الذى لا يعرف كيف يدبر بيته حسنًا - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 9:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الذى لا يعرف كيف يدبر بيته حسنًا

نشر فى : السبت 9 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 9 مارس 2013 - 8:00 ص

وكلمة يدبر فى العنوان ــ عزيزى القارئ ــ تعنى يدير، والمقصود بهذه الجملة هو المسئول الأول فى البيت وفى نفس الوقت يكون مسئولا عن عمل ما كرئيس مؤسسة أو مصنع أو دولة أو قائد دينى مسئول عن بشر ومؤسسات متعددة الجوانب والأهداف والخدمات ففى معظم بلاد العالم المتقدم تهتم الجماهير بسلوك الرجل الأول وعائلته، ومن المعروف فى الولايات المتحدة مثلا أن أى مرشح لرئاسة الجمهورية لابد من البحث فى تاريخه، وأيضا فى سلوكه وأسلوب إدارة بيته، وهناك عائلات عريقة مثل عائلة كيندى أو بوش وغيرهما لا يمكن ذكر تاريخ أمريكا بدونهما، وفى الستينيات عندما أغتيل الرئيس جون كيندى وترشح أخوه روبرت للرئاسة ثم أغتيل أيضا، ظهر فى الصورة الأخ الأصغر إدوارد، إلا أنه رفض أن يترشح لأنه وقعت له حادثة سيارة وكانت معه امرأة، وهو رجل متزوج وكانت هذه الحادثة بمثابة المانع الأساسى له من الترشح، ولذلك نلاحظ أن أى مرشح لرياسة الولايات المتحدة عليه أن يظهر أثناء حملته الإنتخابية وحتى وصوله لكرسى الحكم مع زوجته، لكى يعبر للشعب عن أنه رجل أسرة جيد يدبر بيته حسنا فيستطيع ويستحق أن يدبر أمريكا، ولعلك تذكر عزيزى القارئ الرئيس ريتشارد نيكسون والذى كانت له شهرة مدوية فى السبعينيات وفاز فى الجولة الأولى وفى اثناء استعداده للجولة الثانية بقوة اقترف كذبة عندما سأله أحد الصحفيين إن كان يعلم أن فريق الرئاسة التابع له يتجسس على فريق الرئيس المنافس وأجاب بالنفى وبعد دخوله البيت الأبيض أكتشف أمر هذه الكذبة فاضطر للاستقالة، ولعلك تذكر أيضا ــ عزيزى القارئ ــ فضيحة بيل كلينتون مع المتدربة فى البيت الأبيض ولولا وقوف هيلارى بجانبه واعترافه هو بما وقع منه بقوله «إنه كانت هناك علاقة غير لائقة»، ولم يكذب وأبدى ندمه كرجل متزوج لما كان يمكن أن يستكمل مدة رئاسته الثانية.

 

•••

 

ولا شك أن الملكة نازلى والدة الملك فاروق كانت إحدى العوامل الرئيسية فى هبوط شعبيته والتى كانت وصلت إلى القمة فى بداية ملكه إلا أن علاقتها مع محمد حسنين رئيس الديوان وعدم حسم الملك لهذا الأمر، بل كان خاضعا تماما لسيطرتها، هذا فضلا على تشجيعها لإحدى الأميرات لتتزوج من يوسف كمال (غير المسلم) مما أثار الاستياء والذى انتهى بقتل يوسف كمال لزوجته وانتحاره، وقد عاشت الملكة والأميرات بالولايات المتحدة أثناء السنوات الأخيرة لحكم فاروق، وبالطبع كان سلوك العائلة أحد الأسباب المباشرة لعدم تعاطف الشعب معه عند قيام ثورة يوليو وسقوطه وتأييدهم المطلق لأبن بنى مر ابن الموظف البسيط عبدالناصر لأنه لم يكن غريبا عليهم ولا على تقاليدهم، ولقد تأصل هذا الفكر عند الشعب المصرى بسلوكيات جمال عبدالناصر مع زوجته السيدة تحية وأولاده، وكان دائما يبدو كرجل عائلة يعتنى تماما بأولاده ولم نسمع إطلاقا عن واحدة أو واحد من أبنائه خرج عن التقاليد المصرية واحترام القانون ومن هم أكبر سنا، بل لم يأخذ أى أحد منهم حقا ليس له لا بالقول ولا بالعمل، لأنه كان يعلم أن والده من المستحيل أن يحميه إذا أخطأ، لقد شعر الشعب المصرى أن أسرة عبدالناصر مثل أى أسرة مصرية عادية، وأن حياتهم لم تتغير بعد وصول الأب إلى سدة الرئاسة وحصوله على شعبية طاغية فى داخل مصر وخارجها وبعد وفاة عبدالناصر استكمل أبناؤه الطريق بدون الخروج عن النص على الرغم من الهجوم الشرس على والدهم، وإتهام الابن الأكبر خالد بتكوينه «لتنظيم مصر» ليستعيد عرش والده، لكنه ثبت بعد ذلك أنه لم يكن ضالعا فى هذا الأمر، وحتى اليوم من نعرفهم من أبنائه مثل عبدالحكيم ود. منى يحظون بكل احترام من الشعب المصرى، ذلك فى الوقت الذى فيه كان أبناء الرؤساء العرب الذين قاموا بثورات فى بلادهم والأمراء فى الدول التى تحكم بنظام الملكية ليضربوا بكل المبادئ والقيم الأخلاقية والعائلية عرض الحائط، ولقد كان صدام حسين نموذجا للرجل الأول الفاسد فى إدارة بيته، وبالتالى إدارة الدولة ولقد ارتكب أولاده جرائم أخلاقية وفسادا مجتمعيا بل وافتراء على البشر المحيطين بهم، وكيف استدرج صدام حسين زوجى ابنتيه بعد تمردهما وهروبهما إلى الأردن وعند وصولهما إلى العراق تم اغتيالهما بطريقة بشعة، وانتهى الأمر بغزو العراق ومصرع عدى وقصى ثم إلقاء القبض على صدام فى داخل حفرة يختبئ فيها كالفئران وحوكم وأعدم بدون أسف من أحد.

 

وأيضا كان السادات رجل عائلة رغم الشائعات الكثيرة التى أحاطت به وبالسيدة جيهان فإنه كان من الواضح أنه أراد أن يبعد ابنه جمال عن السياسة تماما، ولم يكن لجمال السادات أى مواقف غير أخلاقية، وكانت جيهان السادات ذات شخصية كارزمية واستمرت فى الحفاظ على سمعة السادات بعد مصرعه فنالت احترام معظم الشعب المصرى لأنها تتجاوب مع تقاليد الأسرة المصرية لديه.

 

•••

 

أما عن مبارك فقد عاش بيننا العشرين عاما الأولى 1981 ــ 2001 لم نسمع عن ابنيه علاء وجمال ما يشوبهما بل إن معظم الشعب المصرى لم يكن يعلم عنهما شيئا، وكانت أسرة نموذجية، وكانت تحركات ونشاط السيدة سوزان مبارك تتسم بروح الخدمة الحقيقية للشعب المصرى لكن يبدو أن طول فترة الرئاسة كشف الغطاء عن أشياء كثيرة من أطماع فى توريث السلطة ومن انتهازية شديدة، ورغم ذلك عند وفاة محمد حفيد الرئيس تعاطف الشعب المصرى معه وكأنه ابن لكل عائلات مصر، وبالتأكيد كان أحد أهم سقوط مبارك هو أنه فى العشر سنوات الأخيرة لم يعرف كيف يدير بيته حسنا.

 

•••

 

ربما تستغرب عزيزى القارئ من جملة (الذى لا يعرف كيف يدبر بيته حسنا) هذه الجملة جاءت فى وصايا بولس رسول المسيحية إلى تلميذه تيموثاوس والذى كان قد أصبح أسقفا لمدينة كبيرة فى آسيا الصغرى تدعى أفسس أرسل له يوصيه لنفسه ولغيره من الذين يعينون فى منصب الرجل الأول والمعروف أن الأسقف يعتنى بمؤسسات تعليمية واجتماعية تابعة للكنيسة بالقول: «يجب أن يكون الأسقف بلا لوم، بعل امرأة واحدة، صاحيا، عاقلا، محتشما، مضيفا للغرباء صالحا للتعليم، غير شريب للخمر ولا طامع للربح القبيح، بل حليما، غير مخاصم ولا محب للمال، يدبر بيته حسنا له أولاد فى الخضوع بكل وقار، وإنما إن كان أحد لا يعرف أن يدبر بيته حسنا فكيف يعتنى بـ«مؤسسات» الكنيسة؟! ويمكننا تطبيق هذه الوصايا على وقتنا المعاصر بالقول: «إن كان أحد لا يعرف أن يدبر بيته حسنا فكيف يدبر أمور الدولة».

 

 

 

استاذ مقارنة الأديان

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات