فقه العلاقات الدولية..الحرب: استثناء لا قاعدة (5) - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فقه العلاقات الدولية..الحرب: استثناء لا قاعدة (5)

نشر فى : الجمعة 9 نوفمبر 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 9 نوفمبر 2012 - 8:30 ص

الحرب فى العقيدة الإسلامية هى آخر الممكن بل هى «الوجه المكروه» للسلوك الإنسانى على كافة الأصعدة، فرب العالمين جل جلاله اسمه «السلام» ودينه الذى ارتضاه لعباده هو «الإسلام»، فلا يمكن أن يكون العنف أو القهر أو الحرب وسيلة مستساغة أو حتى مقبولة شرعا، فكيف تصور البعض بحسن نية وإخلاص أن الحرب فى حد ذاتها فضيلة دينية، أو فريضة قربى يتقرب بها المسلمون لربهم؟!.

 

(1)

 

نعم فللأسف الشديد قد تصور بعض المخلصين أن الحرب هى الجهاد، وتمادى البعض متصورا أنها اللون المستحب للجهاد، وهذا التصور أبعد ما يكون عن «حقيقة الإسلام» التى لا تؤخذ إلا من القرآن الكريم، وأوثق الصحيح من البيان النبوى. ولتفنيد هذا التصور أقول، إن أول ما يجب ملاحظته فى القرآن الكريم هو تنوع مصطلحات: الجهاد/القتال/الحرب، ولا شك أن هذه مصطلحات متغايرة بينها وبين بعضها علاقة لكنها ليست مترادفة، بل يفرق القرآن تفريقا واضحا بين الجهاد كمنهج عام فى التربية والعلاقات مع الآخر، وبين الحرب كأسلوب ذى مستويات متعددة لإدارة أزمات العدوان من حرب إعلامية ونفسية، إلى حرب دبلوماسية واقتصادية ثم حروب المقاطعة بأنواعها وإنتهاء بالحرب القتالية أو القتال إذا لزم الأمر.

 

(2)

 

وثانياً وهو الأهم أن نصوص الأحاديث النبوية الصحيحة بأنه(صلى الله عليه وسلم) كان يوصى قادة الجيوش أن يخيروا الناس بين ثلاث خيارات: إما الإسلام، وإما الجزية وإما القتال، فتلك أحاديث نبوية صحيحة، ولكنه ليست قاعدة عامة ولا سببا عاما من أسباب القتال، بل هو سبب خاص لخصوص الجزيرة العربية مقر الكعبة ومركز العقيدة الإسلامية من لدن «إبراهيم وإسماعيل» عليهما السلام، وقد تسللت الوثنية حتى أحاطت بالكعبة، فكان من أوجب الواجبات «إعادة الشىء لأصله» وتخليص مركز التوحيد ومحيطه من المنغصات التى تهدد الأمن والسلام وتبقى دائما مثيرة لاحتكاك ومهددة للأمن والسلام، لذلك ترى الرسول (صلى الله عليه وسلم) يغادر مكة بعد 13 عاما من النبوة دون أن يرفع سيفا أو يحارب أحدا من أهلها. وفى المدينة حينما جاء الإذن بالقتال لم يكن إذناً مطلقا مفتوحا، ولا قاعدة عامة، بل كان الإذن مقيدا مشروطا:(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) (40،39الحج)

 

ويؤكد ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) مع نزول هذا الإذن لم يفكر ولم ينذر ولم يهدد قبائل اليهود وبقى اليهود سواء داخل الحدود (قينقاع/ النضير/ قريظة) أو خارج حدود يثرب (تيماء/ خيبر). ولم يحاربهم إلا تأديبا على ما اقترفوه من جرائم لا تجد لها تكييفا شرعيا إلا أنه نقض للعهد وخيانة للوطن.

 

(3)

 

كذلك فإن الرسول(صلى الله عليه وسلم) لم يبعث جيشا خارج حدود الجزيرة، ولا تحركت جيوش النبى (صلى الله عليه وسلم) إلا لرد عدوان أو تأديب من يغير على حدود الدولة الناشئة، وأشهر جيش نبوى وصل إلى الحدود هو جيش «تبوك» والإجماع التاريخى ان ذلك الجيش قد تحرك بقيادة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ردا على إغراء الروم «للغساسنة المسيحيين» بالتمرد وتهديد الحدود فلما اقترب الرسول (صلى الله عليه وسلم) وجيشه فر «الروم» ووجد الغساسنة أنهم «مكشوفون» أمام المسلمين، فأدركوا ان الروم قد ورطوهم وتركوهم فأعلن الغساسنة الاستسلام والاعتذار ووقعت يومئذ «اتفاقية تبوك» بين الغساسنة وبين المسلمين، واختار الغساسنة محالفة المسلمين «حلفا عسكريا» يلتزمون فيه بحراسة حدود الدولة من ناحيتهم كما يلتزمون بالمشاركة فى تمويل «القوات المسلحة» الداعمة لحماية جميع الحدود، وهكذا يقول المؤرخون وصل الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى تبوك فلم يلق كيد حيث قد فّر الروم قبل وصوله، وهنا «وادع» أى «عقدت إتفاقية تحالف وصداقة ودفاع مشترك، فالموادعة علاقة مودة تقوم على «التواصل والتوافق» وليس «القهر والإستعلاء والفرض»كذلك فإن ما كان من الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى غزوات «بنى المصطلق» و«الفتح» و«حنين» وعفوه الشامل عن جميع الأسرى دون أن يَسلموا ودون «جزيه» لهو دليل واضح على عدم تقرير الإسلام للعنف والحرب كوسيلة لفرض الدين أو لفرض الأمر الواقع، كما أن الحرب فى المفهوم النبوى انها وسيلة غير مستحبة أى استثنائية لوضع الأمور فى نصابها.

 

 

 

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات