الأجندات الأجنبية والمنظمات الأهلية - خالد منصور - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 2:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأجندات الأجنبية والمنظمات الأهلية

نشر فى : السبت 9 يوليه 2011 - 10:05 ص | آخر تحديث : السبت 9 يوليه 2011 - 10:05 ص

 تصاعد جدل لافت فى الأيام الأخيرة حول التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى العاملة فى مجال حقوق الإنسان فى مصر، ومن المفارقة المذهلة ان الأصوات التى تنتقد هذا النوع من التمويل تكرر فى معظم الأحيان نفس الحجج التى طالما استهلكتها حكومات مبارك واتهمت فيها هذه المنظمات بشكل مباشر أو غير مباشر بالعمالة للأجنبى أو ان للأجانب أجندات للتدخل فى مصر عن طريق منظمات المجتمع المدنى. هذه الحجج قليل منها حق ولكن حتى هذا القليل يراد به باطل، والأهم أنها تغفل القضية الحقيقية وهى ان الوقت قد حان ليقوم شعب مصر والقادرون منه على وجه الخصوص بتمويل المنظمات الحقوقية الجادة لتصبح قطعة من نسيج مجتمعنا المصرى، مسئولة أمامه ومؤثرة فيه.

●●●

منذ ظهور المنظمات الحقوقية بقوة فى مصر (وكل دول الجنوب فى العالم) فى الثمانينيات والتسعينيات وهى تعتمد ــ وما زالت ــ على تمويل فى معظمه أوروبى وأمريكى يأتى من الحكومات أو من المؤسسات الخاصة الكبرى مثل «معهد المجتمع المفتوح» لمؤسسه جورج سوروس وغيره. ولا شك ان لهذه الحكومات والمؤسسات «أجندات» ومصالح ومعظمها معلن يمكن قراءته والتعرف عليه من عشرات المطبوعات والمواقع الإلكترونية المتوافرة حول المساعدات الدولية على الإنترنت. وقد تتفق أحيانا مصالح هذه المؤسسات والحكومات مع مصالح واهداف منظمات تسعى إلى الدفاع عن حقوق الإنسان (السياسية والاقتصادية والاجتماعية) وهى الحقوق التى انتهكت بشكل منهجى فى بلادنا لفترة طويلة، وقد لا تتفق هذه المصالح أو المبادئ ولذا هناك منظمات مصرية حقوقية ترفض تلقى التمويل من جهات أجنبية معينة ولكنها تقبل بالتعامل مع أخرى. وما نحتاجه هنا هو التوقف عن الصراخ الهيستيرى والمغرض أحيانا حول المؤامرة المزعومة والتدخل الأجنبى والاجندات اللعينة، والنظر فى تحقيق مزيد من الشفافية والعلانية حول التمويل ومصادره وأوجه إنفاقه. ويستوى فى أهمية هذه الشفافية والعلنية المنظمات غير الحكومية والمؤسسات التابعة للدولة التى تتلقى مئات الأضعاف من المساعدات من الحكومات الغربية وغير الغربية مقارنة بالمنظمات غير الحكومية.

●●●

وباختصار فإن عالمنا فى القرن الواحد والعشرين صار متشابكا ويمكن لكل من يدافع عن قضية سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية بسبل سلمية ان يجد حلفاء ورفاق طريق فى أنحاء العالم، وفى الحقيقة فكل المنظمات فى أنحاء العالم تفعل هذا وفى بلدنا ايضا، يستوى فى هذا الإسلاميون والعلمانيون. وبينما تعلن الحكومات والمؤسسات الغربية عادة عن تمويلها لا نعرف الكثير عن التدفقات التى لا شك فى ضخامتها من دول عربية وإسلامية، لها أيضا مصالحها الخاصة مثل كل دول العالم، لمنظمات أهلية. وما يجب ان ندعو له وأن يطبق على الجميع هو قانون جديد واضح يتم وضعه بسبل ديمقراطية بعد حوار مجتمعى وينظم تدفق أى أموال ومساعدات خارجية سواء للحكومة أو للمنظمات غير الحكومية ويكون أساسه العلانية والشفافية على ان تكون كل الانشطة الممولة قانونية ولا تمثل تدخلا فى المعترك السياسى (تحظر مثلا دعم الحملات الانتخابية والأحزاب السياسية إلى آخره). وهناك قوانين مماثلة فى دول عديدة تنظم مثل هذه التبرعات والتدفقات المالية.

مثل هذا القانون سيخلصنا من التحديات الثانوية والجدال الفرعى الدائر وتفرغ طاقاتنا للتحدى الأهم والذى، فى اعتقادى، صار ممكنا مواجهته والتغلب عليه بعد الانتفاضة الشعبية فى ثورة 25 يناير. هذا التحدى يتمثل فى تمكين المنظمات الحقوقية المصرية من التحول إلى منظمات أهلية حقا يمول عملها أبناء البلد الذين تدافع عنهم.

