«محمد خان».. عندما يحكى - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«محمد خان».. عندما يحكى

نشر فى : الخميس 9 يونيو 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الخميس 9 يونيو 2016 - 10:00 م
قبل حلول شهر رمضان، انطلق المخرج محمد خان فى الحكى والسرد الممتع فى ندوة لمركز«دال» للأبحاث والإعلام بجاردن سيتى حول كتابه «مخرج على الطريق» الصادر عن الكتب خان. صاحب «الحريف» و«هند وكاميليا» و«فتاة المصنع» كان يستأثر قديما بانتباه زملاء الفصل، يقول الطلاب: «خان يا أستاذ»، يطلب منه المدرس أن يقف أمامهم ليتحدث، ويقدم قصصا مشوّقة، ولكنه فى ندوة «دال» كان يقدم خلاصة تجربته السينمائية بكل تفاصيلها، ويقول آراء مهمة جدا عن صنع الأفلام. سجّلتُ لكم هذه النقاط من كلماته التى تستحق التأمل، وإن كنت لا أستطيع أن أنقل بشكل كامل طريقته الخاصة فى الأداء وإلقاء الدعابة، عندما يتيقن أن الحضور معه على نفس الموجة:
ــ كنت أعرف أننى سأنجح، لا أعرف كيف، ولكنى كنت أشعر بذلك.
ــ سألنى نور الشريف، وأنا أجلس معه فى سيارته الفولكس فاجن الخضراء، عن المبلغ الذى أطلبه نظير إخراج «ضربة شمس»، فقلت له وأنا لا أعرف أى شىء عن سوق السينما المصرية: «آخذ 1500 جنيه، فإذا زادت مدة عرض الفيلم عن 17 أسبوعا أحصل على 1000 جنيه زيادة، على أن يُسجّل ذلك فى العقد»، وقد حصلت فعلا على هذا المبلغ الإضافى، عندما حقق الفيلم نجاحا ضخما.
ــ أختار مديرى التصوير بطريقة الكاستنج، أى المصور المناسب للفيلم المناسب: سعيد شيمى صديق العمر والحلم، وقد حققنا معا أفلاما مهمة، على الغزولى مثلا اخترته لتصوير «عودة مواطن» بسبب مهارته كمصور متمكن بالطبع، ولكنى كنت أعرف أسرة زوجته، وكنت أعرف أنه شخص دقيق للغاية، ويعتنى بهندامه، وكل شيء لديه فى موضعه، وهى طريقة حياة تناسب تماما فيلم «عودة مواطن».
كان لدى حلم مثلا أن أخرج فيلما تشارك النساء فى كل فروعه، فلما جاء «بنات وسط البلد» اخترت مديرة التصوير نانسى عبدالفتاح، وكان ذلك أول أفلامها السينمائية.
ــ اختيار مدير التصوير يتم بطريقة الكاستنج، أما «المونتير» فهو أمر مختلف، لا بد أن يعرف جيدا ما فى دماغى، وطريقة تفكيرى، ولهذا كانت نادية شكرى مونتيرة كل أفلامى، ثم استكملتُ المشوار مع دينا فاروق.
ــ كنتُ مفلسا أنا وبشير الديك، فجاءنا منتج يسألنا: عندكم سيناريو؟ فقلنا: نعم، هكذا ولد فيلم «نص أرنب»، ولكنى حتى فى هذا الفيلم، وتحت تلك الظروف، حاولتُ أن أقدم شيئا مختلفا، أوقفتُ العمل أثناء التصوير بالإسكندرية، واستكملناه بعد ذلك، هنا درس مهم هو أن الفيلم سينتهى مهما كانت الظروف، هكذا علمتنى التجربة، وهكذا فعلتُ فى «فتاة المصنع»، الذى استكملناه بالسلف والاقتراض حتى ظهر للجمهور.
ــ ولدتُ فى غمرة، وعشتُ فى أرض شريف، حيث توجد داران للسينما أمام بيتنا، فنشأتُ عاشقا للسينما، وكنت ابنا وحيدا لوالدى، وعندما ذهبت إلى لندن فى سن الـ17 لدراسة الهندسة، عرفت ــ بالمصادفة من جار سيريلانكى ــ بوجود دراسة للسينما، فتغيرت حياتى إلى الأبد، كان معهد الدراسة حجرتين فوق السطوح فى عمارة فى سوق للخضار، أرسل لى بعد ذلك صديق العمر سعيد شيمى، أخبرنى بوجود شركة جديدة باسم فيلمنتاج (الشركة العامة للإنتاج السينمائى)، أرسلت رسالة إلى صلاح أبو سيف مدير الشركة، فطلب منى الحضور، على أن أقدم له نفسى من خلال كتابة عملين أحدهما طويل والثانى قصير، وقمت بذلك فعلا فى 3 شهور، فعُيِّنتُ فى لجنة القراءة بالشركة، وكان هناك كثيرون فى لجنة القراءة مثل هاشم النحاس ورأفت الميهى ومصطفى محرم، ولكنى تركت العمل بعد عام إذ وجدته عملا مكتبيا، كما أن حماسنا لفيلم «الجبل» الذى أخرجه خليل شوقى، انتهى إلى إنجاز فيلم لم يحقق نجاحا جماهيريا على الإطلاق، فشعرت بخيبة الأمل، سافرتُ بعدها إلى بيروت حيث عملت مساعدا فى أفلام تافهة، ثم عدت إلى لندن، وكنت أقرب إلى عمدة للمصريين، حتى طلبت منى نادية شكرى العودة إلى مصر لعمل أفلام، فعدت، لتتغير حياتى للمرة الثانية.
