ما يسمونه (الاحتجاجات الفئوية) - منى مينا - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 6:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما يسمونه (الاحتجاجات الفئوية)

نشر فى : السبت 10 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 10 مارس 2012 - 8:00 ص

لا يبرح مخيلتى منظر سيدة بسيطة تتحدث فى إعلان يتكرر كثيرا لأحد البرامج الإخبارية، تقول بثقة «الثورة المضادة هى طبعا كل واحد عامل احتجاج عشان مصالحه الخاصة».. هذه هى لب الفكرة التى روج لها الكثير من الإعلاميين، واقتنع بها الكثير من المواطنين المخلصين، بعد نهاية الموجة الأولى من الثورة فى 12 فبراير 2011، وانطلاق موجة عارمة من الاحتجاجات الاجتماعية، التى أطلق عليها «احتجاجات فئوية».. التسمية فى حد ذاتها تحمل بين طياتها الاتهام بأن هذه الاحتجاجات لها أهداف أنانية ضيقة الأفق، تسعى لمصلحة فئة ضيقة على حساب المصلحة العامة للمجتمع.

 

ولكنى أرى الموضوع بصيغة أخرى تماما، لقد انتهت الموجة الأولى للثورة، ليعود الناس لعملهم، ليجدوا نفس الرؤساء الفاسدين يتحكمون بالعمل، وليجدوا أنفسهم يتقاضون نفس الملاليم التى كانوا يتقاضونها قبل الثورة، بينما القيادات الفاسدة مازالت ترتع فى المال العام، وتستأثر بنصيب الأسد منه، ومن الطبيعى هنا أن يسأل كل نفسه لماذا يصبر بعد الثورة على الظلم الذى كان يصبر عليه مرغما قبل الثورة؟ ومن الطبيعى أن يحاول كل قطاع أن يأخذ ما يراه حقوقا عادلة كانت ضائعة لعهود وعهود، وقد آن لها أن ترجع.. وهذه هى باختصار الثورة كما أفهمها «عودة الحقوق الضائعة لمستحقيها».

 

هناك ملحوظة مهمة يرددها بعص المحبين المخلصين لهذا الوطن فى انتقاد الاحتجاجات الفئوية، وهى أن هذه الاحتجاجات قد تعطل الإنتاج أحيانا، وقد تعطل الحركة أحيانا أخرى، فكيف نستطيع أن نبنى وطنا جديدا فى ظل تعطل الإنتاج بدلا من العمل على زيادته؟! الحقيقة أن مسئولية هذا التعطل لا تقع على أكتاف من يضطرون للإضراب أو التظاهر لرفع صوتهم بالاحتجاج، بل تقع على من صموا آذانهم عن الاستماع والاستجابة لمطالبهم، إذ إنه دائما ما يسبق الاحتجاجات رفع للمطالب شفوية ومكتوبة، ومشروحة بكل الطرق، لكل المسئولين المرجو أن يكون عندهم أى حل.. ثم تأتى الاحتجاجات أخيرا كنتيجة طبيعية للامبالاة التى مازالت تقابل بها المطالب ــ للأسف الشديد ــ بعد الثورة.. كما كانت تقابل قبل الثورة.

 

كلنا نتمنى أن نبنى وطنا جديدا، ولكن هذا بالتأكيد يستلزم وضع قواعد جديدة، لتدور بها عجلة الإنتاج فى مصر، القواعد القديمة لدوران العجلة قواعد فاسدة، لم نأخذ منها إنتاجا ولا تقدما اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا علميا، بقدر ما أنتجت ظلما وفسادا سمح لشريحة ضيقة أن تجنى المليارات وتهربها خارج البلاد، وأنتجت على الجانب الآخر الملايين الغارقة فى ظروف شديدة القسوة، لا تسمح لهم بأدنى مستوى من الحياة الإنسانية، وبالتالى تمنعهم من أى مشاركة إيجابية أو مبدعة فى حلم بناء الوطن.. هذه القواعد الفاسدة لم تتغير.. فهل نطالب ملايين المظلومين بالهدوء والسكينة ليستمر دفع عجلة الإنتاج فى نفس الاتجاه؟

 

إذا كنا نريد فعلا أن ندفع عجلة الإنتاج، إذا كنا نريد أن نبنى معا وطنا جديدا للحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، فعلى المسئولين ــ وأخص هنا نوابنا فى مجلس الشعب، لأنهم السلطة الوحيدة المنتخبة بعد الثورة ــ أن يستمعوا باهتمام للمطالب الاجتماعية للشعب المصرى، التى يطلق عليها افتراء «المطالب الفئوية»، ليس فقط حتى يساعدونا فى حل مشكلة هنا أو مشكلة هناك، ولكن حتى يضعوا من التشريعات، ومن قواعد توزيع الميزانية، ما يقدم حلولا جذرية للمشكلات ضعف الأجور، وضعف الخدمات، وفساد الجهاز الإدارى للدولة، وهى المشكلات التى تدور حولها الأغلبية الساحقة لما يسمى «المطالب الفئوية».. لذلك نحن ننتظر من نوابنا إقرار قانون بحد أدنى وحد أقصى للأجور، وننتظر توزيعا جديدا للميزانية يضغط ميزانية الداخلية وقصور الرئاسة، ويعطى للتعليم والصحة نصيبا لا يقل عن 40% من الموازنة العامة، وننتظر تشريعات تسمح للمرءوسين بالمشاركة فى الإدارة وفى محاسبة رؤسائهم وعزلهم عند اللزوم، وتسمح لهم بمراقبة ميزانية الهيئة أو المنشأة التى يعملون بها.

 

إذا بدأنا السير فى هذا الاتجاه، نكون قد بدأنا فى محاولة حل المشكلات التى تتفجر حولنا فى كل مكان، بالطبع لن تحل كل المشكلات دفعة واحدة، ولكن البدء بالسير فى الطريق الصحيح سيجعل من الممكن أن نطالب الناس بالصبر والتحمل.. سنتحمل جميعا إذا رأينا الضوء فى نهاية النفق.. سندفع جميعا عجلة الإنتاج إذا رأينا أنها تدور لتنتج لنا الوطن الذى نحلم به، ليس لتعيد إنتاج أوضاع الظلم والقهر التى بذل شبابنا دمهم الغالى حتى نتحرر منها.

التعليقات