●●●

وأحد المسارات الممكنة لتمكين هذه المنظمات من إجراء هذا التحول هو أن تسعى الراغبة والمناسبة منها للتحول لمنظمات عضوية على ان تسعى بقوة لتوسيع قاعدة عضويتها واستغلال الاشتراكات المالية للأعضاء فى تمويل أنشطتها. ولن يخشى الأعضاء ان تطاردهم أجهزة الأمن بل ويمكن لهم الحصول على إعفاءات ضريبية تناظر جزء من هذه التبرعات وفقا للقانون. سيجعل هذا التحول هذه المنظمات تتجذر أكثر فى طبقات المجتمع المصرى بدلا من أن تستمر متمركزة فى معظمها فى القاهرة ووسط الفئات الأكثر تعليما وقدرة مادية.
وحتى يتحقق هذا الأمر الذى سيتطلب عملا جادا وشاقا من المنظمات فعلى المنظمات أن تدعو القادرين والمهتمين من المصريين لتقديم الدعم المادى مباشرة لها.

أنا متأكد، على سبيل المثال، ان هناك ألف مصرى على الأقل (ليسوا من اصحاب الملايين ولكنهم من أصحاب الدخول المرتفعة فى داخل وخارج البلاد) يمكن لكل منهم ان يتبرع بألف دولار سنويا للمنظمات الحقوقية المصرية. والحصيلة مليون دولار يمكن ان تكون الخطوة الأولى فى استقلال هذه المنظمات المادى عن التمويل الأجنبى، وزرعها (أو رشقها وفق التعبير السائد فى مصر الآن) فى تربة المجتمع المحلى.

وأدعو أيضا سيدات ورجال الأعمال المصريين الواعين لأهمية دور حقوق الانسان (ليس فقط فى تحقيق كرامة أبناء الشعب ولكن فى نهاية المطاف فى تمتين الأساس الضرورى لعمل أى نظام رأسمالى حقيقى وليس العصابة التى كانت تحكمنا) إلى تقدم الصفوف والتبرع للمنظمات التى يرون انها تمارس عملها بفاعلية وكفاءة وبعيدة عن شبهات التربح التى نالت البعض. منذ أيام قليلة تبرع المدير المالى الشهير محمد العريان رئيس أحد أكبر صناديق السندات المالية فى العالم بثلاثين مليون دولار من ماله الخاص لمشروع زويل العلمى فى مصر. أدعو العريان أن يتبرع بمليون دولار واحد لخمس جمعيات حقوقية مصرية يمكن ان يختارها مجلس حكماء من كبار الشخصيات القانونية والعامة فى مصر وفقا لمشاريع محددة. أتوجه بنفس النداء للعديدين من رجال الأعمال والأثرياء المصريين. لقد ساهم رجال أعمال مصريون وعرب بملايين الدولارات فى تمويل مؤسسات ومشاريع اهلية فى الغرب (وأحيانا قليلة فى بلادنا)، وحان الوقت لكى ينفقوا الجزء الأكبر من تبرعاتهم هذه فى بلادهم وليس فى صورة مشروعات خيرية وتبرعات للفقراء فقط بل من أجل دعم المؤسسات والمنظمات الحقوقية. العمل الخيرى مهم ولكن توعية الناس بحقوقهم وضمان ان تكون القوانين والقواعد والممارسات فى مصر الجديدة ضامنة لحقوق الإنسان وكرامته أمرا لا غنى عنه ويستحق الدعم المادى والمعنوى.

●●●

وعندما تتحول المنظمات الحقوقية المصرية تدريجيا لمنظمات أهلية (يعنى فعلا مسئولة أمام أهالى بلدها وممولة منهم) سيكون هذا انتقالا نوعيا عظيما ومفيدا لها وللبلد ولنشر ثقافة حقوق الإنسان. عندما تتلقى منظماتنا الحقوقية المصرية دعمها المستمر من أعضائها ومن مناصريها بأعداد كبيرة حيث يقدم كل فرد تبرعا صغيرا ولكن بانتظام لن يكون هناك حاجة لعدد قليل من رجال الأعمال يقدمون مبالغ طائلة وساعتها سيحدث تحول هائل فى هذه المنظمات يجعلها معبرة أكثر عن المجتمع المصرى وخاصة المهمشين فيه وهم الفئة الغالبة بعد السياسيين وسط ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.

وساعتها أيضا ستصبح المنظمات المصرية أكثر تأثيرا فى المجتمع المصرية ومدينة له وليس لغيره بوجودها وعملها، وعندها سيصبح الجدل المتكرر والعقيم حول التمويل الأجنبى، وهو جدل يصرف الانظار أحيانا عن المشاكل الحقيقة للمجتمع ولهذه المنظمات أيضا، جدل ينتمى للماضى مثله مثل مبارك والشريف والعادلى والمؤامرات الأجنبية والأجندات الخارجية المزعومة.

التعليقات