عن الأزمات وأسلوب إدارتها - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن الأزمات وأسلوب إدارتها

نشر فى : الإثنين 9 مايو 2016 - 11:20 م | آخر تحديث : الإثنين 9 مايو 2016 - 11:20 م
ليس فى نيتى أن أضيف هنا إلى ما كتبه وقاله آخرون طوال الأسبوعين الماضيين دفاعا عن حرية الإعلام واستقلال نقابة الصحفيين، أو تنديدا باستمرار ملاحقة الدولة للشباب المحتج على سياساتها. ولكن الوضع الراهن لا يسمح بمجرد تسجيل هذه المواقف المبدئية، بل يتطلب تقديرا لخطورة اللحظة التى يمر بها الوطن، وشجاعة فى الخروج من حالة الاحتقان الراهنة.

جوهر الأزمة لا يكمن فيما تتعرض له الدولة من أزمات متلاحقة بل فى أسلوب التعامل معها والذى يتلخص فى العمل على تشويه كل من لهم رأى متحفظ أو معارض للموقف الحكومى، ثم الحديث عن الإنجازات التى تتم فى مجالات مختلفة. وفى الحالتين فإن الموضوع الأصلى يظل بلا تناول موضوعى ومقنع للرأى العام.

قضية جزيرتى «تيران» و«صنافير» وما ترتب عليها من تظاهرات يومى ١٥ و٢٥ أبريل، ثم الملاحقة الأمنية لمئات الشباب المحتجين سلميا، ثم الصدام بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية، مثال واضح على هذا الأسلوب فى التعامل مع الأزمات.

على جانب التشويه فقد انطلقت الحملة المعتادة لتوجيه الاتهامات بالخيانة والعمالة والانتماء للطابور الخامس إلى من تجرأوا على انتقاد الأسلوب الذى تم به مفاجأة الشعب المصرى باتفاق ترسيم الحدود أو بإبداء آراء تعارض الاتفاق وتدعو الحكومة لمراجعته. وتكرر ذات الأمر مع الداعين للتظاهر السلمى ضد الاتفاق، ثم المشاركين فيه، ثم المدافعين عنهم. وتكرر مرة ثالثة مع نقابة الصحفيين وقيادتها ومن وقفوا فى جانب حرية التعبير واستقلال النقابة. وطوال هذه الأسابيع الماضية لم تقدم الدولة وجهة نظرها بشكل واضح ومتكامل لا فى موضوع الجزيرتين ولا فيما ترتب عليه، بل اكتفت بتصريحات عامة من المسئولين حول ضرورة الثقة فى الدولة وأجهزتها، والإيمان بأن مصلحة مصر فوق كل اعتبار آخر، بجانب شهادات المعلقين والخبراء الاستراتيجيين والأساتذة الجامعيين الذين لا يعبرون فى نهاية الأمر إلا عن أنفسهم.

وأما على جانب الإنجازات فإن تداخل الأمرين معا ــ الأزمة التى كانت تشغل الرأى العام مع افتتاح مشروع جديد ــ يؤدى إلى خلط الصالح مع الطالح. وفى النهاية فلا الناس يجدون إجابات وتفسيرات ترضى رغبتهم وحقهم فى معرفة ما يجرى، ولا المشروعات التى تتحقق على الأرض تأخذ نصيبها من الاهتمام والجدية بل تتحول إلى مجال جديد للسجال والاستقطاب بعيدا عن تقدير وفهم لقيمتها الموضوعية أو نقاش حقيقى حول ما تقدمه للوطن.

هذا الأسلوب فى تجاهل الموضوع الأصلى والعمل على تشويه من ينتقدونه هو ما يجعل كل قضية جديرة بأن تكون محلا لنقاش محترم ومفيد تتحول إلى ساحة جديدة من ساحات الصراخ والاتهامات البذيئة والنزول بالموضوع إلى أدنى مستويات الحوار. والنتيجة أننا بدلا من أن نتعامل مع قضايا حقيقية يمكن أن تكون محلا للاختلاف الفكرى والسياسى بين تيارات متصارعة أو بين حكومة ومعارضة كما هو طبيعى ومطلوب فى أى مجتمع تسوده التعددية، ننتهى فورا إلى حالة الاستقطاب الحاد وغياب الحوار بين الأطراف المختلفة بما يجعل التصعيد حتميا ويدفع بالبلد إلى مزيد من المواجهات التى يتحمل الشعب ثمنها فى نهاية الأمر.

ما سبق ليس تمهيدا للمطالبة بنبذ الخلافات ولا القول بأن على الأصوات المعارضة أن تصمت حفاظا على وحدة الصف. بالعكس فإن الدولة لن تتقدم إلا بالتعدد فى الرأى وباحترام القانون والدستور ورفع القيود عن حريات التعبير والاحتجاج السلمى. هذه هى أدوات المجتمع للمشاركة فى الحكم والرقابة عليه وتصحيح مساره، وهى أيضا صِمَام الأمان الذى يحتاجه الحاكم قبل المحكوم. وانحياز كل طرف للرأى الذى يراه صوابا شرط أساسى للتقدم وبناء المجتمع والاقتصاد على أسس سليمة.

ما يحتاجه الوطن فى هذه اللحظة الفارقة ليس السكوت الرسمى وتجاهل الاحتجاج الشعبى فى القضايا الكبرى، ولا أيضا المطالبة بأن ينصت الناس لرأى الحاكم وحده. ما نحتاجه هو أن تسلك الدولة مسارا مختلفا يتعامل مع الشعب باعتباره شريكا وصاحب قرار وبالتالى له حق المعرفة والمتابعة والتقييم والرفض، وليس باعتباره متلقيا لمنح ومفاجآت تأتى إليه ليقبلها صاغرا وسعيدا. ومهما كانت ضخامة وأهمية مشروعات الإسكان والزراعة والطاقة التى تنفذها الدولة فإنها قد تكسب رضاء الناس بشكل مؤقت، ولكن غياب المشاركة والمعلومات وعدم الاستعداد لسماع الأراء المختلفة بشأنها يجعلها آن عاجلا أم آجلا محلا للتوجس والانتقاد.

لا بديل للحكم الرشيد من أن يعترف بوجود مجتمع وقوى سياسية واجتماعية يلزم التفاعل معها وإشراكها فى صنع القرار وتحمل انتقادها. بغير ذلك فسوف نظل ندور فى ذات الحلقة المفرغة التى لن تحقق لا التنمية ولا الاستقرار اللذين يتوق إليهما الشعب.
زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.