ــ الفارق بين سعاد حسنى وفاتن حمامة هو الفارق بين الموهبة العفوية التى تجسدها سعاد والفنانة المحترفة التى تجسدها فاتن، ولكل طريقة ميزة معينة، أما أحمد زكى فهو عبقرى، ولم يملأ فراغه أحد حتى اليوم، ودائما أقول للممثلين أن يقللوا من انفعالاتهم، وأكرر: «دى سينما مش مسرح»، أعظم مخرج فى العالم لن يستطيع أن يفعل شيئا، أو أن يخرج شيئا، من ممثل غير موهوب.
ــ نصيحتى هى عدم اليأس، لا تيئس أبدا كصانع للأفلام، تأثرتُ بأفلام أنطونيونى، والتقيته فى لندن أثناء تصويره فيلم «blow up» فى إحدى المكتبات، كانت معه سكرتيرته، تابعتُه عندما نزل إلى الشارع، طرقتُ على زجاج سيارته، قلت له إننى معجب بأفلامه، فشكرنى. قابلته بعدها بسنوات طويلة فى مهرجان قرطاج، حيث عرض المهرجان لى فيلم «خرج ولم يعد»، سألت أنطونيونى فى قرطاج عن آنا بطلة فيلمه «المغامرة» وأين اختفت، فقال لى: لا أعرف، سألته عن مقولته الشهيرة والصحيحة بأن كل مخرج فى الواقع لا يخرج سوى فيلم واحد فى حياته، ولكن بطرق وأشكال مختلفة، فقال معلّقا: «سيكون المخرج محظوظا حقا إذا أخرج فيلمين».
ــ أعجبنى مخرجون كثيرون مصريون مثل هنرى بركات، أحب له كثيرا فيلم «الباب المفتوح»، صلاح أبو سيف مخرج كبير، وفيلم «السقا مات» عمل عظيم، أحب ممدوح شكرى مخرج «زائر الفجر» الذى مات مبكرا، والمخرج الراحل سعد عرفة، وأحب يوسف شاهين حتى فيلم «اسكندرية ليه؟» فقط، ولكنى لم أتأثر بكل هؤلاء، رغم إعجابى بأعمالهم.
ــ الجمهور عموما يتميز بالتناحة والسماجة أثناء التصوير فى الشارع سواء فى القاهرة أو الإسكندرية، مرة كنت أصور الممثل عماد محرم فى مطاردة فى ممر الكونتيننتال ضمن أحداث فيلم «الثأر»، فجأة ظهر أحدهم، وأشار بيده أمام الكاميرا، فأفسد اللقطة، انفعلت عليه، وقلت له بصوت عال: «إنت فاكر إن إنت ح تظهر فى الفيلم، ده أنا ح امزق اللى اتصور»، فأعتقد أننى مجنون، ومرة كنا نصوّر فى محطة كوتسيكا أحد مشاهد فيلم «ضربة شمس»، فقام صبى صغير بالاستماع إلى تعليماتى للمساعدين عن مسار اللقطة، فأخذ المترو من محطة سابقة، ثم ظهر أثناء التصوير فى محطة كوتسيكا أثناء دوران الكاميرا ليلوّح لنا بيده، طبعا أفسد اللقطة، وكنت عايز أقتله.
ــ أرفض عمل فيلم عن قصة حياتى، لأنه سيصنّف وقتها للكبار فقط (ضحك) ثم من هو أصلا الممثل الذى يجرؤ على تأدية دورى على الشاشة؟!!
ــ فيلم «خرج ولم يعد» صورناه لمدة أربعة أسابيع فى قرية بجوار كفر شكر، وكنا جميعا مستمتعين للغاية، عندما تكون كواليس الفيلم مريحة ينجح العمل، ويظهر ذلك على الشاشة، من مفارقات هذا الفيلم أن الترعة التى ظهرت فى الأحداث، وصوّرناها أمام الحديقة، أو الجنة كما يصفها عطية بطل الفيلم، كانت مليئة بالمجارى فى الواقع! السيناريو عن كتاب إتش إيه ييتس «براعم الربيع»، الذى قرأته عدة مرات بالإنجليزية فأعجبنى، وكنت أضحك كثيرا من محاولات رجل فى الريف اصطياد مأمور ضرائب كعريس لبناته الكثيرات، ولكن عاصم توفيق قدّم تمصيرا ممتازا، عن ذلك الرجل الذى يستمتع بكل لحظة فى حياته فى القرية.
ــ أهتم دوما بالصورة، وأقول قبل العمل إننى سأقدم لقطات رائعة من زوايا مختلفة، ثم أجدنى فى النهاية أميلُ إلى البساطة، وأركّز على الشخصية والإنسان الذى أحكى عنه.
ــ كانت الملاحظة الوحيدة لمسئولى الأمن على فيلم «زوجة رجل مهم» أن أحداث 18 و19 يناير كان فيها وقائع شغب، فأضفتُ مشهد إلقاء قنبلة مولوتوف وإحراق سيارة، وهكذا مرّ الفيلم وتم عرضه، ولا أجد تناقضا بين هذا الفيلم، وعمل فيلم فيما بعد عن السادات؛ لأن ما جذبنى لفيلم «أيام السادات» هو تحقيق حلم من أحلام أحمد زكى، كما جذبتنى كثيرا شخصية السادات نفسه بتفاصيلها الدرامية، ذلك الصبى الفقير الذى صار رئيسا للجمهورية.
محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات