«لاتزال آليس».. كيف؟ - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 2:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«لاتزال آليس».. كيف؟

نشر فى : الإثنين 9 مارس 2015 - 8:35 ص | آخر تحديث : الإثنين 9 مارس 2015 - 8:35 ص

الأمر مثير لحب الاستطلاع، فعلا، فأن تفوز ممثلة، عن دور واحد، بعشرين جائزة، مسألة غير متكررة، تدفع المتابع، عاشق السينما، إلى السؤال: لماذا؟
الإجابة تأتيك واضحة، حاسمة، مقنعة: لأن النجمة جوليان مور، تصل إلى درجة هائلة من الشفافية الروحانية فى أدائها لشخصية «آليس»، الأستاذة الجامعية، القوية، بدنا وعقلا، التى تحاول ــ بإرادة من حديد ــ إيقاف زحف مرض «ألزهايمر» على كيانها.. لكن النسيان، التوهان، الاكتئاب، العصبية، مظاهر مرضية تداهمها، وهى تراقبها بيقظة، وانزعاج، وتبدو، فى صراع داخلى، من أجل إبقاء نوافذ الذاكرة، أو بعضها، مفتوحة، يتسلل منها أشعة ضياء علاقاتها، مع الحياة، متمثلة فى أعضاء أسرتها، ولحظات من ماض حميم، آخذ فى الاعتام.
«لاتزال آليس»، فيلم حالة، على طريقة تشيكوف، يخلو من الأحداث الكبيرة أو الصاخبة، يغلب عليه الحوار، يدور، فى معظمه، داخل أماكن مغلقة، كما لو أننا أمام خشبة مسرح، وليست مصادفة أن يذكر اسم الكاتب الروسى الملهم، بل نشاهد أحد مقاطع «الشقيقات الثلاثة»، تؤديها ابنة البطلة، فالواضح أن المخرج، ريتشارد جليتزر، وواش ويستمورلاد، اللذين كتبا السيناريو أيضا، عن رواية لليزاجيونوفا، استوعبوا جميعا، درس انطون تشيكوف، المتعلق بعمق المعانى الكامنة، فى تفاصيل الحياة.
جوليان مور، فى المشهد الافتتاحى، تعدو، فى طريقها إلى الجامعة. تتوقف أمام البنايات المتجاورة، ملامح وجهها النحيل تعبر عن مزيج من الدهشة والانزعاج، تتلفت بحيرة وتحاول التركيز لتتبين الطريق إلى مقصدها، ذلك أنها تاهت.. لا تعير للأمر اهتماما، لكن، وهى المتمكنة من علم اللغويات، تفاجأ، أثاء إلقاء إحدى محاضراتها، نسيان الكلمة التى تريد استخدامها، تتوقف للحظة، تشعرنا أنها تنظر داخل نفسها، تحاول رصد حالتها.
لعدة شهور، درست جوليان، مظاهر وتطورات الألزهايمر، وقضت فترة، فى مصحات المصابين بهذا الداء، كى تستوعب معاناتهم وسلوكهم.. ومن ناحيته، عاش المخرج، ريتشارد جليتزر، تجربة فقدان القدرة على التركيز، والكلام، حين أصيب عام «٢٠١١» بجلطة دماغية أدت لنوع من التصلب فى نصفه الأيمن، ولكن، بإرادة لا تعرف المستحيل، واصل حياته كمخرج، يوجه الممثلين من خلال شاشة كمبيوتر، معد لأغراض مماثلة.. لذا، سنلمس، فى أداء جوليان، تفهما عميقا لتطورات الحالة من ناحية، وعلاقتها بنفسها من ناحية ثانية، وعلاقتها بالمحيطين بها، من ناحية ثالثة.
تحاشت جوليان مور الوقوع فى فخ «الميلودراما»، بل ربما تعمدت الاقتصاد فى الانفعالات، لا تعبر عنها بالصراخ، ولكن بمجرد لفتة، ونظرة عين، حائرة تارة، تائهة تارة، تدارى حزنها فى معظم الأحيان، وتحاول الإبقاء على ابتسامة لا تتلاشى إلا فى المواقف العاصفة، والتى تجسدت قمتها حين لم تعرف الطريق إلى حمام بيتها، فأخذت تندفع هنا وهناك، ولما لم تتمالك نفسها، أصيبت بما يشبه ذعر الأطفال. أجهشت بالبكاء لأول وآخر مرة.. يحاول زوجها تهدئة روعها، يخفف عنها بقوله «لم يحدث شىء، سأقوم بتنظيفك». عندئذ، تدرك أن حالتها قد تدهورت.. أحسب أن أداءها لهذا المشهد، كان من دعائم حصولها على الأوسكار.
علاقة «آليس»، بالمحيطين بها، متباينة، وهو ما منح الفيلم الهادئ مظهرا، قدرا غير قليل من الحيوية، يعبر عنها الفيلم على نحو ايحائى.. على الفراش، بجانب زوجها الرقيق، يحاولان استبقاء ذكريات الحب الملتهب أيام شهر العسل، يكتسى وجهها بإحساسين ــ النشوة والخجل ــ ينتهيان إلى القول بأنهما أتيا بأفعال غريبة.. طبعا، لم يفصحا عنها، وتحاشى الفيلم استعادتها.
«آليس»، الأم المحبة لأبنائها الثلاثة، تتخوف على مستقبلهم عقب إخطار الطبيب لها، أن مرضها وراثى، وبالتالى فإمكانية إصابة الأبناء به متوفرة.. طوال الفيلم، نحس نظراتها لهم، مزيجا من القلق والشفقة، ومع هذا، ومثل معظم الأمهات، لا يتوقف «النقار» بينها وابنتها، عاشقة التمثيل، ومع النهايات، تتبادل الأدوار، فتغدو الابنة، حانية، رقيقة، أقرب للأم التى أصبحت، بدورها، أقرب للابنة، أو الطفلة.
لو كان تشيكوف سينمائيا، لحقق هذا الفيلم الحزين، النبيل، الملىء بالشجن، والضياء، ويترجم، على نحو ما، تأمل دورة حياة الفراشات، حسب رؤية والدة «آليس» التى منحتها، قلادة لفراشة، وذكرت لها أن الفراشات، لا يعشن طويلا، مجرد أسبوع أو أسبوعين، وبعضهن، ليوم واحد، ومع هذا.. يعشن فى سعادة، برغم النهاية.. «آليس»، فراشة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات