استدعاء أكتوبر للعبور إلى المستقبل - سمير عليش - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استدعاء أكتوبر للعبور إلى المستقبل

نشر فى : الجمعة 9 أكتوبر 2015 - 11:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 9 أكتوبر 2015 - 11:40 ص

غدا شهر أكتوبر، لنا مصريين وعرب، منزلا من منازل الوحى الذى يوضح لنا الطريق «للعبور من يأس يونيو 67 إلى بأس أكتوبر 73»، ألا وهو المسئولية الجماعية والموارد المجتمعية فى إطار المصالحة على أساس المستقبل عبر الالتزام الدقيق بما يمكن تسميته عقدا اجتماعيا (بيان 30 مارس 68) يوضح العلاقة الجديدة بين الحاكم (السلطة) والدولة العميقة والمجتمع. (جميل مطر فى الشروق 1/10 المجتمع فى مصر أعمق من الدولة). هذا البيان الذى أقره الشعب فى استفتاء عام ثم التزمت السلطة والدولة العميقة بتنفيذه قد أعلى من قيم المواطنة والحرية، والأهم أنه طرح برنامجا للعمل يتضمن «التحول الديمقراطى وإعداد دستور جديد / اختيار القيادات / للعلم والمراكز البحثية / التنمية / المجتمع المدنى / الحافز الفردى / الاقتصاد... إلخ». هذا هو الطريق الذى أفضى «بالسلطة / الدولة / المجتمع» إلى اختراق حاجز اليأس وفتح للشعب المصرى أبواب الأمل فى مستقبل أكثر إشراقا.

•••

هذا الشهر ونفتقده هذا العام، أكثر من أى هلال آخر، إذ تدنت روحانية الأمة المصرية والعربية ودرجة تماسك مجتمعاتها إلى حدهما الأدنى، وإذ تعالت التحديات المحلية والإقليمية والعالمية إلى سقفها الأقصى.

هل يكفى حاليا الاستقطاب والتمزق فى النسيج الوطنى واحتضار الحياة السياسية، وهل يكفى الإعلان ان قضايا الفساد تقدر بالمليارات، وهل يكفى القول إن موارد السياحة وسيناء معطلة بسبب الإرهاب، وهل يكفى أن توضح لنا الدراسات النسبة المفزعة للأمية والتخلف المشين للمنظومات التعليمية (المدنية والأزهرية) والبحثية والإعلامية والثقافية، وتفشى الأمراض المهدرة للطاقات وتدنى خدمات المنظومة الصحية وانتشار العشوائيات، وتدهور الثقة فى منظومة العدالة، والحجم الكبير للبطالة السافرة والمقنعة… وهل يكفى أن نعلن فى صحفنا على أرقام الهدر على المظاهر فى الأفراح ورمضان والعمرات والحج المتكرر… وهل يكفى أن تقول لنا المؤتمرات الدينية إن الزكاة والعشور والتطوع بالجهود البشرية لو استخدمت وفق فقه الأولويات لقتلت الفقر والبطالة معا… وهل يكفى مناقشة الهدر نتيجة عدم صون الأراضى الزراعية وموارد النيل… وهل يكفى… الخ.

فكفانا تشتتا وعدونا الصهيونى مازال يرفع شعاره من النيل إلى الفرات ويزداد قوة اقتصاديا وعسكريا، واعترف العالم بإيران دولة نووية وبتركيا فى مجموعة الـ20 اقتصاديا، ومزق الإرهاب والفساد والمصالح العديد من الدول العربية، وكفانا عناية بمعسول الكلام وبالمردود السياسى والمعنوى للمشروعات والمؤتمرات وبمظاهر التدين دون جوهر الدين.

ولا شك لدى أن استمرار الاعتماد الحالى على الخارج، أو حتى تحميل هذا الخارج كل اللوم فى انخفاض الاستثمارات بسبب مؤامرات كونية وحروب الجيل السابع!، أمر فى عالم اليوم لم يعد صالحا للارتفاع بمستوى الحياة ولتوفير الأمن القومى واستقلال القرار واستدامة التنمية. فلا بد من البحث عن الذات وتزكيتها. والذات هنا هو المجتمع بتراثه وبمؤسساته ورأس ماله الاجتماعى، وبما تملك مصرنا من موارد مجتمعية ثقافية واقتصادية وطبيعية فعلا لا قولا ولا ادعاء.

وهكذا، فلابد ان يقوم المجتمع بواجبه عبر إحياء الروافع التى تم استخدامها بعد عار الهزيمة العسكرية فى يونيو للوصول إلى أكتوبر 73. وأعتقد أن تلك الروافع قادرة على تحقيق أهداف الملحمة الثورية التى انطلقت فى 25 يناير مرورا بـ 30 يونيو، رفضا للهزيمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التى منى بها الشعب بسبب الديكتاتوريات التى تناست مقومات الطريق إلى أكتوبر.

