9 فبراير 2016 - 10:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 9 فبراير 2016 - 10:41 م

ها هى مشاهد نكبة 1948 ومأساة طرد وتهجير الشعب الفلسطينى من أرضه تستنسخ ويعاد إنتاجها اليوم فى موقع غير بعيد.


غارات روسية آمرها ديكتاتور لا يعنيه سفك الدماء أو إشاعة الخراب. ميليشيات تابعة لسفاح البلاد تحرق العباد والبلاد بمعاونة مجرمين دوليين وإقليميين، وتنتقم جماعيا من شعب أراد التخلص من الاستبداد فتكالب العالم الظالم على التنكر له ثم التواطؤ صمتا فى جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية ترتكب بحقه. عصابات إرهاب وجماعات مسلحة تخلط الأوراق بين الخير والشر، وتذبح وتحرق وتقتل وتهجر هى الأخرى دون اعتبار لكرامة الناس ولا لحقوقهم وحرياتهم. حكومات عربية وشرق أوسطية وغربية راوحت مواقفها خلال السنوات الماضية بين تسليح وتمويل بعض عصابات الإرهاب والجماعات المسلحة وبين العجز العسكرى والسياسى والدبلوماسى عن إيقاف آلة قتل السفاح، واليوم تراوح مواقفها بين الرغبة فى الزج بآلات قتلها هى إلى «أرض الدمار الشامية» تحت لافتات الحرب على الإرهاب وبين صمت مريب على الجرائم التى ترتكبها والدماء التى تريقها غارات الديكتاتور الروسى. مئات الآلاف من المجبورين على الارتحال واللجوء، يتوزعون على الجوار فى مخيمات بائسة وعلى المساحات الممتدة بين متوسطنا الغارق فى الدماء والدمار والخراب وبين متوسط الأوروبيين الخائفين على أمنهم ورخائهم الذى لا يريدون اقتسامه مع الغير. آلاف اللاجئين الذين وطأت أقدامهم الأراضى الأوروبية، فحصلوا على شىء من الأمن يقابله لا إنسانية بعض إجراءات الحكومات المضيفة من حرمانهم من لم شمل أسرهم إلى تجريدهم من القليل الذى يمتلكون.


فى الجوهر، لا تختلف مشاهد المأساة السورية فى القرن الحادى والعشرين عن المشاهد التى اختزنتها الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطينى للنكبة ووقائعها المريرة وتوابعها الأليمة فى القرن العشرين. فى الجوهر، لا يختلف أيضا «السيرك الراهن» للمؤتمرات الدولية المعنية بالشأن السورى عن القائمة الطويلة من مؤتمرات «السلام» و«الحلول السلمية» و«المفاوضات الثنائية ومتعددة الأطراف» التى تناولت القضية الفلسطينية وقضايا الصراع العربى ــ الإسرائيلى الأخرى. كما تتبدل المواقع الأوروبية لمؤتمرات «سوريا» بين جنيف وميونيخ، تبدلت مواقع مؤتمرات «فلسطين» بين مدريد وفيينا وأوسلو وبينهم الكثير من العواصم الأوروبية الأخرى. كما تعجز مؤتمرات «سوريا» عن صياغة حلول واضحة للمأساة أو الإيقاف الفورى لجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية أو الحد من سفك الدماء وإشاعة الخراب والتجويع الممنهج للمدنيين السوريين، عجزت مؤتمرات «فلسطين» ليس فقط عن تمكين الشعب الفلسطينى من ممارسة حقه فى تقرير المصير وإنشاء دولته المستقلة بل أيضا عن إيقاف الإجرام الاستيطانى لإسرائيل أو وضع حد لحربها المستمرة على غزة أو إعادة لاجئ فلسطينى واحد إلى الضفة الغربية. كما تساوى موائد المفاوضات فى مؤتمرات «سوريا» بين الجلاد وأعوانه وبين الضحايا وتمتنع عن التمييز بين المتورطين فى القتل والإرهاب والعنف وبين من يقاومون إرهاب الدولة وإرهاب داعش، ساوت موائد المفاوضات فى مؤتمرات «فلسطين» بين الجلاد والضحية حتى اغتيلت فكرة الحق وجرد أصحابه منه وخلطت الأوراق بين سلطة الاحتلال وبين الشعب الباحث عن الانعتاق من الاحتلال واستبدل أمن المحتل بتقرير المصير الشعب الرازح تحت نيران الاحتلال.


نحن الذين لم نتعلم الدرس، نحن العرب الذين تتكرر وتستنسخ مآسينا. نحن الذين لم نعلم الدرس، فلا انعتقنا من استبداد أو من احتلال.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات