السودان فى انتظار القرار الصعب - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السودان فى انتظار القرار الصعب

نشر فى : السبت 9 أكتوبر 2010 - 9:44 ص | آخر تحديث : السبت 9 أكتوبر 2010 - 9:44 ص

 فى مطلع يناير المقبل سيكون علينا أن نواجه موقفين فى السودان أحلاهما مر: إما استفتاء بانفصال الجنوب نهائيا، أو تجدد الحرب الأهلية بمعطيات جديدة. الظاهر أن الدول العربية، وبالأخص مصر، تتخذ موقع «المراقب»، أكثر من «المبادر»، ولاسيما أن اتفاق السلام الذى وضع حدا للحرب الأهلية عام 2005م، جرى تحت مظلة أمريكية، لم يكن للعرب دور فيه. لم نر إلى الآن أى سيناريوهات أو تصورات للتعامل مع «الجنوب المستقل». هل سيكون أقرب لو نظريا إلى العالم العربى، أسوة بالصومال وموريتانيا وجزر القمر، أم أنه سيكون أقرب إلى كينيا وأوغندا وإثيوبيا؟

(1)

فى 8 سبتمبر الماضى جددت هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية التزام بلادها بإقامة دولة مستقلة ذات سيادة فى جنوب السودان إذا اختار الجنوبيون الانفصال. وأرسلت إدارة الرئيس أوباما دبلوماسيا مخضرما هو برنستون ليمان للالتحاق بالمبعوث الأمريكى الخاص فى السودان سكوت جراتشن. شجع ذلك سيلفا كير، رئيس إقليم جنوب السودان، وهو فى الواقع ليس بحاجة إلى تشجيع، إلى أن يعلن أنه سيصوت للانفصال، أسوة بغالبية سكان الجنوب. وقد ذكر كير- إبان الحملة الانتخابية التى حصل فى نهايتها على 93% من أصوات الجنوبيين منذ بضعة أشهر- أن عمليات الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى الحقيقية ينبغى أن تعيد بناء ثوابت الدولة السودانية التى تأثرت بشدة، وتزيل مرارات الماضى. ولكن لا يبدو أن ذلك يحدث. وهكذا فإن انتخاب سلفيا كير، بهذه الأغلبية الساحقة، يمثل فى ذاته تصويتا مبكرا على استقلال الجنوب. وبات الأمر لا يخفى على أحد، خاصة أن العديد من الهيئات الدولية أقامت لها فروعا فى الجنوب، وبعض الدول باتت تتعامل مع الجنوب بوصفه دولة مستقلة، ولعل ذلك هو ما حدا برئيس الوزراء السودانى الأسبق الصادق المهدى بالقول بأن غاية ما يطمح إليه هو وجود دولة صديقة فى الجنوب.

(2)

حتى تنشأ دولة مستقلة فى الجنوب ينبغى أن يُعقد الاستفتاء المقرر فى مطلع يناير 2011م، والذى يبدو أن عوائق كبرى تعترض طريقه، منها تردد حكومة الشمال، برئاسة الرئيس عمر البشير، على عقد استفتاء سوف يحرمها من نحو 80% من احتياطى النفط فى السودان. وطبقا للاحصاءات الرسمية فإن السودان هو ثالث أكبر منتج للنفط فى أفريقيا جنوب الصحراء، حيث تنتج ما يقرب من نصف مليون برميل يوميا، وتمثل عوائد النفط نحو 2.8 بليون دولار، بما يشكل نحو 60% من الموازنة العامة للدولة. وقد مكن ذلك النظام السودانى من المراوغة والصمود فى وجه العقوبات الاقتصادية التى فرضتها واشنطن على السودان بعد اتهامه بدعم الإرهاب فى التسعينيات من القرن العشرين. وقد ألمح سياسيون سودانيون إلى أنه قبل الاستفتاء يجب أن يحدث اتفاق على الموارد الاقتصادية، وهو ما يرفضه الجنوبيون، الذين فى قناعتهم أنهم ضحوا بنحو مليونى قتيل فى حربين أهليتين ممتدتين الأولى منذ الاستقلال عام 1956م وحتى عام 1972م، والثانية منذ 1983 حتى عام 2005م. وبالتالى فهم ليسوا بحاجة إلى شراء استقلالهم بتقديم تنازلات بترولية.

وهناك عوائق لوجستية تحول دون عقد الاستفتاء الذى سوف يدشن إنشاء دول الجنوب المستقلة، أهمها عدم الاتفاق على ترسيم الحدود بعد أن فشلت اللجنة الفنية المكونة من 18 عضوا يمثلون الجانبين فى الاتفاق على الحدود بين الشمال والجنوب التى تبلغ ألفا ومائتى ميل، بعضها توجد به ألغام موروثة من الحرب دون خرائط لها. المعلن أن اللجنة اتفقت على 80% من الحدود، ولكن هناك خلافا حول خمس مناطق توجد بها غالبية حقول النفط السودانية. يضاف إلى ذلك أن الرعاة الشماليين يخشون أن يحرمهم ترسيم الحدود من رحلاتهم التى يعبرون فيها إلى المناطق الجنوبية بحثا عن المراعى. ويشكل ذلك حال المناطق المحيطة بمدينة «أبيى» على وجه التحديد.

إلى جانب غياب الإرادة السياسية، وتناقض المصالح الاقتصادية، هناك صعوبات فنية فى عقد الاستفتاء منها عدم حصر من لهم حق التصويت، وعدم إقامة مراكز للاقتراع فى مدن الجنوب، خاصة فى ظل وجود مليونى شخص جنوبى يعيشون فى الخرطوم، وفى المعسكرات المحيطة بها، فضلا عن معسكرات للاجئين فى كينيا وأوغندا. يضاف إلى ذلك آلاف السودانيين الذين حصلوا على حق اللجوء فى شتى بلدان العالم. وهناك نحو مائة وخمسين ألف شخص يعيشون فى الولايات المتحدة ذاتها. هؤلاء جميعا لابد أن يحصلوا على حقهم فى الإدلاء بصوتهم فى الاستفاء على الانفصال، والذى يشترط أن تتجاوز نسبة المصوتين فيه 60% من جملة من لهم الحق فى التصويت.

(3)

التصويت على الاستقلال ليس نهاية المطاف. هناك تحديات لبناء دولة على إقليم جغرافى لم تترسخ فيه جهود التنمية، ودولة القانون، ولا توجد لديه مؤسسات أو بنية أساسية. على مدى عقود عاش جنوب السودان فى حرب ممتدة ضد الحكومة السودانية فى الشمال. وإذا كانت اتفاقية السلام عام 2005 جعلت الجنوب طرفا فى الحكم فى ظل تقسيم السلطة، لكنها لم تنزع عنه عقلية العنف والحرب مما جعله يشهد صراعات داخلية، عرقية وإثنية، أودت فى السنوات الأخيرة بحياة الآلاف، ويخشى أن يؤدى الانفصال إلى صراعات أكثر ضراوة، حتى إن النخبة الحاكمة قد تعانى من انقسامات شديدة على أسس عرقية.

وإذا أراد الجنوبيون الاستئثار بالثروة البترولية دون إشراك الشمال، فإنهم بحاجة إلى إنشاء خط أنابيب بترول يأخذ مسارا، غير المسار الحالى الذى يخترق الشمال، وهو أمر لم تشرع فيه بعد، ومن غير المعروف إمكانية تحققه.

فى كل هذا الخضم من الأحداث تراقب الدول العربية المشهد من بعيد، وقد تولد فى قناعتها على ما يبدو أن استقلال الجنوب حقيقة، إن لم يكن اليوم، فقد يكون غدا. والسؤال ما السيناريوهات العربية للتعامل مع جنوب السودان حتى يكون دولة صديقة؟ وهل مصر لديها تصورات واضحة للتعامل مع جنوب السودان خاصة فى ضوء تعقد العلاقات مع دول حوض النيل؟

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات