أزمة الدولار.. الخديعة الكبرى - سلمى حسين - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة الدولار.. الخديعة الكبرى

نشر فى : الثلاثاء 9 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 9 أبريل 2013 - 8:00 ص

اسأل أى مصرى ما هى أكبر مشكلة فى الاقتصاد المصرى سيقول لك نقص موارد البلد من الدولارات وما ترتب على هذا النقص من انهيار الاحتياطى بالنقد الأجنبى... هذه هى الكذبة الكبرى الذى يرددها كل المسئولين المصريين منذ قيام الثورة، فى تواطؤ عجيب حتى لا يسألهم الشعب أين بددتم عشرات المليارات من دولاراتنا ولا لماذا تقترضون من الصندوق وغيره.

 

هكذا نشرت الحملة الشعبية لإسقاط ديون مصر فى بيانها الصحفى الصادر فى ٥ أبريل الماضى. وقامت الحملة بحسبة أثبتت من خلالها أن مصر -وعلى عكس ما تردده حكومات العسكر والاخوان ــ شهدت تدفقًا من موارد النقد الأجنبى دخلت إلى البلاد بعد الثورة مباشرة يفوق أعوام ما قبل الثورة مباشرة!

 

إليكم ما حدث فى العام التالى للثورة مباشرة، وهو العام المالى ٢٠١١/٢٠١٢ والذى بدأ فى يوليو٢٠١١ وانتهى فى ٣٠ يونيو ٢٠١٢. حيث بلغت صافى الزيادة فى الموارد بالنقد الاجنبى فى ٢٠١١/٢٠١٢ (٢،٤) مليار دولار مقارنة بالعام ٢٠٠٩/٢٠١٠. هذا بالإضافة إلى ما لا يقل عن خمسة مليار دولار قروضا خارجية. ولم نتكلم عن ودائع قطر وتركيا وغيرها ولا زيادة الاستثمار الأجنبى والتى جاءت بعد تلك الفترة.

 

 

 

●●●

 

تخيلوا لو كان الخطاب الحكومى بعد الثورة كالآتى: «بفضل الثورة، شهدت مصر تدفقًا غير مسبوق من موارد النقد الأجنبى، مما يتيح للاقتصاد النهوض والنمو فى الأعوام القادمة القريبة، وذلك بفضل المصريين العامليين بالخارج والذين أرسلوا إلى البلاد تحويلات غير مسبوقة بعد الثورة، كما أسهم ارتفاع أسعار البترول والغاز العالميين فى ارتفاع حصيلة البلاد الدولارية». كان سيكون لهم كل الفضل وينسب إليهم الانجاز، ويتمسك بهم المصريون على الأقل كوجه السعد.  فلماذا تضحى أى حكومة بالرضاء الشعبى فى لحظة صعبة مثل لحظة ما بعد الثورة، أليس هذا الرضاء هو مفتاح الاستقرار والأمن؟

 

لأن السؤال التالى مباشرة والذى سيسأله الشعب سيكون «ولم إذًا جرت حكومة شفيق إلى الصندوق لتقترض؟ ولماذا تروج حكومات ما بعد الثورة لسياسات الإفقار والتقشف؟ والسؤال الأهم هو لماذا إذًن انهارت قيمة الجنيه وشح الدولار حتى وصل سعره إلى ما فوق ٨ جنيهات وعادت السوق السوداء؟

 

بل وكيف فقدت الاحتياطات الدولية بالنقد الأجنبى لدى البنك المركزى خلال نفس فترة الانتعاش الدولارى ــ منذ يونيو ٢٠١١، عشرين مليار دولار لتصل فى مايو ٢٠١٢ إلى ١٥،٥ مليار دولار فقط. ألم تكن الحجة هى الدفاع عن الجنيه المصرى ضد الدولار بسبب التراجع الشديد فى موارد مصر بالدولار؟

 

لو قيلت الحقيقة كاملة، كان ساعتها على البنك المركزى وحكومات العسكر -ومن بعدهم الإخوان- أن يكملوا الحقيقة للشعب: «الإجابة هى ان مشكلاتنا الاقتصادية وقعت بسبب تهريب حجم أكبر من الدولارات خارج البلاد. أكبر من كل تلك المليارات التى أغرقت البلاد بعد الثورة».

 

 

 

●●●

 

فقد سمحت حكومات العسكر والبنك المركزى بهروب ١٤ مليار دولار خارج البلاد خلال نفس العام المالى ٢٠١١/٢٠١٢، هذا المبلغ هو الذى خرج بشكل رسمي فى حين أن هناك مصادر مطلعة تقول إن أكبر عمليات التهريب التى تمت بعد الثورة كانت بالشكل الأقدم والأقل تعقيدًا من خلال المطار محمولة فى شنط السفر!، بالمخالفة للقانون، وتحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية التى تشكو من نقص التسليح أمام المتظاهرين السلميين.  ويعد المبلغ الرسمى وحده أكبر من كل الايرادات القياسية التى دخلت البلاد بعد الثورة.

 

خروج الدولارات من مصر هو إذًن السبب الرئيسى فى كل أزماتنا الاقتصادية.

 

بل وإذا أضفنا أن حكومات العسكر اقترضت ٥ مليارات دولار بحسب أرقام الحكومة  و٨ مليارات بحسب حسابات الحملة الشعبية لإسقاط ديون مصر، تزداد الأسئلة تعقيدا:

 

أولا: لماذا سمحت الحكومة بهروب تلك العشرات من المليارات بدون رقيب ولا اجراءات اقتصادية متعارف عليها دوليًا للحد من هذا الهروب؟

 

أصابع الاتهام تشير إلى البنك المركزى والحكومات معًا. ولا ننخدع بحجة حرية الأسواق. أولًا لأن حرية الأسواق يجب أن تكون مبنية على الشفافية لا على الكذب. ثانيًا: لأن الأزمات المالية المتكررة فى العالم بسبب حرية دخول وخروج رؤوس الأموال الأجنبية من وإلى البلاد، جعلت حتى سلفيى الفكر الرأسمالى يعيدون التفكير فى هذه العقيدة فيما يشبه المراجعات الفكرية للسلفيين.

 

ثانيا: من يمتلك تلك الأموال الهاربة؟ قد يخدعونك ويقولون أنهم مستثمرون أجانب فروا هاربين من عدم الاستقرار السياسى وأن معظم الأموال التى خرجت كانت من مالكى أذون الخزانة المصرية والذين استردوا أموالهم وفضلوا عدم البقاء بالبلاد. وهى معلومة خاطئة ولكن إن صحت فهذا يعنى أن مالكى أذون الخزانة مسألة أمن قومى، إذ تبين بعد الثورة أن هذا الدين المحلى الذى نعتقد أنه بالعملة المحلية ما هو إلا دين أجنبى مستتر يترتب على سداده مستحقات بالدولار. لكن الأهم.. من أدراك أنهم فعلا أجانب؟

 

 

 

●●●

 

من المعلوم لدى السلطات المصرية أن عائلة مبارك وكذلك معظم رجال الأعمال المصريين يمتلكون صناديق استثمار أجنبية. أى أنهم يؤسسون لشركاتهم المصرية كأجانب، وهذا يساعدهم على تهريب أرباحهم بشكل مستمر خارج البلاد. ومن غير المستبعد أن يمتلك هؤلاء أجزاءا كبيرة من الدين المحلى. ألم يشتر جمال مبارك أجزاءًا من ديون مصر الخارجية بتراب الفلوس فى بداية التسعينيات، لتصبح الدولة المصرية مدينة له؟

 

وهنا تأتى أهمية مراجعة وتدقيق الديون المصرية المحلية والخارجية. فمن حق الشعب أن يعرف من يمتلك ديونه.. فمن يملك ديوننا يمتلك ــ بقصد أو بدون قصد ــ أن يورط الاقتصاد والمواطنين فى أسوأ أزمة اقتصادية منذ بداية الثورة.. أعتقد أن أول خطوات العدالة الانتقالية يجب أن تشمل ما جرى فى الاقتصاد عن طريق توريط مصر فى الاستدانة بالجنيه وبالدولار. سواء طوال أعوام مبارك الثلاثين أو ما تلاهم من حكم العسكر، أوالإخوان الذين يسيرون على نفس الخطى، حارمين مصر من موارد هائلة تتيح لها تعليم وعلاج الملايين من المصريين مجانًا وعلى أعلى مستوى فهذا ما يحقق التنمية والتنمية حرية. تريدون مفاتيح الثورة الاقتصادية المضادة؟ ها هو ما يمكن أن يكون أولها.

 

 

 

صحفية من مصر

سلمى حسين صحفية وباحثة متخصصة في الاقتصاد والسياسات العامة. قامت بالمشاركة في ترجمة كتاب رأس المال في القرن الواحد والعشرين، لتوماس بيكيتي. صدر لها في ٢٠١٤ كتاب «دليل كل صحفي: كيف تجد ما يهمك في الموازنة العامة؟».
التعليقات