•••

فها الآن قطاع من هذا المجتمع الذى انتفض بعد 5 يونيو 67 مجبرا الحكم (السلطة) على تطهير الدولة العميقة وتغيير مسارها وأدائها من جهة، وتغيير علاقتهما به من جهة أخرى، يحاول حاليا إحياء طريق ميلاد جديد (عبر استدعاء أكتوبر) يتجاوز الانتكاسات التى لحقت بمسيرة ملحمته الثورية «25/30». وللعلم أن هذا المجتمع هو الرقم الصعب فى التغلب على السلطة ومن يساندها فى كلا التاريخين.

ولا يأبه هذا القطاع من المجتمع بإعطاء هذا الطريق اسما، وليكن «خريطة عبور للمستقبل»، ولكنه على كل حال مبادرة للتدارس والمشاركة.

وإننى من الذين يعتقدون أن خريطة العبور إلى المستقبل يجب ان تستند على ثلاثة أعمدة:

أولاــ احترام وتفعيل مواد الدستور (أهم إنجاز لشهداء 25 يناير ومطالب 30 يونيو) كمنطلق للمصالحة على اساس المستقبل، ولإعداد وتنفيذ برنامج عمل لإقامة دولة القانون / تطبيق العدالة الانتقالية والاجتماعية / تحقيق التنمية المستدامة، بقيادات فوق مستوى الشبهات للتصدى للفساد والارهاب.

ثانياــ نشر وتعميق مفهوم المسئولية الجماعية عبر الاضطلاع بالواجب الشخصى والتعاون مع الآخر والحكومة والمحليات فى إطار الترابطات القانونية / الواقعية تصديا لمشكلات الحاضر ونهضة المجتمع كله.

إن المجتمع وحده وكله قبل «السلطة والدولة العميقة» هو العامل الرئيسى لتحقيق هذا العبور، إن ثقافتنا تؤكد على مسئولية الفرد ولكنها ترفع من شأن الجماعة، حيث لها الفضل فى العبادة، ولها الأصل فى الديمقراطية، ولها الجمع يوم نحج إلى مكة أو القدس، ولها الحق فى مال الله الذى لا نمتلك التصرف فيه إلا وفق فقه الواقع والأولويات الذى يؤثر الصدقة الجارية، ويقدس حق الجوار وابن السبيل، ويعلى من قيمة الاضطلاع بمصالح خلق الله (التعليم، الصحة، الإسكان... الخ) عطاء بالمال أو تطوعا بالجهد المعرفى أو العضلى على نوافل العبادات.

وهذه الجماعة تعنى المجتمع الذى ننشده، وتعنى واجب المواطنة الذى نبتغيه.

ثالثاــ تعزيز وصون الموارد المجتمعية للارتفاع بالمردود الاقتصادى والاجتماعى لها عبر الجمع بين التراث والإفادة من العلم والتكنولوجيا والتخطيط. وبالتراث نعنى أولا جوهر الدين (الإسلامى والمسيحى)، ونعنى ثانيا الحياة الزاخرة التى نشأت على أساسه وأصبحت حضارة وثقافة معا يجب أن تتطور وفق معطيات العصر الذى نعيشه.

•••

وأنهى كلماتى بالدعوة للمشاركة فى مناقشة التساؤلات التالية مساهمة فى عبور مصر من الواقع المؤلم الحالى إلى مستقبل يلحقها بعصر المعرفة وتكنولوجيا المعلومات وحقوق الإنسان.

ماهو السبيل ان يتمتع المواطن / المجتمع بحياة دستورية عبر الالتزام بتفعيل مواد الدستور، وأن يسارع فى الانتفاض للدفاع عن أى محاولة لانتهاكها، بل والتصدى لمحاولات تشويه الدستور ومعديه والمجتمع المصرى الذى وافق عليه بنسبة تربو على 98%؟

كيف نجعل من المسئولية الجماعية والاعتماد على الذات (الموارد المجتمعية) مسيرة حياة المجتمع وليس استجابة لكارثة كما كان الحال فى 5 يونيو أو أزمة عميقة كما هو الحال حاليا؟

ما هو دور «الحكم (السلطة)» و«الدولة العميقة»... فى تعزيز الالتزام بالدستور الذى اقسمت اليمين للمحافظة عليه... وتعميق احساس المجتمع بالمسئولية الجماعية... وتعظيم الاستفادة من الموارد المجتمعية... وتحقيق العبور إلى الديمقراطية الكاملة بعد انتهاء المدة الانتقالية المحددة لبعض مواد الدستور (مدتين رئاسيتين)؟

وهنا اقول، نعم، الدستور الذى يسعى اليه المجتمع منذ «عرابى ثورة 19» ليس قرآنا ولا إنجيلا، ولكن إذا تمت الاستهانة به تسقط هيبة السلطة والدولة ويصير الأمر فوضى. افصحوا عن حقيقة ما هو مطلوب تغييره ومدى ضرورته لخير الأمة... وصوبوا الانتهاكات التى لحقت به ــ يرحمكم الله.

سمير عليش  ناشط في مجال الشأن العام
التعليقات