تعديلات وزارية وأسئلة متجددة - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تعديلات وزارية وأسئلة متجددة

نشر فى : الإثنين 9 مارس 2015 - 8:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 9 مارس 2015 - 8:30 ص

تثير التعديلات الوزارية فى مصر أسئلة عديدة حول أسبابها ومغزى توقيتها، ومداها، والحكمة من ورائها وأثرها على الأداء الحكومى، ومدى اتساقها مع التقاليد المرعية، وتتضاعف أهمية هذه الأسئلة عندما يكون القائم بها فى مستهل توليه لمنصبه أو بعد فترة قصيرة من توليه هذا المنصب، فأسلوب هذه التغييرات يكشف عن نمط اتخاذه للقرار، وفلسفة الحكم لديه.
ولعل أول الأسئلة هو عن أسلوب التغيير فى حد ذاته، فلم يكن كثيرون يتوقعون تغييرا واسعا على هذا النحو لقرابة خمس الوزارات وقبل شهور من انتخابات نيابية قد تقتضى بدورها إعادة تشكيل الوزارة، وإذا كانت هناك ضرورات ملحة لتغيير وزير الداخلية بعد تدهور أحوال الأمن إلى حد اقتراب تفجيرات الفصائل المسلحة من وسط العاصمة وأمام قصر القبة الذى جرت فيه مراسم تنصيب الرئيس السيسى لمنصبه، فضلا عن تكرار الاعتداء على جنود وضباط الجيش والشرطة بل وتكرار هذه الاعتداءات فى نفس المكان، فليس من الواضح للرأى العام ما هو وجه الإلحاح فى ضرورة تغيير وزراء الزراعة أو التعليم أو الاتصالات. طبعا قد تكون هناك اعتبارات لدى رئيس الجمهورية أو حتى رئيس الوزراء بافتراض أن له دورا فى هذه التعديلات، ولكن لابد وأن يتذكر المراقبون أن مثل هذا الأسلوب المباغت والذى يفتقد الشفافية كان أيضا سمة مميزة للرئيس الأسبق حسنى مبارك، وكان الأمل يحدو البعض، بعد ثورتين ارتفع معهما اهتمام المواطنين بالشأن العام أن يكون أسلوب التغيير مختلفا يعرف معه الرأى العام لماذا يجرى التغيير وأسبابه حتى يطمئن إلى أنه جرى وفقا لأسباب وجيهة، ومن ثم يتحمس للوزراء الجدد، وترتفع درجة ثقة المواطنين فى مسقبل أداء حكومتهم، وهو أمر أصبحت له أهميته فى رفع معدلات الاستثمار وخوض قطاع الأعمال مجالات جديدة تنطوى على قدر من المخاطرة.
***
ربما يكون أحد أسباب التغيير الواسع نسبيا أن رئيس الدولة أراد أن يتخلص من وزير الداخلية، وهو أمر مفهوم، وقد طالبت به قطاعات من الرأى العام بعضها على شاشات التليفزيون، ومن شخصيات معروفة بتأييدها للرئيس، كما طالبت بذلك الأحزاب التى تسمى نفسها بالتيار الديمقراطى والتى أعلنت عن عزمها مقاطعة الانتخابات قبل حكمى المحكمة الدستورية ومحكمة القضاء الإدارى بعد استشهاد المناضلة شيماء صباغ والتأخر حتى الآن فى كشف النائب العام عن المسئول عن اغتيالها، ولكن ربما لم يشأ رئيس الدولة، مرة أخرى اتباعا لتقاليد سابقة أن يبدو كمن «يلوى ذراعه» لاتخاذ قرار بعينه، ومن ثم جاءت التضحية بخمس وزراء سابقين واستحداث وزارتين لكى لا يبدو أن وزير الداخلية هو الوحيد الذى حل عليه غضب الرئيس. بل لقد جرى التخفيف من وطأة التضحية بوزير الداخلية بتعيينه فى منصب مستشار رئيس الوزراء بدرجة نائب رئيس وزراء، وهو منصب بلا اختصاصات، ولكنه تعيين سوف يقلل بكل تأكيد من فرح كثيرين لخروج اللواء محمد إبراهيم من وزارة الداخلية.
وسوف نفترض أن الوزراء الخمس الآخرين الذين خرجوا من الحكومة فى هذا التعديل كان أداؤهم أقل من المطلوب فى هذه الظروف، رغم أن الأمر ليس واضحا فيما يتعلق بوزراء الاتصالات والسياحة والتعليم، ولكن المؤكد أن أداء وزراء آخرين هو أيضا أقل من المطلوب بل إن وجودهم فى الحكومة يسبب لها بل ولمصر كثيرا من المشكلات وسمعة دولية سلبية هى فى غنى عنها. ماذا عن وزير العدالة الانتقالية؟ أليس مسئولا عن قانونى الانتخابات وتقسيم الدوائر الانتخابية، وقد انبرى كثيرون من أساتذة القانون وقيادات منظمات حقوق الإنسان ومعظم الأحزاب السياسية لانتقاد هذا القانون والتحذير من احتمالات الطعن عليه بعدم الدستورية، ومع ذلك أصر عليه الوزير والحكومة بل ورئيس الدولة نفسه. المسئول الأول والمباشر فى هذه الحالة هو وزير العدالة الإنتقالية وهو باق فى منصبه، بل هو الذى سيشرف على تعديل القانونين المذكورين، ولنا أن نتوقع أن يبقى مع من سيختارهم من المستشارين جوانب العوار الأخرى فيهما. ثم ماذا عن وزير التعليم العالى الذى كانت أولى إنجازاته هى تغيير نظام انتخاب القيادات الجامعية ليحل محله أسوأ أسلوب فى اختيار هذه القيادات كانت نتيجته أن بعض الجامعات والكليات مازالت بدون رئيس أو عميد بعد مضى ثلاثة أرباع العام الجامعى، وابتكر قانونا للمستشفيات الجامعية رفضته قيادات كليات الطب الكبرى فى مصر، ولم يجد وسيلة للتعامل مع انتخابات الاتحادات الطلابية إلا بإلغائها هذا العام.
***
سنواصل افتراض أن من خرجوا من الوزراء كان أداؤهم أقل من المطلوب. ولكن هل تواضع أدائهم هو بسبب قصور منهم؟ ماذا كان بوسع وزير السياحة أن يفعل والصحف العالمية تتحدث عن انفجارات فى قلب العاصمة وفى مراكزها التجارية وعن فشل أجهزة الأمن فى تأمين دخول الشباب مباريات كرة القدم؟ وهل بوسع أى وزير للزراعة أن يحقق المستحيل باستصلاح مئات الآلاف من الأفدنة سنويا فى بلد يعانى فلاحوه من نقص مياه الرى؟ وهل توافرت للوزراء الذين خرجوا وغيرهم الاعتمادات المالية الكافية لتنفيذ برامج طموحة وهم يعانون ليس فقط من نقص هذه الاعتمادات فى ظل عجز الموازنة الحكومية؟ فما هو الأداء المتوقع إذا كانت أزمة الطاقة وتكرار انقطاع التيار الكهربى يمسان المصانع وكافة المؤسسات كما يمسان المواطنين؟ دعونا نتفاءل ونتوقع من الوزراء الجدد أن يكونوا أبطالا بواسل فى هذه الظروف؟ ولكن هل تم اختيارهم لأن لديهم رؤية جديدة وأفكارا مبتكرة؟ أم أن التغيير أخرج أشخاصا وأحل مكانهم أشخاصا آخرين دون أن يتميز الجدد بما لم يكن لدى من حلوا محلهم.
ولقد طال التغيير وزير الثقافة والذى عرف بشجاعته فى التعبير عن رؤية مستنيرة لقضايا الثقافة والوطن. قد تكون هناك انتقادات مشروعة لبطء أداء وزارة الثقافة فى ظل توليه لها، ولكن من المعروف أنه دخل فى معركة فكرية مع قيادات محافظة فى مؤسسة الأزهر بسبب هذه الآراء؟ فهل يكون من الحكمة أن يأتى وزير الثقافة الجديد من الأساتذة المساعدين فى جامعة الأزهر؟ ألا يرسل هذا الاختيار رسالة واضحة لجموع المثقفين فى مصر بأن رئيس الدولة ينتصر لرؤية الأزهر بالنسبة لتحديات الثقافة فى مصر؟ وهل من شأن ذلك أن يحشد جموع المثقفين وراء رئيس الدولة، وهم وإن كانوا قد لايتفقون مع وزير الثقافة السابق فى إدارته لوزارة الثقافة إلا أنهم يشاركونه رؤيته المستنيرة لأوضاع مصر؟ ولقد جاء الترحيب بوزير الثقافة الجديد من رموز الحركة السلفية؟ فهل تكون الحركة السلفية وأنصار الرؤية المحافظة لأوضاع مصر هم من يود رئيس الدولة التقرب منهم بهذا الاختيار. ألا يجب أن تكون أفكار وزير الثقافة معروفة للمواطنين حتى يطمئنوا إلى من بيده توجيه المسرح والسينما والأوبرا والموسيقى والفنون التشكيلية هو من يملك دفعها للارتقاء بوجدان المواطنين لا من يضع فى طريقها العقبات.
***
وأخيرا ما هو دور رئيس الوزراء فى هذا التغيير الذى مس ستة من وزرائه وأدخل فى مجلسه وزارتين جديدتين؟ هل اقتربنا من الوضع الدستورى الذى يجعل رئيس الوزراء هو الذى له الكلمة الأولى فى اختيار وزراء الخدمات فى حكومته تاركا لرئيس الدولة أن يتشاور معه فى اختيار من يتولى وزارات الدفاع والداخلية والخارجية أم أن رئيس الوزراء مازال هو السكرتير التنفيذى الأول لرئيس الدولة؟
لا أنكر أن العودة إلى وجود وزارة إسكان يشير إلى تجدد اهتمام الدولة بالقضية السكانية، وأن التعليم الفنى أمر مهم وإن كنت أشك أن الحل الأمثل فى هذين المجالين هو باستحداث وزارات، ولكن أسلوب هذا التعديل وتوقيته يثير أسئلة طالما طرحناها فى مناسبات مماثلة سابقة، وأخشى أن طرحها سيتجدد طالما لا تتغير ثقافة اختيار الوزراء فى مصر.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ــ ومدير شركاء التنمية

 

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات