عن الأمن القومى يسألون! - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 8:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن الأمن القومى يسألون!

نشر فى : الجمعة 9 أغسطس 2013 - 10:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 9 أغسطس 2013 - 10:30 ص

صارت كلمة الأمن القومى من أكثر الكلمات المتداولة فى مصر خلال الأزمة الأخيرة وأصبح البعض يرددها لإخافة الشعب وادخاله فى ايحاء التأثير النفسى الذى يجعل المرء يقبل أى شىء طالما اقترن بقضايا الأمن القومى.

مشكلة كثيرين ممن يتحدثون فى مصر عن الأمن القومى أنهم لا يرون فيه سوى البعد العسكرى الضيق والذى لا يمثل سوى جزء بسيط من مفهوم الأمن القومى المتكامل، لذلك نحن بحاجة لإعادة النظر فى هذا المفهوم وأركانه حتى لا نقع تحت تأثير إعلام موجه وسطحى وحتى لا نفاجأ أن أمننا القومى الحقيقى فى خطر.

مفهوم الأمن القومى يعنى قدرة الدولة على حماية الوطن من التهديدات التى تواجه الدولة ومواطنيها وتحسين نوعية الحياة وجودتها ومستواها فى اطار متكامل ويتشكل هذا التكامل من أبعاد ثلاثة هى:

أولا: مفهوم التوازن وهو شأن داخلى يتعلق بالتوافق القومى القائم على الدمج والاحتواء وليس الاستبعاد أو الاقصاء لأى مجموعات سياسية أو دينية أو عرقية أو فكرية داخل المجتمع طالما احترمت الاطار العام للدولة ورضخت للقانون.

ثانيا: الكفاية والعدالة الاجتماعية ويعنى قدرة الدولة على رفع مستوى معيشة الفرد وزيادة جودة الحياة والحفاظ عليها وكذلك طريقة توزيع الموارد والثروات بين المواطنين بما يمنع الحرمان الاقتصادى أو التهميش الطبقى الذى قد يدفع لعدم الرضا والسخط والاحباط ومن ثم اللجوء إلى العنف.

ثالثا: القدرات العسكرية للدولة التى تنفذ السياسات الدفاعية المختلفة.

وفى إطار هذه الأبعاد يعيد د/زكريا حسين المدير الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية تعريف الأمن القومى عبر هذا المفهوم المتكامل:

الأمن القومى يعنى القدرة التى تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية، الاقتصادية والعسكرية، فى شتَّى المجالات فى مواجهة المصادر التى تتهدَّدُها فى الداخل والخارج، فى السلم وفى الحرب، مع استمرار الانطلاق المؤمَّن لتلك القوى فى الحاضر والمستقبل تخطيطا للأهداف المخططة».

اقتصار مفهوم الأمن القومى على البعد العسكرى والأمنى التقليدى فقط خلل فى التصور والادراك يؤدى إلى تهديد الأمن وليس حمايته وتعريض الوطن لخطر جسيم سيؤدى إلى انفجار اذا لم يتم مراعاة الأبعاد الثلاثة الأساسية للأمن القومى.

●●●

لا يمكن الادعاء بحماية الأمن القومى اذا لم يتم الحفاظ على البعد السياسى ويتمثل فى الحفاظ على الكيان السياسى للدولة وأليات تداول السلطة وسلميتها دون تزييف لارادة الجماهير وكذلك البعد الاقتصادى الذى يعنى توفير احتياجات الشعب الاساسية والوصول إلى حد الكفاية ثم الرفاهية الاقتصادية كذلك الحفاظ على البعد الاجتماعى الذى يهدف إلى توحيد المجتمع وازالة الشروخ والشقاق بين افراده وجماعاته المختلفة ومناهضة خطابات الكراهية والتحريض والاستئصال المجتمعى بما يساعد على تنمية الاحساس بالولاء والانتماء للدولة بين كل افرادها كذلك ضرورة الحفاظ على البعد المعنوى المتعلق بحماية حرية المعتقد الدينى والفكرى وممارسته وتأمين الدعوة إليه دون تمييز بين معتقد وآخر ولا بين أغلبية وأقلية وأخيرا الحفاظ على البعد البيئى الذى يوفر تأمين البيئة والحفاظ على الموارد والثروات ومحاربة مسببات التلوث التى تهدد الدولة فى الحاضر والمستقبل.

الدول المتقدمة تتجاوز الآن مفهوم الأمن القومى الضيق إلى مفهوم الأمن الانسانى الذى يعنى حق المواطن فى مستويات الأمان المختلفة من أمن اقتصادى وبيئى وغذائى وشخصى وصحى وسياسى وغيرها.

توفير فرص عمل للمواطنين من صميم الأمن القومى تطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية واعادة توزيع الثروات على أسس المساواة والعدل صمام أمان للأمن القومى محاربة خطابات التحريض والكراهية وصناعة الفاشية حماية للأمن القومى، العمل على ازالة الفروق الطبقية الشاسعة بين أفراد المجتمع يحمى أمن الدولة واستقرارها حماية الحريات الشخصية والجماعية ركن أساسى فى منظومة الأمن القومى والحرية تعنى الأمان العام للمجتمع بينما القمع والتضييق يخلق حالة ثأرية يدفع المجتمع ثمنها ولو بعد حين.

تدهور الأوضاع الاقتصادية ومخاطر الفتنة الطائفية واستمرار الاحتقان والعنف السياسى، وسقوط هيبة القانون وسيادته مع الانفلات الأمنى والفراغ المؤسسى وتكلس دور مؤسسات الدولة التى تحتاج إلى اصلاحات واسعة واعادة هيكلة ــ لم تتم حتى الآن ــ كلها قنابل موقوتة قد تنفجر فى أى لحظة مع ملاحظة عامل النخر واضعاف الدولة المستمر باستمرار هذه المخاطر.

●●●

أعيدوا تعريف الأمن القومى لمصر ولا تسمعوا لنخب سياسية واعلامية توقف بها الزمن عند فهم قاصر وادراك محدود لم يعد ملائما لفهم الأخطار الحقيقية التى تهدد سلامة الوطن بل من فرط غبائهم يقومون بالمساهمة فى اضعاف منظومة الأمن القومى المصرى الذى لا يدركون ماهيته ولا أبعاده المتكاملة.

ليس كل من انتفض وارتفع صوته المتشنج ومارس هواية الردح والطنطنة فى الفضائيات بالحديث عن الوطنية والأمن القومى ووظف الحالة الراهنة لهواه السياسى أو لصالح من يدين لهم بالولاء ليس كلهم يعرفون صالح هذا الوطن بل يقودوه بعضهم إلى الهلاك بما يفعل جهلا أو قصدا أو استغباء.

احذروا كل خطاب شعبوى ديماجوجى يتملق الطموحات والعواطف الشعبية بهدف الحصول على التأييد من الرأى العام عبر الحشد النفسى للتأثير السلبى بعيدا عن المنطق والموضوعية هؤلاء يبدون كأنهم يؤيدون مصالح الدولة ويدافعون عنها ويدعون ان خطابهم يمثل الرأى العام الجمعى وهم فى الحقيقة يهدمون فى أساس الدولة ولا يعبرون الا عن بعض جماعات المصالح والنفوذ الذين يريدون أن يمضى الوطن فى مسار يلبى رغباتهم التى تتعارض مع المصلحة العامة.

حفظ الله مصر وأمنها القومى الحقيقى من العبث والاختطاف والاجتزاء والسطحية والأهواء.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات